تأسست مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين من أجل تشخيص ما تعرفه المنظومة التعليمية من مشاكل واعتماد منهجية البحث والتقصي.وقد التقت المساء عبد الله لخلوفي، منسق مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين المدرسة العليا للأساتذة – جامعة محمد الخامس الرباط – أكدال وأجرت معه هذا الحوار: - ما الغاية من تأسيس مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين؟ تتجلى للمتتبع لأحوال تعليمنا ومنظومتنا التربوية المضطربة الاختلالات بكل سلبياتها عند كل مستوى تعليمي وعلى صعيد كل طور من أطواره، انطلاقا مما يسمى التعليم الأولي ووصولا إلى التعليم العالي. وقد زاد من خطورة الوضع عدم التمكن، إلى حد الآن، من تحديد أصل هذه الاختلالات. والوقوف على هذه الحقائق المحبطة للعزائم هو ما دفع بنا، نحن مجموعة من الأساتذة الباحثين في المدرسة العليا للأساتذة في الرباط، لتكوين «مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين» (م ب 3ت) Groupe de Recheche et d'Evaluation de l'Enseignement et de la Formation GREEF ، للعمل على تشخيص أمراض وأسقام منظومتنا التربوية والتعليمية بطريقة الاستكشاف عن قرب، بمنهجية البحث العلمي، لتقصي الحقائق وتحليل المعطيات تحليلا موضوعيا، ليتسنى تقييم الأوضاع تقييما شاملا كفيلا بجعلنا تقوّم التشوهات والاعوجاج تقويما سليما. - ما هي المنهجية التي تشتغلون بها حاليا؟ قامت مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين (greef) بتفحص المناهج والبرامج وتقييم الكتب المدرسية وتقصي مكامن الضعف في الكفاءات المعرفية والمهنية لطلابنا وخريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من أجل إنجاح مشروع إصلاح منظومتنا التربوية والتعليمية، ارتأت المجموعة العمل بمنهجية طبيعية تقتضي التفتح على كل الأطوار التعليمية وفعالياتها وكذا التفاعل مع المسؤولين وكل فعاليات المجتمع، من برلمانيين وسياسيين وأحزاب ونقابيين ورؤساء جامعات... إلخ. من دون إغفال الدور المحوري لمؤسسة الإعلام في حشد الهمم وتقريب أطراف الوطن المترامية. فلا بد من العمل على تحويل منظومتنا التربوية والتعليمية من قاطرة تسير بالفحم الحجري إلى قاطرة كهرو -مغناطيسية كفيلة بجرّ قطار التنمية البشرية الفعلية في الاتجاه الصحيح وبالسرعة المطلوبة.. فإذا كنا، فعلا، ننشد تنمية بشرية مدمجة وفعالة، فعلينا أن نجعل من تكوين العنصر البشري تكوينا سليما ومتكاملا الهدفَ الذي لا بد من بلوغه، إذا ما أردنا فعلا التصدي للأزمات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية. فعلينا أن نعمل على إعادة النظر جذريا في المسارات الإصلاحية «المعطوبة» التي تم تبنيها إلى حد الآن، والتي تبيّنَ أنها لم تزد أوضاع منظومتنا التربوية والتعليمية إلا ترديا وأحوالنا الاجتماعية إلا تعقيدا واضطرابا. - ما هي الخطوات التي تسيرون عليها حاليا؟ منذ 2006، تاريخ تكوين مجموعة البحث وتقييم التعليم والتكوين على صعيد المدرسة العليا للأساتذة بالرباط، تمكّنّا من تكوين نظرة متكاملة لما يجب القيام به لإصلاح منظومتنا التربوية والتعليمية إصلاحا شاملا كفيلا بأن يعيد لها عافيتها. وحتى نتمكن من تفعيل هذه الإصلاحات وإنزالها على أرض الواقع، لا بد من العمل على جعل جميع فعاليات المجتمع ومكوناته تنخرط في هذا الإصلاح لإنجاحه، خاصة منها الفعاليات الإعلامية. وقبل الإقدام على هذه العملية متعددة المسارات، ارتأينا أنه من الواجب علينا أن نركز، في بداية الأمر، على أحد محاور هذه الإصلاحات كحالة طارئة، تستوجب الاستعجال في التعاطي معها، يتعلق الأمر بما يشوب استكمال التكوين في المراكز البيداغوجية الجهوية (CPR) من اختلالات مخلة بأدبيات ومتطلبات تكوين مدرسين أكفاء في التعليم الإعدادي، أحد الأطوار التعليمية الأساسية، حيث يتم الإعداد الفكري والمنهجي لأبنائنا. والمثير للقلق ما يتم التخطيط له من إدماج هذه المراكز مع مراكز التكوين الجهوية (CRF) -التي استحدثت على عجل للاستغناء عن المدارس العليا الأساتذة التي أصبحت تابعة للفضاء الجامعي- وكذا مراكز تكوين المعلمين، في أفق تكوين ما يسمى «المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين»، في غياب تام لأي فكرة عن الإصلاحات الجذرية التي يجب إدخالها على ما يسمى استكمال التكوين المعرفي في هذه المراكز. - كيف تقيم الوضع التعليمي الحالي؟ يمكن تقييم الوضع التعليمي الحالي بالتركيز على ما يعرفه من تناقضات أساسية صارخة، يمكن إجمالها في ما يلي: اضمحلال وظيفة «التعليم اللغوي» أدى إلى تضييع المدرسة الابتدائية (وكذا ما يسمى التعليم الأولي) دورَها ومهمتها، ومما يثير الاستغراب أن المسؤولين التربويين لم يظهروا أدنى إحساس بالحرج وهم يعملون عن زيادة «إعاقة» أطفالنا في وقت مبكر، بالعمل على تدريسهم معارف ومفاهيم ليس في مقدرتهم ولا في مقدرة من يدرّسونها استيعابها.. -أصبح رجال التعليم ما قبل الجامعي مطالبين بتدريس ما يفوق مستويات كفاءاتهم المعرفية. أصبحت التكوينات التي تقوم بها المؤسسات الجامعية، في إطار الإصلاح البيداغوجي (ليسانس، ماستر، دكتوراه)، ضيقة وجد متخصصة، حيث أصبح المتخرجون الذين يعملون كمُدرّسين في التعليم الإعدادي والثانوي مطالبين بتدريس ما لا دراية لهم به، وما يتجاوز بكثير مستوياتهم ومؤهلاتهم المعرفية. -يشكو الجميع من التدهور الحاد للمستوى اللغوي لتلامذتنا وطلابنا وكذا للمستوى المعرفي، ورغم ذلك، يعمل الجميع على الدفع بالتدهور إلى حدود أكثر تدنيا بمرور الزمن، ففي خرق سافر لأخلاقيات التعليم والتدريس، يهدف البرنامج الاستعجالي إلى إنجاح حتى الأميين، بتواطؤ مع المجلس الأعلى للتعليم وكل مكونات المجتمع، بدءا بالآباء ومرورا بهيئة التدريس ووصولا إلى المسؤولين التربويين والإداريين.. وما إلى ذلك من التناقضات التي يضيق الوقت للتطرق لها في شموليتها. -أين يكمن الخلل في المنظومة التعليمية؟ وكيف يمكن الإصلاح؟ لن يتسنى إصلاح المنظومة التعليمية إصلاحا حقيقيا إلا إذا جلسنا إلى الأرض، كما يقال، وعملنا على طرح الأسئلة المفصلية المتعلقة بما نتوخاه من تعليمنا؛ يجب أن نحدد وجهتنا وأهدافها قبل الإقدام على إصلاح ما يراد له النجاح. من نحن، وماذا نريد؟ هل نريد فعلا تحديث البلاد تحديثا فعليا حقيقيا يقطع مع نهج التخلف، أم نريد فقط رفع شعارات الحداثة الفلكلورية المشوهة، المفرغة من محتواها؟.. لا بد من إعادة الاعتبار لأخلاقيات تم الإجهاز عليها تماما، ويتعلق الأمر باحترام أصحاب التخصص ومن تؤهلهم مستوياتهم الأكاديمية للقيام بمهام الإصلاح في كل الميادين على الوجه المطلوب. -لماذا عمل الأساتذة الباحثون في المدارس العليا للأساتذة على إلحاقها بالجامعة؟ -الإجابة على هذا السؤال كفيلة بإلقاء الضوء من كل الزوايا على ما تعرفه منظومتنا التربوية والتعليمية من اختلالات جوهرية مخلة بكل الضوابط.. نحن لم نعمل على «تهريب» المدارس العليا للأساتذة إلى الجامعة لإخراجها عن مسارها الطبيعي الممتد منذ أربع وثلاثين سنة مضت (أكثر من ثلث قرن من الزمان)، بل طالبنا بإلحاق هذه المؤسسات بالفضاء الجامعي لفك أغلالها وأغلال الأساتذة الباحثين فيها لكي يتعاطوا للبحث العلمي بكل مكوناته. لم نكن، إذن، نريد قطع الحبال مع تعليمنا ما قبل الجامعي حينما طالبنا بإلحاق المدارس العليا للأساتذة بالجامعة وتحقق لنا هذا الأمر. لقد كان قصدنا هو ولوج فضاء رحب يمَكّننا من تعهد أنفسنا بالتكوين المستمر الذي يؤمّنه لنا البحث العلمي للقيام بواجباتنا في إسعاف التعليم ما قبل الجامعي على أحسن وجه. - ماذا يعني إكمال التكوين في المدارس العليا للأساتذة؟ تجدر الإشارة، في البداية، إلى أن المرور السريع، بل المتسرع، لخريجي الكليات بالمدارس العليا للأساتذة لتلقي ما هو معروف ب»إكمال التكوين» (complément de formation) يدخلهم طبعا في خانة خريجي هذه المؤسسات. فما هذا التكوين الذي يتلقاه هؤلاء حتى يُحسَبوا من خريجي المدارس العليا للأساتذة التي مروا منها مر الكرام، حيث يتخرج جلهم وقد نجح بميزة «لا بأس به» (.A. B) أو «حسن» (B).. قلنا من قبل إنه منذ تسعينيات القرن الماضي أصبح كل مرشح لاجتياز مباراة الالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة للتخرج كمدرس للبيولوجيا والجيولوجيا، كمثال، حاملا للإجازة إما في البيولوجيا وإما في الجيولوجيا، أما بعد الإصلاح البيداغوجي (LMD) الأخير، فقد أحدثت تخصصات دقيقة في البيولوجيا، كما هو الشأن في الجيولوجيا، وهكذا دواليك في كل أصناف العلوم. في المقابل، استمرت المدارس العليا للأساتذة في إعطاء تكوين «معوق»، مشوه أبتر، متجاوَز، لا علاقة له بما طرأ في محيطها الجامعي وما قبل الجامعي من تغيرات عميقة وإصلاحات، جلها معطوبة.