ورد في المادة 99 من القانون التنظيمي رقم 28-11 المتعلق بمجلس المستشارين ما يلي: «طبقا لأحكام الفصل 177 من الدستور، يمارس المجلس الدستوري الصلاحيات التي يخولها هذا القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، وذلك إلى حين تنصيب هذه الأخيرة». والجلي من مقتضيات هذه المادة أنها واضحة من حيث مدلولها القانوني واللغوي، لأنه يستفاد منها، من غير أي أدنى اجتهاد ودون أي لبس أو غموض، أن المجلس الدستوري، على الوجه المنصوص عليه في دستور 1996، يمارس جميع الصلاحيات، بما فيها تلك المخولة للمحكمة الدستورية التي ستعين وفق ما هو محدد في الوثيقة الدستورية لسنة 2011. وقرر المجلس الدستوري بشأن المادة 99، التي تشكل آخر مادة في القانون التنظيمي رقم 28-11، أنها مادة لا تثريب عليها من الناحية القانونية، لكونها أتت متناغمة مع أحكام الدستور الجديد. وهذا الذي قلناه يستخلص بجلاء من القرار رقم 820-11 الموقع عليه من طرف أعضاء المجلس بتاريخ 18 نونبر 2011. بيد أنه بقراءة الفصل 177 من دستور 2011 الذي يقرر التالي: «يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذا الدستور»، يتبين أن المجلس الدستوري المنبثق عن دستور 1996 لا يستطيع، بمقتضى الفصل 177 من الدستور، أن يتصدى للاختصاصات الجديدة التي أسندت إلى المحكمة الدستورية، نظرا إلى كون صلاحيات المجلس الدستوري محصورة فقط في تلك المحددة في القوانين التنظيمية الجاري بها العمل في إطار ما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية لسنة 1996. وهذا التفسير هو الذي يتناغم مع فحوى الفصل 177 من الدستور الجديد. ويترتب عن منع المجلس الدستوري من ممارسة الصلاحيات المسندة إلى المحكمة الدستورية حرمانُه من النظر والبت والحسم في كل مسألة خارجة عن نطاق ما كان يحدده دستور 1996؛ فمثلا، لا يجوز للمجلس الدستوري البت في الاختصاص المتعلق بحالة التنافي بين العضوية في البرلمان والعضوية في الحكومة التي نص عليها القانون التنظيمي رقم 27-11 الصادر في ظل ضوابط دستور 2011. كما لا يحق للمجلس الدستوري الفصل في الدفع بعدم الدستورية المنصوص عليه لأول مرة بمقتضى الفصل 133 من الدستور الجديد، لأن البت في مثل هذه الأمور جعلها الدستور الجديد من اختصاص المحكمة الدستورية بمفردها. وتأسيسا على ما سلف يكون المجلس الدستوري قد جانبه الصواب، حينما قرر أن المادة 99 من القانون التنظيمي رقم 28-11، المتعلق بمجلس المستشارين، غير مخالفة للدستور؛ ذلك أن المجلس الدستوري بمقتضى قراره رقم 820-11 القاضي بدستورية المادة 99 يكون قد خول لنفسه صلاحيات لا تستقيم مع ما يقرره الفصل 177 الوارد في الباب الرابع عشر الذي خصصه الدستور للأحكام الانتقالية والختامية؛ ولا اجتهاد مع وضوح النص. وفي رأينا أنه بدل المخالفة الصريحة للدستور في ما قرره بشكل واضح في فصله 177، كان من المتعين على المجلس الدستوري أن يقضي بعدم دستورية المادة 99، احتراما لمنطوق الدستور وروحه. والإشكالية من الناحية الواقعية وفي الجانب المتعلق بالاختصاصات التي يجوز للمجلس الدستوري أن يمارسها أثناء المرحلة الانتقالية، لا ترجع إلى غموض في الفصل 177 من الدستور أو قبول النص لأكثر من تأويل وتفسير، وإنما مرد المعضلة إلى الصياغة القانونية المفتقرة إلى الدقة، التي تولد عنها هدم جسر التواصل بين عهد المجلس الدستوري الخاضع لضوابط دستور 1996 وعهد المحكمة الدستورية الخاضعة لمقتضيات دستور 29 يوليوز 2011. ولو سار واضعو النص الدستوري على غرار ما كان مقررا في الفصل 108 من دستور 1996 -الذي ينص على ما يلي: «إلى أن يتم تنصيب المجلس الدستوري، حسب تركيبته المنصوص عليها في هذا الدستور، يمارس المجلس الدستوري القائم حاليا الاختصاصات المسندة إليه بأحكام الدستور والقوانين التنظيمية»- لأمكن القول بأن الفصل 177 من دستور 2011 حافظ على جسر التواصل بين عهدين، وخول للمجلس الدستوري تبعا لذلك الحق في ممارسة صلاحيات المحكمة الدستورية إلى حين تنصيب هذه الأخيرة. ولكن ما دام واضعو الفصل 177 لم يتوخوا الدقة في صياغته والنأي به عن كل تأويل غير سليم، فإن المجلس الدستوري يظل، بسبب ذلك، حبيس اختصاصاته القديمة ورهين القوانين المنظمة له تحت مظلة دستور 1996. والأكيد أن أصحاب الصياغة استهدفوا الربط بين عهدين، على غرار ما كان مقررا في دستور 1992 الذي ورد في فصله 102 ما يلي: «إلى أن يتم تنصيب المجلس الدستوري تمارس الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى جميع الصلاحيات التي يخولها الدستور إياه». غير أن الهدف المراد بلوغه