عبد السلام دخان احتضت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، أشغال ملتقى منتدى فنون للإبداع والثقافة. وقد عرف اللقاء ندوة فكرية حول الثقافة الشعبية شارك فيها حسن بحراوي بمداخلة تحت عنوان «تطور فن العيطة»، ورشيد الحاجي بمداخلة حول موضوع «الشعر الشفوي الأمازيغي»، ومصطفى بنسلطانة في «الملامح الأنطلوجية والأنثربولوجية لفن العيطة». وقد أشارت ليلى الرهوني، رئيسة منتدى فنون للشعر المغربي، إلى مسارات الاحتفاء بربيع الشعر، والرهان الذي ينخرط فيه المنتدى بهدف جعل الشعر في قلب الحياة الجامعية، متوقفة عند أهمية الثقافة الشعبية بوصفها بئرا عميقة للثقافة المغربية انطلاقا من الأدب الشفوي، ومرورا بالشعر الأمازيغي عبر امتداداته الجمالية والثقافة الشعبية، التي تتميز بالغنى والثراء، اللذين يؤهلانها لتكون موضوع أبحاث أكاديمية متعددة. أما كلمة عمر حلي، رئيس جامعة ابن زهر، فقد دعت إلى ضرورة الاحتفاء بالشعر ليس فقط في مدرجات الجامعة، بل في حيواتنا لمواجهة قيم العنف و«السيوفة» التي تهدد أمننا الجمالي بقيم الشعر والأدب. فيما ركزت كلمة عميد كلية آداب ابن زهر أحمد صابر على مركزية الهوية المغربية بكل مكوناتها الفسيفسائية في تشكيل صورة الأدب المغربي المتسم بتنوع روافده. وفيما يخص مداخلة حسن البحراوي فقد نبه الباحثين من مغبة الخوف من تسمية الأدب الشعبي. ذلك أن الأهم بالنسبة إليه هو المادة الخام، متسائلا عن شعر العيطة بعيدا عن الطابو وعن الشتائم، وآملا أن تحضر في الجامعة كموضوع بحث في ظل وضعيتها المتسمة بما بين البين. ونوه بحراوي بحسن نجمي باعتباره من أشد المدافعين عن براءة العيطة، التي ما يزال المجتمع ينظر إليها نظرة ازدراء. وقدم في نفس الوقت حفرا كرنولوجيا لمسار العيطة انطلاقا من أصولها، التي ارتبطت بغناء القبائل والعشائر في الحوز، وآسفي، والغرب...، متوقفا عند مهامها التي كانت تقوم بها من أجل الدفاع عن قيم القبيلة (الشجاعة/الفروسية/الكرم..)، ودورها الإعلامي الخطير في الاضطرابات والقلاقل إبان فترة الاستعمار، الذي سيحاول تكييفها في عهد ليوطي بعدما عجزوا عن قمع حرياتهم، لدرجة أن كل قائد كان يقاس نفوذه بعدد الشيوخ والشيخات العائشين في كنفه. ونفى أن تكون العيطة خليطا بين الغناء الأمازيغي والعربي. وذكر بحراوي بأن ابن خلدون هو أول من كتب عن العيطة في «أزجال العوام»، مشيرا إلى أنه نظر إليها نظرة تحقيرية بوصفها أدبا للرعاع. كما تساءل بحراوي بعد ذلك عن عدم تدوين الأدب الشفوي، مؤكدا على أن الاستعمار ساهم في دفن العيطة في بيوت الدعارة والخمر والرقص، مما ساهم في اختلال صورة العيطة النبيلة، فتحولت إلى صورة موبوءة. أما مرحلة انتعاش العيطة فقد كانت على يد المارشال قبو بعد نفي محمد الخامس لتنخرط العيطة في وظيفتها الحقيقية المتمثلة في النضال، حيث تقوم العيطة على تخييل حكايات وملاحم وتحويلها إلى أساطير. وانتقل بحراوي بعد ذلك إلى الحديث عن العيطة في المرحلة الأوفقيرية، التي أصبحت رسمية في الاحتفالات الرسمية، وصارت معها «الشيخة جسدا في السوق»، مستحضرا هنا الشيخة فاطنة بنت الحسين وحكاياتها المؤلمة، في ظل وضع ملتبس؛ حيث إن المجتمع في حاجة إليها، وفي نفس الوقت غير مرغوب فيها. وعرج بحراوي بعد ذلك على