سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سياسة العصا والجزرة أبرز سمات الحصيلة الحقوقية للحكومة تدخلت ب«عنف» لتفريق الاحتجاجات لكنها حققت نجاحا ملحوظا بالتوقيع على معاهدة مناهضة الاختفاء القسري
هل كان عبد الإله بنكيران، رئيس أول حكومة إسلامية في مغرب ما بعد الاستقلال، يتوقع أن يجد نفسه في مرمى نيران التوترات الاجتماعية التي اجتاحت مناطق متفرقة من المغرب؟ وهل كان بنكيران، الذي خاض حزبه حربا بلا هوادة ضد وزارة الداخلية في «زمن المعارضة»، يفكر في أن يلجأ إلى سياسة «العصا الغليظة» لإخماد نيران الاحتجاجات الاجتماعية؟ ثم هل كان يخطر ببال بنكيران، وهو يلبي دعوة الملك للحضور إلى ميدلت، أن تصطدم أغلبيته الحكومية بمعارضة «كشرت عن أنيابها» وجمعيات حقوقية عابت على الحكومة الإسلامية مقاربتها الأمنية الصرفة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية والتردد الذي وسم تعاطيها مع قضية أمينة الفيلالي؟ لعل مثل هذه الأسئلة قد تسمح بتقييم الحصيلة الحقوقية للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، حتى وإن كانت ثلاثة شهور من عمر أي حكومة ليست كافية للحكم على سياساتها وتوجهاتها الكبرى. لقد كان عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، مستشعرا حجم التحديات التي واجهتها حكومة حزبه خلال الفترة الماضية، حين قال إن «وزراء حزبه حديثو العهد بالوزارة». ومثل هذا التصريح قد يفهم بكونه إقرارا صريحا بأن مهمة الحكومة في تنفيذ تصريحها الحكومي لم تكن ولن تكون سهلة بالصورة التي كان يرسمها «إخوانه» في حزب «الخطيب». ولئن كان من الصعب جدا الإحاطة بالحصيلة الكاملة الحقوقية للحكومة الحالية، نظرا إلى تشعب حقل الحقوق والحريات وفق ما أقره الدستور الجديد، فإنه يمكن القول إن الحكومة ومعها أجهزتها كانت أمام محكين أساسيين لاختبار مدى قدرتها على تنزيل مقتضيات الدستور الجديد في مجال الحقوق والحريات. أول هذه الاختبارات هي التعاطي مع الأشكال الاحتجاجية للمعطلين، وبعدها التوترات الاجتماعية التي اشتعلت بمدينتي تازة وبني بوعياش، فرغم كل الخرجات الإعلامية لوزراء الحكومة المؤكدة على «التزام الدولة بالتعامل السلمي مع كل أصناف الاحتجاجات إذا احترمت الضوابط القانونية»، فإن الجمعيات الحقوقية، بشتى تلاوينها، كشفت عن «تجاوزات خطيرة» في التدخلات الأمنية، خاصة في تازة وبلدة بني بوكيدان، على خلفية المواجهات الخطيرة التي اندلعت ببلدة بني بوعياش التابعة لإقليم الحسيمة. لم يتردد امحند العنصر في الإعلان عن رغبة الحكومة في «استعادة هيبة الدولة وعدم المس بمصالح المواطنين»، وانسحبت مثل هذه المسوغات على ما حدث في مدينة تازة، التي كادت أن تتحول إلى أزمة حقيقية أرقت كل مكونات الأغلبية الحكومية. بيد أن الذي كان لافتا للنظر خلال المائة يوم الأولى من عمر حكومة الإسلاميين هو تراجع حركة عشرين فبراير وخفوت إشعاعها وتراجع حدة الحراك الإقليمي وتحول بعض «معاقل التغيير» في العالم العربي إلى حمامات دم. وهي كلها متغيرات ساهمت، حسب بعض المحللين، في تغيير الطريقة التي تتعاطى بها الأجهزة الأمنية مع احتجاجات الشارع، فما حدث بتازة في بداية ولاية الحكومة الجديدة طرح الكثير من علامات الاستفهام حول الجهة التي أعطت الأوامر ل«تعنيف المحتجين»، سيما وأن بنكيران ما فتئ يؤكد أنه سيسعى إلى تلبية المطالب الاجتماعية للمتظاهرين ونهج سبل الحوار بدل لغة «العصا». ولذلك، لم يكن غريبا أن يصدر حزب اليسار الاشتراكي الموحد والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقارير صادمة تتحدث عن «تهشيم رؤوس المحتجين ومداهمة المنازل». وما إن هدأت الأوضاع في مدينة تازة، حتى اشتعل فتيل المواجهات في مدينة بني بوعياش، مخلفة العشرات