هجرة كبيرة عرفتها عدد من الدول صوب المغرب، من أجل ضمان مستقبل مريح، وتوفير ما لم يستطع المواطنون الأجانب توفيره في بلدانهم. لكن ليس كل من هجر «قطران» بلده سعيا وطمعا في «عسل» البلدان وجد مراده وحقق مبلغه. فمن الأجانب الذين تركوا وطنهم وفضلوا الاغتراب عنه من استطاع أن يحقق ما قطع من أجله المسافات وترك الأهل والأحباب، وأصبح يلعب بالملايين كما يلعب بالمفاتيح. لكن في المقابل هناك من لم يصب سهم الحظ هدفه، فأخطأ المرمى، ليكون مصيره السجن والخيبة. «جورج. إ»، مواطن فرنسي تربى في أسرة كاثوليكية، لها حظوة في الدين، لكن لم تكن لها حظوة في الدنيا، مما جعل أفراد الأسرة يكابدون قساوة العيش، خصوصا بعد أن مات معيل الأسرة. انقطع جل الأبناء عن الدراسة، وخرجوا إلى الشارع طلبا للرزق والمال من أجل تضميد جرح الفقر والحاجة، لكن «جورج.إ» كان مساره غير مسار باقي إخوانه الثلاثة. يصف جورج، البالغ من العمر 43 سنة، معاناة الأسرة، التي كانت تعيش في إحدى ضواحي مارسيليا، وكيف كان إخوانه الصغار يقطعون أزيد من 40 كيلومترا من أجل جلب لقمة العيش. هذا البؤس جعل جورج ينتفض، رافضا أن يستمر هذا الوضع، وتستمر معه معاناة الوالدة والإخوة الصغار. «الحريك» إلى مراكش عمل جورج في ضيعة أحد أثرياء العالم القروي، ينظف الإسطبل، ويقتني كل متطلبات المنزل الذي يقطن به هذا الثري، الذي سيتبنى بعد ذلك جورج، وينفض عنه غبار الفقر، ويفتح له باب الرزق الوفير. بعد أن اشتد عود جورج وأصبح قادرا شيئا ما على تحمل المسؤولية، قرر أن يدخل مدرسة خاصة لفنون الطبخ. تكفل معيل جورج بكل مصاريف الدراسة، إلى أن قضى جل السنوات المخصصة للدراسة. لم يجد جورج عملا يكفيه للعيش في العاصمة باريس، «فالأزمة أغلقت جل المنافذ التي يمكن أن أدخل منها لضمان لقمة العيش»، يقول هذا المهاجر الفرنسي ل«المساء». تعامُل جورج، الذي تزوج ورزق ببنتين، مع الشبكة العنكبوتية، كان سببا في إرشاده إلى مراكش، التي يقول إنها «جنة إفريقيا». قرأ المواطن الفرنسي كثيرا عن مراكش وعن مزايا هذه المدينة على جل المستويات، حتى أضحى همه الوحيد هو الهجرة إليها، ولو اقتضى الأمر الدخول بطريقة غير قانونية (الحريك). يد المعيل ستتدخل مرة الأخرى، إذ مده صاحب المزرعة بأموال سيسافر بها إلى مراكش. وهناك سيلتحق بفندق يديره مواطن فرنسي، سيتعرف عليه، ويكلفه بالعمل في مطبخ الفندق الموجود بمنطقة جليز الراقية. صاحب مطعم شهير استقر جورج بالفندق الشهير، واجتهد في أن يقدم أفضل أنواع الأكل، التي يحبها زوار الفندق، الذي فضل عدم ذكر اسمه. وبعد مرور ثلاث سنوات من العمل في الفندق بدأ صيته يصل إلى باقي الفنادق الأخرى، التي حاولت أن تستقطبه، بدفع أجر مالي كبير. لكن جورج فضّل الاستقرار بالفندق، الذي كان له الفضل عليه، والعمل على الإبداع في الطبخ، وبعض الأشياء الأخرى التي تقدم لبعض الضيوف. خلال تلك الفترة عمد هذا الفرنسي إلى التعرف على الزوار الدائمين للفندق، خصوصا الفرنسيين منهم، ومحاولة معرفة أطباق الأكل التي يحبونها، والعمل على توفيرها لهم كلما حلوا بالفندق في أحسن حلة. وهكذا أضحى كل مواطن فرنسي ينزل بالفندق، يسأل ويبحث عن جورج، حتى ذاع صيته بشكل منقطع النظير، يقول أحد أصدقاء جورج في لقاء مع «المساء». الشهرة التي اكتسبها هذا المواطن، الذي أرغمه الفقر على الهجرة إلى مراكش، دفعت إدارة الفندق إلى ترقيته وجعله مشرفا عاما على المطبخ، فتطور أداء الطبخ بالفندق، وانعكس ذلك على أجر جورج بعدما قررت الإدارة الزيادة في أجره. إذ بعد أن كان يحصل على مبلغ 15 ألف درهم، زادت الإدارة في أجره ليصل إلى 30 ألف درهم شهريا. وبعد أن اشتد عضد جورج، وكسب خبرة كبيرة وواسعة، قرر أن يقدم استقالته من الفندق، وإنشاء مطعم كبير يوجد في شارع محمد السادس، أحد الشوارع الراقية بالمدينة الحمراء. استقطاب الطباخين «درست جوانب المشروع، وأعددت له جل الإمكانية لتحقيق شهرة كبيرة وفي مدة قصيرة». هذا أول ما قام به جورج قبل إنشاء مشروعه التجاري. ذاع صيت المطعم، وأضحى العديد من الأجانب، خصوصا منهم الفرنسيين يرتادونه. استقطب جورج