المرحلة الغيوانية (1970-1971) التي هربت الشباب عن العيطة، وتم طردها من الذاكرة، ملمحا إلى هشاشة العيطة، وهشاشة كل ما هو شفوي بسبب عدم التدوين، وسهولة التحريف والضياع والتلاشي، ونبه إلى أنه لا نستطيع الآن أن نجازف بالقول بحقيقة العيوط المجودة حاليا بسبب انتقالها من مكان إلى مكان وتطبعها بألوان مختلفة، إضافة إلى مجهولية المؤلف، لينتهي إلى أن العيطة بوصفها ضميرا جمعيا يتم تجاهلها، منوها بالنضال الشخصي لحسن نجمي، الذي جمع الشيوخ في المناقشة التاريخية حيث «قبضت العيطة الدكتوراة». وفي مداخلته عن الشعر الأمازيغي، استهل رشيد الحاجي بمقولة لبورديو عن الثقافة الشعبية بوصفها حديثا عن شكل من أشكال الحديث عن السياسة الثقافية، ناقدا موقف عبد الله العروي في «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» عندما وصف الثقافة الشعبية بكونها ثقافة هجينة تعكس تخلف المجتمع في معرض حديثه عن الفلكلور. وعرج الحاجي على محاولة عبد الكبير الخطيبي، التي نظر فيها إلى المغايرة والاختلاف الثقافي من المنظور الشعبي، ليقدم حفرا أركيولوجيا في الأسناد التعبيرية بهدف الوصول إلى المتخيل الرمزي الأمازيغي من خلال نموذج رويشة وموسيقاه في علاقتها بالبحة الأطلسية، التي كانت تتصادى مع تلك المنطقة، مبرزا أن التصادي هو منطقة الاحتمال بين الكلمة والوترة، وأن الدواوير المعلقة في جبال» تفراوت» تتصادى مع الأشكال المعمارية وما تنتجه الساكنة من حكايات، معتمدا على مقاربة «المتخيل الرمزي»، التي تروم البحث في التصادي وامتداد الرغبة انطلاقا من إنتاج جسدي لجسد الإنسان الذي أنتج تلك الثقافة، مستشهدا في هذا المقام بالزربية بوصفها منتوجا للتأثيث والطقوس التي يتم إنتاجها فيها؛ حيث إنها تصير امتدادا للجسد الناسج، وامتداد للرغبة في التعبير. هذا الامتداد هو ما نجده في الوشم، وفي تيفيناغ. وتحدث الحاجي بعد ذلك عن شعر المرحوم أزايكو باعتباره من الذين أسسوا لعملية انتقال الشعر من الشفوي إلى الأمازيغي، مذكرا بأعمال الراحل «تيمتار» و«إزمون»...، وراصدا مقومات اللغة الأمازيغية والمكون الطبيعي(القمر،الأركان..) في قصيدته الحديثة انطلاقا من الممارسة الرمزية، التي تروم البحث في المجهول وتأويل عوالمه، لينتهي إلى استشراف البعد التنبؤي لقضايا اللغة الشعرية عند أزايكو وبلاغة التقابل في نصوصه الشعرية. أما مداخلة مصطفى بنسلطانة فقد حاولت تحديد الملامح الأنطولوجية والأنثربولوجية انطلاقا من تمييز العيطة بين الثقافة العالمة والثقافة غير العالمة. ذلك أنها حسب الباحث منجز شعري (مركب) يحضر فيها الرقص الوجداني والجسد، معتبرا أن العيطة ليست منجزا سهلا، وكاشفا عن المظلومية التي لا زالت لها ظلال على البحث في العيطة، والاشتغال عليها كمنجز ثقافي وجمالي. إن العيطة حسب الباحث بنسلطانة امتداد وعمق طقوسي بأنماط فرجوية، مؤكدا على ضرورة تحديد اللغة الواجدة (الدارجة)، والبحث في هويتها التداولية، وسبر عجمتها بوصفها لغة ثالثة، لينتقل بعد ذلك بنسلطانة تحت هاجس الحفر إلى تأويل القوة الشعرية في العيطة، والخطاب الجمالي الذي تقترحه شعريتها، انطلاقا من مقطوعة «العمّالة» عبر مقاربة نسقية تتغيا كشف ظاهر المتن المتمثل في المديح، والنسق المضمر المرتبط بالإدانة والهجاء.