«أستاذ يستغل تلميذته جنسيا لمدة ثلاث سنوات»، «أستاذ للتربية البدنية ضبط في وضع مخل مع تلميذته في مستودع للملابس»، «مدير مؤسسة تعليمية اعتدى جنسيا على تلميذة في مكتبه»، «مدرس يستمني أمام تلميذاته في الفصل»، «مدير مدرسة يتحرش بمعلمة»، «تلميذة تشتكي من تحرشات أستاذها»... هذه أخبار حقيقية تواترت في زمن قياسي في الأيام الأخيرة، تظهر الحاجة اليوم إلى التفكير في وضع ميثاق لأخلاقيات مهنة التدريس، ميثاق يكون موضوع إجماع من طرف كل المتدخلين، يحدد حقوق المدرس وواجباته بشكل واضح، واجبات تتضمن البعد التربوي والمعرفي وأيضا الشخصي، ويتم على ضوئه بناء برنامج تكويني للمدرسين الجدد، في إطار مشروع المراكز الجهوية للتربية والتكوين، تكون التربية على القيم مركزا له، فليس كل حاصل على شهادة يصلح أن يكون مدرسا، فهذه مهنة صعبة ولها مخاطرها وإغراءاتها، وإن كنا متساهلين جدا في توظيف المدرسين كيفما اتفق، فإننا نخرب مستقبل هذا البلد، فليس كل ذي علم هو شخص متزن بالضرورة. فالابتزاز والتحرش والاغتصاب والتعنيف والاستغلال والابتزاز هي سلوكات أضحت اليوم تتخذ لها مكانا «ذا مشروعية» في منظومتي التربية والتكوين، المدرسية والجامعية معا، ناهيك عن الأخطاء التي مصدرها أحيانا الجهل المعرفي وعدم الرغبة في التعلم.. وعندما أقول «ذا مشروعية»، فلأن إدارات المدارس والكليات أضحت تتعامل مع شكاوى التلاميذ والطلبة من السلوكيات السابقة بطريقة تظهر أن المناخ التربوي العام أضحى يسمح بها.. لقد وصلنا إلى وضع أضحى فيه البعض يفتخر بعدد البكارات التي افتضها في «بروفايله غير المشرف»، وآخرون يتباهون عبر «كوليكسيون» الملابس الداخلية التي احتفظوا بها كذكريات من ضحاياهم الطالبات، وآخرون متزوجون مستقرون، يتقاسمون سومة كراء شقة مفروشة يستدرجون إليها طالباتهم وفق «استعمال زمن» مضبوط... وآخرون يقسمون «الغنائم» منذ بداية الموسم الدراسي ويتواطؤون لتدمير كل طالبة ترفض الانصياع لأحدهم... هذه وقائع حقيقية وليست خيالات أيها السادة، فلست أتآمر على مهنة تعتبر الأشرف والأنقى والأنبل، لكن واقع الحال يظهر أن السكوت عما يجري هو المؤامرة الحقيقية والكاملة. صحيح أن التعميم هو مطب يجعلنا نخطئ مرتين في حق المربين الشرفاء، الذين لا تختلف نظرتهم إلى تلاميذهم وطالباتهم عن نظرتهم إلى أبنائهم وأخواتهم، مرة لأن المتحرش ليس مربيا مهما كانت مهمته التي يؤديها داخل المدرسة أو الجامعة، إذ إن مكانه ليس داخل الفصل الدراسي أو المدرج الجامعي بل في السجن أو في ماريستان الأمراض النفسية والعصبية، ومرة ثانية لأن المشكلة هي مجتمعية بالأساس، تتعدى المدرسة لتصل إلى الجامعة، وتتعدى الجامعة لتصل إلى المعمل والإدارة والورشة والشارع، وتتعدى كل هذا لنجدها في مخافر الشرطة والدرك، في المستشفيات والمصحات، ومقرات الأحزاب ومخيمات المنظمات الشبابية، بل حتى قطاعا الفن والصحافة لا يخلوان من هذا المرض الاجتماعي.. يصنف علماء النفس التحرش والاعتداء الجنسيين ضمن خانة المرض النفسي، لكن خطورتهما الاجتماعية تبقى أكبر، ففي حالة القلق النفسي مثلا نجد المريض يعاني وحده، أما في حالة الاغتصاب والتحرش فإن المجتمع كله يعاني، لأن كل مغتصب يوجد الآن في المدرسة هو آلة لتفريخ المعاقين من الناحية النفسية، فضحية الاغتصاب اليوم، هو مغتصب الغد، فما لا نعلمه هو أن المعاق نفسيا أخطر بكثير من المعاق جسديا، لأن الأول لا يعترف بإعاقته، والثاني يعترف، فالثاني قد يعلم أبناءه أو تلامذته المشي السليم، أما الأول فينقل إليهم مرضه النفسي... وهكذا تدور عجلة إعادة إنتاج الإعاقة النفسية لنصل إلى الوضع المأساوي الذي نحن عليه الآن.. حيث هناك عشرات الحالات من المدرسين بالمغرب، دخلوا «القفص الذهبي» بالطريقة ذاتها التي زُوّجت بها المرحومة أمينة، مع أن المغتصب هذه المرة هو المدرس.. أما في الجامعات المغربية؛ فالظاهرة أضحت سلوكا «عاديا» من فرط انتشاره في كل الجامعات المغربية، فطبيعة نظام التقويم في الجامعات، والذي لا يخضع إلا لمراقبة شكلية، خصوصا في شهادة الماستر حيث يجبر الطالب على الحصول على المعدل في كل المواد، ناهيك عما يقع في المواد الشفوية، والبحوث الجامعية، فإن للأستاذ الجامعي سلطة قهر حقيقية، يحولها البعض إلى آلية للابتزاز: النقطة مقابل الجنس، والطلبة يتحسرون على عشرات الحالات التي تكون فيها طالبات «متفوقات» على قوائم الناجحين»، فقط لأنهن «متفوقات» على أسرّة المدرسين، وتحولت الظاهرة عند بعض الطالبات إلى استثمار، والمفارقة هي أنهن بعد أن يحصلن على معدلات مرتفعة، يلجن الوظيفة العمومية.. ومنهن من أصبحن الآن مدرسات «يربين الأجيال»... فبعض الأساتذة الجامعيين لا يضعون النقطة للطالبة على منجزها العلمي وإنما مقابل «كرمها» الجسدي، لذلك فكلما كانت الطالبة رخيصة، فهي طالبة مطمئنة على مصيرها الدراسي، أما الطالبة التي تمنعها أخلاقها من ذلك، فمصيرها التكرار أو الطرد فيما بعد... ولتتأكد الوزارتان الوصيتان من الأمر، نطلب منهما فتح رقم أخضر للضحايا، وتعمل على حمايتهن من أساليب الانتقام، لتعرف حجم الظاهرة.