عددا من الطباخين، الذين تعرف عليهم خلال مقامه بمراكش، ومنحهم رواتب مغرية دفعتهم إلى التخلي عن وظائفهم والالتحاق بمطعمه. «سعيد ر» أحد الطباخين الذي التحقوا بهذا المطعم. إذ بعدما كان يحصل على 4000 درهم مقابل عمله بأحد الفنادق المصنفة بالمدينة الحمراء، أضحى اليوم يحصل على 7000 درهم شهريا. وهكذا تحولت حياة جورج من الضنك وشظف العيش إلى الثراء والرغد. إذ بعدما كان مجرد عامل في مزرعة بضواحي باريس تحول إلى صاحب أحد أكبر المطاعم في مراكش الحمراء. مراكش... مصدر الثراء في المقابل، ليس كل الأجانب يشقون طريقهم نحو الثراء في المدينة الحمراء. فهناك من عوض أن يحصد الأموال حصد الخيبة والمصائب، وبدل أن يصنف في خانة أصحاب الأموال صار من أصحاب السوابق والسجناء كما هو حال مواطنة أسترالية حلت بمدينة مراكش سنة 2008. إذ بعد أن طردت من عملها بأستراليا ولم تعد تتوفر على مورد عيش يلبي حاجياتها قررت السفر إلى عاصمة النخيل في محاولة منها أن تقلب حياة العطالة التي كانت تعيشها في العاصمة الاسترالية إلى حياة بذخ وثراء، بعد أن سمعت عن مواطنين أجانب هاجروا بلدانهم هربا من الفقر والعطالة نحو مراكش، وحولوا حياتهم بين عشية وضحاها إلى حياة رفاهية وغنى. قبل سنوات حلت «أ.س» بمراكش من أجل العمل في المجال السياحي، الذي تعتبره رافعة الإنسان نحو عالم المال والشهرة. بحثت «أ.س» عن مجال سهل يراعي إمكاناتها وقدراتها العلمية وغربتها عن البلد. وبعد تفكير طويل قررت هذه المواطنة الأسترالية العمل في مجال الإرشاد السياحي بمدينة مراكش. قامت «أ.س» بمحاولات عديدة من أجل جلب السياح، لكن جل محاولاتها باءت بالفشل، بعد أن رفض العديد من أرباب وكالات الأسفار التعامل معها، والسبب في ذلك هو أنها لا تتوفر على ترخيص في مجال الإرشاد السياحي ولا تربطها علاقة بجمعية المرشدين السياحيين. حينها سلكت «أ.س» طريقا آخر للعمل في هذا المجال، الذي تعتبره الباب الأول نحو الثراء. إذ عمدت إلى العمل مع فرنسية تعمل في هذا المجال. وقد قامت «أ.س» باقتراح من «معلمتها» بإنشاء موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، والعمل من خلاله. قامت «أ.س» بالتعريف في موقعها بمراكش وبعض الأماكن التي يمكن للسائح زيارتها، عارضة العديد من الخدمات السياحية، من إرشاد، وزيارة محلات (بزارات)، ودور للضيافة.... «فوكّيد» أسترالية في قبضة الشرطة لم تكن تعلم «أ.س» أن هذه الطريق محفوفة بالمخاطر، ومزروعة بالأشواك بدل الورود، كما كانت تعتقد في بداية الأمر. فبعد شهور من ممارستها مهنة الإرشاد السياحي خارج القانون، وبينما كانت في أحد دروب المدينة العتيقة تقوم بإرشاد بعض السياح داخل أحد المحلات (بزار)، طوقها خمسة أفراد ينتمون لجمعية المرشدين والمرافقين السياحيين بجهة مراكش تانسيفت الحوز، يتقدمهم رئيس الجمعية جمال السعدي، بعد أن تلقوا معلومات تفيد بأن مواطنة أجنبية تتقدم وفدا من السياح بأحد دروب المدينة العتيقة لمراكش وتقوم بمهمة إرشاد غير قانونية (فوكيد). وبعد أن تأكد أفراد الجمعية بأن الأجنبية لا تتوفر على أي وثيقة ترخص لها العمل في مجال الإرشاد السياحي، اتصلوا بمقر الشرطة السياحية لإبلاغهم بالحدث. ولم تمض دقائق قليلة حتى حلّ عناصر من الشرطة القضائية إلى المكان، واقتادوا المواطنة الأسترالية صوب مقر الشرطة، ليتأكدوا من هويتها وما إذا كانت تتوفر على ترخيص للعمل في مجال الإرشاد السياحي. صرحت ال«فوكيد» أمام المصالح الأمنية التي أوقفتها أنها تعمل لفائدة «معلمتها» الفرنسية، وأنها اضطرت إلى العمل بدون ترخيص بعد أن أغلقت في وجهها جل الطرق والسبل لتحصيل المال. من بين المفارقات التي صرحت بها المواطنة الأسترالية في محاضر الضابطة القضائية أن المقابل المالي للخدمات الإرشادية التي تقدمها للسياح، هي أقل بالمقارنة مع الأموال التي يحصل عليها المرشدون السياحيون المغاربة، هي التي كانت تطمح إلى تحسين وضعها الاجتماعي. وأوضحت الموقوفة أن «معلمتها» الفرنسية تتقاضى عن كل جولة تقوم بها رفقة السياح 2000 درهم، إضافة إلى استغلالهم في بعض «الهمزات»، على حد تعبيرها.