من الجرحى في صفوف قوات الأمن والمتظاهرين واعتقال العشرات من المحتجين وإصدار أحكام في حقهم. وإذا كانت الحكومة، قد رأت في تدخلها «حماية لمصالح المواطنين وتدخلا مشروعا بعد شكايات تقدم بها تجار المنطقة»، فإن المنظمات الحقوقية أكدت أن «التدخل كان عنيفا جدا واكتسب طابعا انتقاميا خاصة في بلدة بوكيدان». على هذا الأساس، يظهر أن الحكومة فشلت على نحو ما في هذا المحك، فالتقارير التي أظهرتها المنظمات الحقوقية كفيلة بأن تدعم مثل هذا الطرح، لكن هذا لا يثني عن التأكيد أن الحكومة حققت نجاحات كبيرة في المحك الثاني المرتبط أساسا بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والمساهمة في إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين وتحريك مسطرة المتابعة ضد عبد الحنين بنعلو، مدير مكتب المطارات السابق. وبالنسبة لتوقيع المغرب على اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري، أكد مصطفى الرميد أن أهمية هذه الاتفاقية تكمن في أنها «تمكن من قيام تعاون بين المغرب والمنتظم الدولي بخصوص بعض الوقائع التي قد يشتبه في أن لها علاقة باختطاف أو اختفاء قسري، علاوة على أن هذه الاتفاقية ستتيح إمكانية تقديم شكايات الأفراد من قبل الأشخاص الذين يكونون ضحية اختطاف أو اختفاء قسري، كما سيكون المغرب مُلزما بتقديم تقرير سنوي حول التدابير المتخذة لتنفيذها بعد دخولها حيز التنفيذ بعد سنتين من المصادقة عليها من قبل مجلس النواب». والاتفاقية تجعل الاختفاء القسري جريمة في القانون الجنائي وتفرض عقوبات ملائمة تناسب شدة جسامة فعل الاختفاء القسري، كما سيجعل هذا القانون بعد المصادقة عليه بمجلس النواب مدة التقادم في تقديم الدعوى طويل المدى، مع ضمان الحق في جبر الضرر والحصول على تعويض بشكل سريع ومنصف وملائم. لكن الأهم الذي يمكن تسجيله في الحصيلة الحقوقية لحكومة بنكيران هو إحالة «ملف بنعلو» على القضاء للنظر فيه بعد أن بقي حبيس الرفوف منذ أن نبه المجلس الأعلى للحسابات إلى وجود خروقات مالية كبيرة تشوب المكتب الذي كان يرأسه عبد الحنين بنعلو. بطبيعة الحال، لا يمكن القفز، بأي حال من الأحوال، على النجاح الذي حققه مصطفى الرميد في ملف المعتقلين الإسلاميين، إذ لعب دورا كبيرا في إطلاق سراح بعض المعتقلين الإسلاميين، وهو النجاح الذي يحسب في ميزان حسنات الحكومة الجديدة، خاصة أن ملف المعتقلين الإسلاميين، كان دائما شوكة في حلق الدولة. مع ذلك، فإن القضية التي فجرتها أمينة الفيلالي شكلت إحراجا حقيقيا للحكومة، ففي الوقت الذي تعالت فيه صيحات المنظمات الحقوقية بضرورة سن قانون جديد يحمي القاصرات من التعنيف والاغتصاب الجنسي، خرج الرميد بتصريح ناري يهاجم فيه المنظمات الحقوقية لاستغلالها الحدث لغايات أخرى. في هذا السياق، لا تتوانى خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن التأكيد أن قراءة مائة يوم من الحصيلة الحقوقية ينبغي النظر إليه من زاويتين «الأولى نثمنها نظرا لأن الحكومة وقعت على اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري، والإفراج عن جزء من المعتقلين الإسلاميين ونشر لائحة المستفيدين من الكريمات وإحالة العديد من ملفات الفساد على القضاء». أما الثانية، تضيف الرياضي، في تصريح ل»المساء»، فهي سلبية، خاصة فيما يرتبط بQالانتهاكات التي وقعت بتازة من محاكمات ظالمة وتعنيف للمتظاهرين بدون وجه حق، بالإضافة إلى عدم نشرها لما تبقى من لائحة المأذونيات المتعلقة بالصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال والإبقاء على جزء من المعتقلين الإسلاميين في السجن». وأضافت الرياضي قائلة: «منع الصحف الأجنبية ومحاكمة شخص بثلاث سنوات لمجرد سبه للمقدسات هي نقطة سوداء في المائة يوم الأولى لحكومة بنكيران».