في تزامن غريب مع زيارة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي لواشنطن، يبدو أن الإدارة عزمت على تشديد الضغط لا على إيران خاصة بل على إسرائيل، وذلك كي تُقيد حرية عملها على مواجهة التهديد الإيراني. وطريقة ذلك: التسريب المتعمد لمعلومات سرية في ظاهر الأمر إلى صحيفة «نيويورك تايمز». كان هذا هذه المرة قد نشر عن «لعبة حرب»، أي لعبة أدوار تتعلق بتأثيرات هجوم إسرائيلي على منشآت إيران الذرية. وكان استنتاج اللعبة أن هذا سيُسبب حربا إقليمية واسعة تورط أمريكا وتفضي إلى موت مئات الجنود الأمريكيين. وتقتبس الصحيفة بصورة غير مباشرة من كلام قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال متيس، الذي قال إنه ستكون للعملية الإسرائيلية نتائج «شديدة» على جيش الولاياتالمتحدة في المنطقة كلها. ونبهت الصحيفة في الحقيقة إلى أن الاستنتاجات ليست قاطعة وإلى أنه يمكن تفسير نتائج لعبة الأدوار بصورة أخرى أيضا، لكنها أضافت (وينبغي أن نفترض أن هذا هو هدف المسؤولين عن التسريب) أن الاستنتاجات من المؤكد أن تعزز العناصر في البيت الأبيض وفي وزارة الدفاع وفي الاستخبارات ممن يعارضون عملية عسكرية إسرائيلية. وحسب المصادر، سيكون الهجوم الإسرائيلي على كل حال نعمة ضئيلة لأنه لن يؤخر القنبلة الذرية الإيرانية أكثر من سنة أو سنتين، ولن تُسبب عملية أمريكية أيضا تأخيرا يزيد على «بضع سنين». بعبارة أخرى، يعتقد أصحاب الآراء المذكورة آنفا أنه لا يمكن تقريبا صد الجهد الذري الإيراني، ولهذا يجدر التسليم له أو «احتواؤه» على الأقل، وذلك بخلاف تصريح أوباما الذي يعارض سياسة الاحتواء. وقد سبق التقريرَ الصحفي المذكور آنفا تقريرٌ آخر في الصحيفة نفسها تناول هو أيضا عدم جدوى هجوم عسكري بنفس التعليل ألا وهو التأخير القصير فقط الذي سيتم إحرازه. ويستعين أصحاب هذا الرأي بما يعرضونه على أنه رأي الموساد الإسرائيلي الذي كأنما اقتنع بالتحفظات الأمريكية وتعارض آراؤه حسب التقرير توجه القيادة في القدس. كل هذه المعركة تثير أسئلة مقلقة تتعلق بالنظر الأمريكي إلى احتمال خوض عملية عسكرية إسرائيلية وحقيقة تصميم الولاياتالمتحدة على مقاومة المشروع الذري الإيراني. ويمكن أن نفترض أن هذا ما يراه الحكام الإيرانيون الذين يقرؤون هذه التسريبات في ابتهاج، بيقين. لكن، ومن غير أن نشك في جدية تصريحات الرئيس، يجوز لنا أن نتساءل: ما هو معنى عبارة «سنمنع الذرة الإيرانية»، إذا كانت الأصوات التي تُسمع في واشنطن تقول عكس هذا، بالفعل. يصعب التحرر من انطباع أن إبراز موضوع الضحايا الأمريكيين يرمي إلى إنشاء رأي عام معادٍ بين الجمهور الأمريكي، كما شهّروا ذات يوم بإسرائيل واليهود قائلين إنهم جروا أمريكا إلى حرب في العراق. إن إسرائيل هي آخِر من لا تعي أخطار الحرب ولا أحد يأمل أكثر منها أن تفضي العقوبات وخطوات اقتصادية أخرى إلى وقف المشروع الذري. ورغم إرادتها فإنها قد تمتحن تصريح الرئيس أوباما بأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها، والمعنى العملي لشعار أن أمريكا تلتزم بأمن إسرائيل.