محمد زيان نقيب المحامين السابق والأمين العام للحزب الليبرالي المغربي والسياسي المثير للجدل يحكي في اعترافاته ل«المساء» عن طفولته وكيف كان مسيحيا يحمل اسم فيكتور مارتين ليصبح فيما بعد شيوعيا ملحدا، قبل أن يهتدي إلى الإسلام. في هذه الحلقات يتحدث زيان لأول مرة عن أسرار وخبايا «ضياع» موريتانيا من المغرب، وعن معتقل تازمامارت وعلاقة الحسن الثاني به وحكاية استقالته من الوزارة واتهامه بتهريب المخدرات وكيف كانت الدولة «تصنع» الأحزاب والزعماء. - قلت إن إسرائيل ساعدت فرنسا على تصفية المقاومة الجزائرية وكانت لها مصلحة في اغتيال المهدي بنبركة؛ كيف ذلك؟ الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة على علم ببعض تلك المعلومات والأسرار التي كانت بحوزة بنبركة... - (مقاطعا) ولم لا يدلي بها؟ -- لست أدري. ومن ناحية أخرى، أنا أغلِّب فرضية أن تكون قد تمت تصفية بنبركة في المكان الذي تم اقتياده إليه والذي تحكي روايات متعددة أنه فيلا في ضواحي فرنسا، ولكنني أرجح أن عنصرا إسرائيليا كان بانتظار بنبركة في مخفر الشرطة وليس في تلك الفيلا، وهو الذي قام بتصفيته. وحين تم قتل بنبركة، قامت السلطات الفرنسية بتلك المسرحية التي تتحدث عن تعذيب بنبركة وقتله في فيلا بضواحي فرنسا. وبعد قيام الطالب بتقديم البلاغ، أرادت المخابرات الفرنسية أن تلفق التهمة للمغرب. - قلت إن بنبركة كان على وشك تزويد الولاياتالمتحدة بمعلومات عن المنظمات الثورية التي حصلت على التمويل من تيتو، هل تقصد أن بنبركة كان يعتزم خيانة رفاقه؟ لا أعرف، ربما نعم، وربما كانت المعلومات التي وعد بها الولاياتالمتحدة معلومات زائفة، أو ربما شعر بأن «مؤتمر القارات الثلاث» لن يستمر طويلا، لا يمكنني أن أجزم. كما يجب ألا ننسى أنه في سنة 1956 التي نال فيها المغرب استقلاله -وفي تلك العشرية قامت الثورات على الحزب الوحيد في عدد من الدول- كانت الاجتماعات تعقد في واشنطن لمناقشة استعمال التقنيات الرقمية في الميدان التجاري، بمعنى أن جميع رؤساء دول العالم الثالث لم يكونوا يعلمون شيئا عن التطور العسكري للولايات المتحدة أو إلى أي مستوى وصل العمل المخابراتي الرقمي للعالم. وربما كان المهدي بنبركة، الذي كان على اتصال بالغرب والشرق، على علم بهذا التطور، وربما كان سيسلم -كما قلت- معلومات مزيفة إلى الولاياتالمتحدة، وربما كان يريد التفاوض لدعم المنظمات الفلسطينية، وربما كان يعتزم التعامل مع الولاياتالمتحدة لتقوم بدور فعال في دمقرطة العالم الثالث، وهو الأمر الذي وصلنا إليه اليوم. - هذه الاستدلالات التي تقدمت بها تنفي تورط المغرب في اختطاف واغتيال بنبركة، مع أن الجميع، بمن فيهم الحسن الثاني، يتحدثون عن تورط الجنرال أوفقير في اختطاف واغتيال بنبركة!؟ دعني أوضح أمرا، أوفقير كان عنصرا من المخابرات الفرنسية في المغرب، فلم تكن هناك عناصر مغربية في فرنسا، لكن بالمقابل كانت هناك عناصر فرنسية بالمغرب. أوفقير هو الوحيد الذي كان قادرا على دخول غرفة نوم بنعرفة، والحصول على توقيعه، وهو من استقبل محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى، وهو الذي نظم القصر بمجرد دخول محمد الخامس إليه، وهو كذلك من أصبح مديرا عاما للأمن الوطني عندما سلمت فرنسا «تدبير» قطاع الأمن للمغرب بعد ثلاث سنوات على الاستقلال، وأوفقير كان أيضا عنصرا في الجيش الفرنسي، وهو الذي نظم الجيش المغربي باتفاق مع فرنسا، وهو الذي كان يعرف حقيقة وجود تازمامارت؛ وحقيقة تازمامارت هي أن فرنسا، بعد نشوب عدة ثورات في العالم، كانت تختار أراضيَ بعيدة عن المناطق السكنية