أصبحت قضية الزعيم اليساري المهدي بنبركة، مباشرة بعد تشكيل حكومة بنكيران، تحتل حيزا مهما في إعلام الاتحاد الاشتراكي، بل إن جريدة الحزب أبدت انزعاجا غير مسبوق من تصريحاتٍ لوزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، قال فيها إن قضية بنبركة ليست من أولوياته. المثير في الموضوع أن هذا الاهتمام «المفاجئ» بقضية بنبركة من طرف الاتحاديين أتى في الوقت بدل الضائع، أي بعد أن خرج الاتحاديون من مربع السلطة ومن وزارة العدل التي تناوب عليها اثنان من رفاق بنبركة، وهما الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي. وكم هو مسيء إلى روح بنبركة أن تظل قضيته ورقة ضغط في يد الاتحاد يوظفها باستمرار ضد النظام أو ضد خصومه السياسيين من أجل الحصول على مكاسب ضيقة على شكل مناصب وزارية بدون صلاحيات. هل نسي الاتحاديون أن الراحل بوزوبع قال للقاضي الفرنسي راماييل عندما جاء للاستماع إلى بعض المسؤولين المغاربة في هذه القضية: «أنا لا أعرف عنوان الجنرال حسني بنسليمان»؟... إن قضية المهدي بنبركة هي قضية المغاربة جميعا، وقضية اليسار المغربي بجميع أطيافه وليست قضية الاتحاد الاشتراكي وحده، وهي جزء من مسلسل طويل من الصراعات السياسية التي راح بنبركة ضحية لها في مرحلة سنوات الرصاص، لكن الاتحاد سعى دائما إلى الاستئثار بهذا الملف وتحويله إلى رصيد سياسي ينهل منه المشروعية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي. لقد فوت الاتحاديون على أنفسهم فرصة إثارة هذا الملف مع حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، الذي لا يشك أحد في نزاهته، وذلك لأن نعيم المقعد الحكومي وإغراءاته كانت أقوى منهم ومنعتهم حتى من طرح سؤال بسيط جدا: «أين توجد جثة المهدي؟».. يبدو أن الاتحاديين، حينها، كانت لهم أولويات أخرى.