تتعدد أساليب التدبير اليومي للملفات المتعلقة بالمصالح اليومية للمواطنين، مما دفع أغلب الدول، إن لم نقل كلها، إلى إحداث مجموعة من الوحدات ذات الطابع الخدماتي الصرف والتي نجد من بينها ميدان المعاملات المالية، رغبة منها في خلق توازن بين معدل الطلبات والخدمات. لقد ارتبط ميلاد مفهوم المؤسسة المالية بالتطور والتحول الذي تعرفه الحياة الإنسانية عبر الأزمنة والأمكنة، وبالتالي تم خلق ميكانيزمات متعددة الأبعاد: أبناك، مؤسسات مصرفية،... هدفها الأساسي هو الاستجابة لحاجات المواطنين. إن المغرب، باعتباره من الدول السائرة في طريق النمو، سعى منذ حصوله على الاستقلال وبتعاقب حكوماته إلى إعادة بناء صرح الإدارة المالية رغبة منه في الرقي بمستوى الخدمات إلى أحسن مستوى، ناهيك عن محاولة مسايرته لمختلف التطورات التي شهدها العالم، الشيء الذي يستشف من خلاله: - الاهتمام بمنظومة الخدمات المالية الإلكترونية؛ - مضاعفة عدد الموارد البشرية العاملة في المؤسسات المالية؛ - السهر على محاربة المظاهر المخلة بحسن سير المؤسسات المالية مثل: الرشوة، المحسوبية والزبونية؛ الروتين والبطء المسطريين... إلخ. إن الاقتصاد الوطني محكوم وبشكل مباشر بالمتغيرات الدولية، الشيء الذي يمكن تفسيره بما قامت به كل من ظاهرتي العولمة والأزمة الاقتصادية العالمية من تغييرات مست جميع مناحي الحياة اليومية للمواطنين، والتي من بينها الشق المالي، هذا علاوة على الوضع العالمي الجديد (الربيعي) المطالب فيه بتفعيل أدوات الحكامة الجيدة داخل جميع مؤسسات الدولة، وبخاصة تلك المسيرة للمرافق الحيوية والتي من بينها المؤسسات المالية. لقد عمل المغرب، بحكم وضعه المتقدم مع الاتحاد الأوربي، على نهج مجموعة من السياسات الإصلاحية المالية رغبة منه في خلق مناخ متزن، الشيء الذي يتضح من خلال تزايد إقبال المستثمرين الأجانب على الاستثمار في بلادنا، حيث إن حجم الاستثمار سنة 2011 بلغ ما يقارب 123 مليار درهم. غير أنه بالرغم من هذا الوضع الإيجابي لبلادنا، لازالت هناك مجموعة من العراقيل التي تعيق حركة الجسم المالي، مما دفع الحكومة الحالية، ممثلة في وزارة المالية وشركائها، إلى مواصلة دينامية الإصلاح، وذلك باعتماد مدونة جديدة اصطلح على تسميتها ب«المدونة الخاصة بحكامة المؤسسات المالية» تم تضمينها مجموعة من المبادئ اللصيقة بنظام التدبير الاستراتيجي الخاص، وكذا التدبير المرتبط بالنتائج، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: - مسؤولية أجهزة الحكامة؛ - ضرورة اعتماد نظام المراقبة الداخلية؛ - تدبير الخلافات المصلحية إن على مستوى المؤسسة أو المجموعة؛ - اعتماد الشفافية في نشر المعلومات؛ - الدعوة إلى ضرورة اعتماد سياسة للأجور تلائم وضعية المؤسسة والظرفية الاقتصادية والمالية بشكل عام؛ - بلورة مساطر لرصد وتدبير الخلافات التي قد تنتج عن تعارض المصالح؛ - إرساء مستوى كاف من الشفافية؛ - دعم علاقة الثقة بين هذه المؤسسات وزبنائها... إلخ. هذا، وقد أكدت الدراسة المتعلقة بالحكامة المقاولاتية، والتي أعلنت عنها اللجنة الأخلاقية للحكامة الجيدة التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب بشراكة مع مكتب الدراسات «فوكس» ومركز المشروعات الدولية الخاصة، أن احترام مبادئ الحكامة الجيدة يشكل عاملا أساسيا لجلب الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب الذي عرف إصلاحات عميقة همت الإطار القانوني والمؤسساتي، وبالتالي فإن التطبيق الصحيح لمضامين مدونة المعاملات الجيدة الخاصة بحكامة المؤسسات المالية رهين بإعداد سياسة استراتيجية مشتركة بين المؤسسات المالية والفاعلين في القطاع بهدف ضمان التنزيل الصحيح لمبادئ الحكامة المالية المقرونة، بطبيعة الحال، بمبدأ التدبير التشاركي والأخذ بعين الاعتبار الفرق بين وضع القوانين وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع. كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا باتخاذ مجموعة من التدابير الأساسية والمتجلية أساسا في: - تبسيط قراءة النصوص القانونية المرتبطة بالحكامة الجيدة؛ - التكوين في مجال الحكامة وإدارة المقاولات؛ - تقوية دور لجن الافتحاص؛ - الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني؛ - دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؛ - الرفع من قدرة البلاد على استقطاب الفاعلين الأجانب والتدبير الفعال للرأسمال البشري؛ - فتح فرص لإشراك مختلف الفاعلين ومكونات المجتمع في منظومة إصلاح المؤسسات المالية في بلادنا. إن احترام مبادئ المدونة الخاصة بحكامة المؤسسات المالية سيسمح لبلادنا بمواصلة أوراش الإصلاحات الكبرى المفتوحة، هذا علاوة على ضمان تنزيل صحيح لمضامين البرنامج الحكومي الحالي والمرتكز أساسا على مبدأي المساءلة والمحاسبة. لقد أصبح مغرب هذه الألفية نموذجا يحتذى به في مختلف بقاع المعمور، ومن ثمة فالكل مطالب بتوحيد جهوده من أجل استكمال بناء مغرب الحاضر والمستقبل.