في إطار النص الدستوري الحالي كان بعيد المنال من الناحية الفعلية والعملية، جراء حيدة أصحاب الصياغة عن تضمينه جميع العناصر الأساسية التي بواسطتها يتم إنشاء القاعدة الدستورية، نظرا إلى ما ينتج عنه من سهولة في الفهم وسلاسة في التطبيق وتناغم وتناسق وانسجام مع ما تقتضيه المرحلة الانتقالية من ضوابط محكمة، توصل إلى تحقيق الغرض الذي من أجله تم التنصيص على المرحلة الانتقالية في الباب الختامي من الوثيقة الدستورية. ولو اتبعت الصياغة التي وردت في الفصل 102 من الدستور الرابع، التي هي بكل تأكيد واضحة المرامي والأهداف من حيث الربط المتين بين عهدين ومؤسستين، لما وقع الانقطاع في التواصل بين المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية. وهذا الانقطاع يتبدى بشكل واضح من خلال قراءة فحوى الفصل 177 من دستور 2011 الذي أتى معيبا في المجال الذي نحن بصدده. وفي سياق ما أشرنا إليه بخصوص عدم التحكم في الصياغة، التي أتت غير شاملة لكل ما يمكن أن يحدث طيلة سريان المرحلة الانتقالية، وكذلك ما ذكرناه بشأن عدم اهتداء المجلس الدستوري إلى التأويل السليم للمقتضيات الدستورية والقانونية، فإننا سنتطرق بشكل موجز جدا إلى بعض المثالب والمساوئ والنقائص التي يتضمنها الدستور الجديد؛ كما سنشير بشيء من التفصيل إلى بعض قرارات المجلس الدستوري الدالة على خطل في التأصيل وضعف في التعليل والابتعاد عن التطبيق السليم للقانون؛ وكل ذلك سيكون وفق البيان التالي: في ما يخص هذا الجانب، فإنه رغم محاولة إصلاح بعض الأخطاء، عن طريق الاستدراك في الجريدة الرسمية عدد 5956، فإن الوثيقة الدستورية خرجت إلى الوجود وهي حاضنة لجملة من المثالب، تخص الشكل والمضمون، لم يتم الانتباه إليها، منها: 1 - ما ورد في الفصل 176 من الدستور الذي ينص على التالي: «إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما، على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من هذا الدستور». وهذا الفصل الأخير يقرر التالي: «للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98». والإشكالية هنا تخص فرضية لجوء الملك إلى حل البرلمان أو أحد مجلسيه، والحال أن البرلمان لم يصوت بعد على جميع القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين؛ ففي مثل هذه الحالة يطرح التساؤل التالي: من هو الطرف الذي له الحق في تكملة ما تبقى من التشريعات؟ في ظل دستور 1996 وبمقتضى الفصل 107 منه، لم يكن الإشكال مطروحا، لأن التشريع بعد حل البرلمان أو أحد مجلسيه يعود إلى الملك، بناء على الفقرة الثانية من الفصل 72 التي تقرر التالي: «وفي أثناء ذلك يمارس الملك، بالإضافة إلى السلط المخولة له بمقتضى الدستور، السلط التي يختص بها البرلمان في مجال التشريع». أما في نطاق الدستور الحالي، وبافتراض أن الظروف استوجبت حل البرلمان أو أحد مجلسيه، فإن تفعيل الفصل 51 من الدستور يتولد عنه تعطيل المؤسسات الدستورية، وخاصة البرلمان، جراء عدم وجود من يملك حق التشريع من أجل تنصيب مجلسي البرلمان الجديدين. ومرد ذلك إلى أن الملك بسبب صياغة الفصل 176 أصبح فاقدا للحق في التشريع حينما يكون البرلمان أو أحد مجلسيه غير موجود لسبب من الأسباب. والأكيد هو أن ما كان مقررا في دستور 1996 هو أحسن بكثير من الدستور الحالي في الجانب المتعلق بالصياغة القانونية. لذلك يلاحظ على المقطع الأخير من الفصل 176 الذي ينص على التالي: «وذلك دون الإخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من هذا الدستور»، أنه في واقع الحال هو مجرد مقطع دستوري لا جدوى من التنصيص عليه، لاستحالة تفعيله إبان المرحلة الانتقالية، كما أنه منعدم الفائدة، بل الذين صاغوه لم ينتبهوا إلى مخاطره من الناحية العملية. والجدير بالإشارة إليه هو أن المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 176 تنتهي -في ما يخص البرلمان القائم وقت نفاذ الدستور الجديد- بمجرد انتخاب أحد المجلسين الجديدين، بما يتولد عن ذلك من توقف جميع الصلاحيات المقررة للبرلمان المنبثق عن دستور 1996. كما أن البرلمان الجديد غير المستكمل لثنائية مجلسيه، يكون في حكم العدم، وبالتالي لا يجوز له مطلقا أن ينتج أي أثر في المجال القانوني والسياسي على حد سواء. وحينما يستكمل البرلمان الجديد وجوده الدستوري وفق الضوابط المحددة في القانون التنظيمي المتعلق بكل مجلس على حدة، وقتها فقط يحق للمجلسين أن يجتمعا معا برئاسة الملك. أما ما حدث في 19 دجنبر 2011 فهو مجرد لبنة من لبنات التفعيل غير السليم للدستور، بل يعتبر بدعة أو فلتة، لا سابقة لها.