يبدو أن نظام نيكولا ساركوزي، الذي يعيش أيامه الأخيرة، عازم، وإلى آخر دقيقة، على تطبيق سياسته الأمنية والزجرية المتشددة ضد المسلمين؛ فعلى خلفية «قضية محمد مراح» وتماشيا مع الخطاب الذي ألقاه نيكولا ساركوزي والذي يعد بالتصدي لمستعملي المواقع الإلكترونية الداعية إلى العنف أو الإرهاب، طرح وزير العدل يوم 11 أبريل «به فيه» أمام مجلس الحكومة، نصّ مشروع قانون في هذا الاتجاه؛ وقد فصل مقتضيات هذا النص في مقابلة خص بها صحيفة «لوفيغارو». ويهدف المشروع إلى «معاقبة جميع أشكال التحريض على الإرهاب أو الدعاية له، وبالأخص على الأنترنيت». ويقترح نصّ المشروع أيضا إنشاء بند يعاقب تصفح المواقع التي تحث على الإرهاب أو تشجعه ببثها لصور عمليات إرهابية. كما يتضمن المشروع بندا آخر يعاقب بموجبه الأشخاص الذين يترددون على معسكرات التكوين والتدريب على السلاح لغايات إرهابية. وسيعرض نص المشروع على مجلس النواب القادم لتدارسه والمصادقة عليه. ولإثارة انتباه الناخبين إلى سياسته المتشددة، قرع كلود غيان، أحد قناصة النظام الساركوزي، جرس المبرقعات بنشره لإحصائيات بعدد العقوبات التي شملت 299 امرأة من بين 354 يرتدين البرقع أو الحجاب الأفغاني في الأماكن العمومية. وحسب وزارة الداخلية، التي اختارت توقيت اقتراب الدور الأول من الاقتراع للكشف عن هذه الأرقام، فإن عدد المبرقعات عرف انخفاضا بنسبة 50 في المائة منذ تطبيق قانون منع ارتداء البرقع في الأماكن العمومية بعد أن صادق عليه البرلمان في العام الماضي. وتعاقَب النساء المبرقعات بغرامة تصل إلى 1500 أورو أو يجبرن على متابعة تدريب في موضوع المواطنة. الغريب في الحكاية أنه، وبيوم واحد قبل الإعلان عن مشروع قانون متابعة ومعاقبة مستعملي ومتصفحي مواقع الأنترنيت ونشر حصيلة المخالفات التي طالت المبرقعات، قام نيكولا ساركوزي، «حسي مسي»، بزيارة استغرقت ساعة لمدينة درانسي، الواقعة بالضاحية الشمالية من باريس. وقد جاءت هذه الزيارة بيومين بعد الجولة التي قام بها فرانسوا هولاند، المرشح الاشتراكي، لمجموعة من الأحياء التي تحولت إلى غيتوهات متسيبة، وكانت تلك المرة الأولى التي يحل فيها ساركوزي بالضواحي منذ خرجته الشهيرة عام 2005 والتي نعت فيها شباب الضواحي ب«الأوباش»، داعيا إلى تنظيف الأحياء المشاغبة ب«الكارشير». زيارة ساركوزي، التي بقيت طي الكتمان ولم يعرف قاطنة درانسي بوجوده فيها إلا بعد مغادرته، لها عدة أبعاد رمزية؛ فالمدينة كانت خلال الحرب الكونية الثانية إحدى المحطات لتجميع وفرز اليهود قبل إرسالهم إلى المعسكرات النازية. قفزة ساركوزي إلى المدينة لم تأت، إذن، حبا في الضواحي ولا رغبة في إخراج أبناء المغاربيين من الغيتوهات التي يعششون فيها، بل التفاتة إلى أصوات الجالية اليهودية التي من المحتمل أن تصوت في غالبيتها العظمى لصالحه. وفي كلمته، أشار إلى أن من حظ فرنسا أنها تؤوي ثاني جالية يهودية في العالم (بعد الولاياتالمتحدة). وبما أن المرشح الرئيس يعزف على نغمة التقارب والتسامح الديني، فقد مثل بين يديه إمام درانسي، حسن شلغومي، الذي رفعه مثل دمية ليحركه أمام الحضور ويقدمه كنموذج للإمام المندمج في قيم الجمهورية الفرنسية. وللتذكير، فإن الإمام شلغومي شخص جاهل، خانع ولا يجيد حتى الحديث بالفرنسية! وتتهافت عليه وسائل الإعلام الفرنسية كمنتوج إكزوتيكي وكاريكاتوري، رغبة في تسخيفه! فهو النقيض المطلق لطارق رمضان الذي يعرف قواعد ومقالب البوليميك... وفي كلمته، أشار نيكولا ساركوزي إلى أنه يسعى إلى إقامة إسلام فرنسي وليس إسلام في فرنسا. وقد ابتلع شلغومي هذا المقترح ليردده بشكل ببغائي معربا، بنفس المناسبة، عن تأييده لساركوزي. وقد سبق للمصلين أن طردوا شلغومي من المسجد بسبب تنديده بالبرقع وعلاقته الوطيدة باللوبي الصهيوني. كل ذلك يطرح موقع ما يسمى بالإسلام التمثيلي في فرنسا مشخصا في كل من دليل بوبكر (إمام مسجد باريس الكبير) ومحمد الموساوي (رئيس المجلس التمثيلي للديانة الإسلامية في فرنسا) وحسن شلغومي... إلخ، وتبعيتهم العمياء لساركوزي واستعدادهم لخدمة ترشحه والتصويت لصالحه، فبدل أن تحافظ هذه الشخصيات الدينية على حيادها وتنأى بالمؤسسة التي تمثلها عن الصراعات بين المرشحين، اختارت على العكس حلفها السياسي لتجعل من المؤسسة التي تتحدث باسمها ذيلا من ذيول الساركوزية التي نكلت لمدة خمس سنوات بالإسلام وبالجالية. ولا غرابة إن أطلق بعض المسلمين على هؤلاء «الممثلين» اسم «حزب فرنسا الإسلامي» !