في المغرب وتبني عليها ثكنات عسكرية، بحيث تكون قريبة من فرنسا وقريبة من إفريقيا، وهي الثكنات التي كانت تستعملها للتدخل العسكري حينما تحدث ثورات في القارة الإفريقية؛ وأوفقير هو الوحيد الذي كان يعلم بالضبط أين توجد هذه الأماكن؛ وحين انتهت الثورات الإفريقية تم إقفال هذه الثكنات، لكن أوفقير استعملها كمعتقلات سرية. وهناك روايات تقول إنه كان يعدها ليرسل إليها كل من يقف في طريقه بعد الانقلاب الذي كان يحضر له. - هل كان الاتحاديون على استعداد للتعاون مع أوفقير بعد الانقلاب؟ أنا أظن أنه كانت هناك بالفعل اتصالات بين الاتحاديين في ألمانيا وبين أوفقير، والفقيه البصري لم ينكر حدوث مفاوضات، وفاطمة أوفقير تؤكد هذا. - في قضية بنبركة، هناك من يقول بتورط الدليمي وحسني بنسليمان أيضا.. هذا غير صحيح، لو كان الدليمي متورطا لما كان ذهب إلى فرنسا ولما كانت فرنسا حكمت ببراءته، أما حسني بنسليمان فلم يكن له منصب مهم ليكون متورطا في قضية مثل هذه. - لماذا، إذن، لم تسمح السلطات المغربية للقاضي الفرنسي المكلف بقضية بنبركة بالاستماع إليه؟ لأن الأمر يتعلق بفرنسا، والمتورط في ملف بنبركة هي المخابرات الفرنسية، ثم إن الإنابة القضائية لم يكن يمكن قبولها لأنها مبنية على رواية مخابراتية فرنسية رسمية. لقد سبق أن برأ القضاء الفرنسي وقاضي التحقيق هؤلاء المسؤولين، وكان القضاء الفرنسي آنذاك كلما شارف على الإمساك بطرف الخيط الموصل إلى الحقيقة فوجئ بقتل المسؤول الذي كان مكلفا بإظهارها، ثم إن القضاء الفرنسي قام باستنطاق المخابرات المغربية عوض أن يقوم بالأمر مع المخابرات الفرنسية، مع أن الاختطاف حدث في فرنسا. - ألم يكن من الأفضل للسلطات المغربية أن تعلن رفضها استنطاق القاضي الفرنسي لشخصيات مغربية، بناء على المعطيات التي تقدمت أنت بها، بدلا من القول إنها لا تعرف أين يسكن حسني بنسليمان؟ أنا أقطن بالرباط منذ مدة، وأعتبر نفسي من رجال السياسة بهذه المنطقة، لكني لا أعرف أين يسكن حسني بنسليمان. - الأمر مختلف، أنت شخص، لكن إمكانيات جهاز القضاء والدولة أكبر من أن تجعلهما في موقف العاجز عن معرفة سكنى أحدهم؟ من كان سيمنع القنصل الفرنسي من الحصول على عنوان حسني بنسليمان؟ من سلم السلطات الفرنسية اسم الجنرال بنسليمان.. لماذا لم يسلمه عنوانه؟ السلطات الفرنسية كانت تتعامل مع القضية وكأن المغرب هو أرض تابعة لها ومن حقها التصرف فيها كما يحلو لها. - هناك أناس كثيرون، مثل البخاري عميل الكاب 1 السابق، قدموا روايات حول قضية بنبركة، وهي روايات تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ. لكن لماذا لم يقم القضاء المغربي بدوره باستدعاء الأسماء المشتبه في تورطها والتحقيق معها ليقطع دابر الشك؟ أنا أتذكر أحد الأشخاص الذين اتهموا بالتورط في قضية بنبركة، واسمه على ما أظن حمادي التونسي. وقد رفع دعوى على القضاء المغربي يتهمه بالقذف، وكذلك فعل مع القضاء الفرنسي، حيث قال إنه مستعد للخضوع للتحقيق، لكن سيكون من حقه في حال عدم وجود أدلة أن يتهم الجهاز القضائي بالقذف، ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد يجرؤ على ذكر اسم التونسي؛ ولو كنت مكان حسني بنسليمان لفعلت نفس الشيء. من ناحية ثانية، البخاري ليست له مصداقية. ما أعرفه أنا هو أن للمغرب خصومه، وأن تطوره مخالف لتطور باقي الدول، ومن الطبيعي أن يسعى هؤلاء الخصوم إلى تشويه صورته. - قلت إن عبد العزيز بوتفليقة كان مطلعا على بعض المعلومات السرية التي كان يخفيها بنبركة؛ كيف ذلك؟ لأنه اشتغل مع بنبركة في «مؤتمر القارات الثلاث» وحتى قبل ذلك.