تجري في الساحة الوطنية منذ الأسابيع الأخيرة مناقشة وأخذ ورد حول موعد إجراء الانتخابات القادمة لأعضاء مجلس النواب، ليحلوا محل الأعضاء الحاليين الذين جرى انتخابهم يوم الجمعة 7 شتنبر 2007، بناء على مرسوم بتاريخ 30 مارس 2007، لمدة ولاية خمس سنوات تطبيقاً للفصل (37)، من دستور 7 أكتوبر 1996 المطبق في ذلك التاريخ، والتي من المفروض أن تنتهي في الحالات العادية بعد افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تم فيها انتخاب المجلس، يعني يوم الجمعة الثانية من أكتوبر 2012. وجرى ويجري الحديث عن تحديد يوم 7 أكتوبر 2011، الذي تحول إلى يوم 11 نونبر وأخيراً يظهر أن مجلس الحكومة الأخير لوَّح بتاريخ 25 نونبر 2011 كموعد لإجراء تجديد كامل لأعضاء مجلس النواب. فعلى أي سند قانوني، وعلى أي مرتكز دستوري يستند تحديد هذا التاريخ من الآن؟ بقراءة متمعنة وواعية لكل من دستور 7 أكتوبر 1996 وللقانون التنظيمي الحالي رقم 31/97 المتعلق بمجلس النواب، وبقراءة متمعنة وواعية للدستور الجديد المنفذ بظهير 29 يوليوز 2011، وبالخصوص نص الفصل (176)، الذي ينص على أنه »إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حالياً في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين، وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من هذا الدستور« (الفصل 176 من الدستور). ونذكر أن الفصل (51) المحال إليه في الفصل (176) ينص على ما يلي: »للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و 97 و 98«. ومن اللازم، لإكمال صورة المعطيات، من المفيد أن نذكر بنص هذه الفصول الأخيرة، والتي تتعلق بالشروط التي يتم فيها هذا الحل (الفصل 96) والنتائج المترتبة عن الحل (الفصلان 97 و 98). الفصل 96:» للملك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين أن يحل بظهير المجلسين معاً أو أحدهما. يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة«. »الفصل 97: يتم انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل«. الفصل 98: إذا وقع حل أحد المجلسين فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على انتخابه، ماعدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد«. وحتى لا ندخل في نقاش لا يسمح به هذا الرأي الحالي، في موضوع أي دستور سيطبق في موضوع الانتخابات القادمة لأعضاء مجلس النواب؟ نحن نرى أن الدستور الجديد دخل حيز التنفيذ، بمجرد نشره في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 مصحوباً بالظهير الشريف رقم 1/11/91 الصادر في 29 من نفس الشهر بتنفيذ نص الدستور، بناء على قرار المجلس الدستوري رقم 815/2011 الصادر في 14 يوليوز 2011 المعلن عن نتائج الاستفتاء في شأن مشروع الدستور الذي أجري يوم فاتح يوليوز 2011. ودخول الدستور الجديد حيز التنفيذ ينطبق على تحضير انتخابات مجلس النواب القادمة، كما ينص على ذلك الفصل (178) المشار إليه، ولو أن هذا الفصل يندرج في الأحكام الانتقالية. فالإحالة فيه إلى نص الفصل (51) منه، والمتعلق باختصاص جلالة الملك وحقه في »حل مجلسي البرلمان أو أحدهما طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و 97 و 98« المشار إليها أعلاه. وبالتالي لم يُحِل الفصل (178) من الدستور الحالي إلى الفصل (71) من الدستور السابق، دستور 7 أكتوبر 1996 الذي كان يخول »للملك بعد استشارة رئيسي مجلسي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة، أن يحل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير شريف«. هذا ما يمكن أن نقوله باختصار على حل البرلمان بمقتضى الدستور تقعيداً للرأي القانوني الذي نطرحه في هذه العجالة. والسؤال المطروح، ما هي العلاقة بين حل البرلمان وبالخصوص حل مجلس النواب وتحديد تاريخ انتخاب أعضاء مجلس النواب القادم؟ الجواب السريع يفترض طرح سؤال آخر، ماهو السند الدستوري أو القانوني بصفة عامة لتحديد تاريخ إجراء انتخابات أعضاء مجلس النواب القادم من الآن .... وفي التواريخ المتداولة وبالخصوص التاريخ الأخير ليوم 25 نونبر 2011؟ إن الأمر يتعلق بانتخابات مبكرة أو سابقة لأوانها لأعضاء مجلس النواب، وقبل انتهاء الولاية الحالية والتي من المفروض أن تنتهي دستوريا مع افتتاح الدورة البرلمانية ليوم الجمعة الثانية من أكتوبر يعني يوم 14 أكتوبر 2012. لكن يمكن لجلالة الملك أن ينهي الولاية الحالية لمجلس النواب بحله بظهير شريف تطبيقا للفصل 51 من الدستور الحالي ، ولا يمكن لرئيس الحكومة أن يحل مجلس النواب الحالي لأن الفصل 51 يتعلق بالحل الذي يخوله الدستور الحالي لجلالة الملك والمؤكد بإحالة هذا الفصل الى مقتضيات الفصول 96/97/98 والتي جاءت ضمن الباب السادس من الدستور في الجانب المتعلق منه بالعلاقة بين الملك والسلطة التشريعية (الفصول 95 إلى 99). والذي يؤرقنا ويزعجنا ويسائلنا من الناحية القانونية، هو عدم عثورنا -ومجهودنا لم يصل إلى نتيجة - على أي أثر لنص في الدستور الحالي أو الدستور السابق لسنة 1996 للانتخابات السابقة لأوانها أو المبكرة لمجلس النواب، كذلك بقراءتنا المتمعنة والواعية للقانون التنظيمي الحالي لمجلس النواب كما وقع تغييره وتتميمه، لم نجد أي أثر للسماح بإجراء انتخابات أعضاء مجلس النواب جميعا قبل أوانها باستثناء الانتخابات الجزئية لملء المقاعد الشاغرة أثناء الولاية التشريعية نفسها. وبرجوعنا من جهة أخرى إلى مختلف المراسيم التي سبق لها أن حددت إجراء انتخابات أعضاء مجلس النواب التي جرت سابقا يوم الجمعة 14 نونبر 1997 ويوم الجمعة 27 شتنبر 2002 وأخيرا يوم الجمعة 7 شتنبر 2007 ،وجدناها كلها تستند إلى الفصل 9 من القانون التنظيمي الحالي لمجلس النواب رقم 97 - 31كما تم تغييره وتتميمه. وبالفعل بالرجوع إلى نص هذا الفصل نجده ينص على: أنه: »يحدد تاريخ الاقتراع والمدة التي تقدم خلالها الترشيحات وتاريخ بدء الحملة الانتخابية ونهايتها، بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية قبل تاريخ الاقتراع بخمسة وأربعين يوما على الأقل«. ما في ذلك شك، نص هذا الفصل واضح وبالتالي لا يمكن تفسيره بصفة واسعة، كما كان البعض يفسر ويقرأ نظيره الفصل 19 من الدساتير السابقة. وبالتالي لا يمكن أن نجعل من الفصل (19) في القانون التنظيمي لمجلس النواب حلا قانونيا لإنهاء ولاية مجلس النواب. وبالتالي نرى ونتمنى أن نكون مخطئين. نؤكد بأنه لا يمكن خرق نص في الدستور، أي دستور اخترنا حتى لا نقع في إشكالية ما هو الدستور المطبق في النازلة، والتي بينا رأينا فيها أعلاه، وفي جميع الأحوال فالفقرة الأولى من الفصل (37) من دستور 1996، هي نفس نص الفقرة الأولى من الفصل (62) من الدستور الحالي دستور 29 يوليوز 2011 والتي تدسير مدة الولاية التشريعية في خمس سنوات بالنص على ما يلي: »ينتخب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات وتنتهي عضويتهم عند افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس«. إذن فمدة ولاية مجلس النواب الحالي هي خمس سنوات، ولا يمكن تقليصها دستوريا وقانونيا إلا بحل مجلس النواب بظهير شريف، وبالتالي تطبيق الإجراءات والشروط المترتبة عن هذا الحل. هكذا، نرى أن تحديد تاريخ انتخابات مجلس النواب القادم حاليا بالمعطيات الحالية، وفي التواريخ المقترحة بمجرد مرسوم، هي مسألة سابقة لأوانها قانونيا ولا نبالغ إذا قلنا بأنها غير دستورية، لأن الانتخابات السابقة لأوانها لمجلس النواب والمتمثلة في تجديد كافة أعضاء مجلس النواب، لا يمكن أن تتم إلا بارتباط مع انتهاء ولاية مدة مجلس النواب بانتهاء مدة خمس سنوات، أو بعد الحل الصريح بنص الدستور بظهير ملكي بناء على أسباب قانونية وسياسية، واعتمادا على إرادة ملكية في ضبط حسن سير المؤسسات الدستورية وحماية الدستور من الممارسات اللادستورية. وما دمنا في هذا الرأي، والذي خصصناه للجوانب القانونية والدستورية في الموضوع، لا يعني هذا أننا مع الرأي الذي يتباطأ في تفعيل الدستور الحالي ،دستور 29 يوليوز 2011، وليس تنزيله لأنه نزل منذ إقراره بالاستفتاء وصدور الظهير بتنفيذه ونشره في الجريدة الرسمية. لكن مع ذلك، فحل مجلس النواب الحالي هو المخرج القانوني والدستوري، وبالتالي سيفرض ذلك بالفعل صدور المرسوم الذي يحدد الإجراءات الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد ليتم الانتخاب المذكور »في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل« تطبيقا للفصل (97) من الدستور الحالي: وبالتالي سيأخذ قرار الحل بعين الاعتبار جميع الملابسات الظرفية والملاءمة الضرورية في تحديد تاريخ الحل نفسه لتلافي التخوفات التي تم التعبير عنها بمناسبة النقاش حول تاريخ الانتخابات الملائم. نكتفي بطرح هذا الرأي للنقاش مساهمة منا في حماية مؤسساتنا الدستورية واحترام دستورنا الجديد، نصا وروحا. لكن أخيرا لا ننسى أن نطرح مسألة أخرى مرتبطة بمسألة حل البرلمان من الناحية الدستورية. للأسف الشديد نجد فراغا في الدستور الجديد، فمن يقوم بدور السلطة التشريعية في الفترة التي يكون فيها البرلمان أو أحد مجلسيه موضوع حل؟ الدستور الحالي لا يجيب عن ذلك، مع العلم أن دستور 7 أكتوبر 1996 كان ينص في فقرته الثانية من الفصل ‹72) »وفي أثناء ذلك يمارس الملك بالاضافة إلى السلط المخولة له بمقتضى هذا الدستور، السلط التي يختص بها البرلمان في مجال التشريع«. هذه الفقرة لا يوجد لها مقابل في الفصول المتعلقة بحل مجلسي البرلمان أو أحدهما في دستور 29 يوليوز 2011. فمن يمارس التشريع الذي يدخل في صلاحيات البرلمان في الفترة التي تفصل بين الحل ودخول البرلمان الجديد لممارسة مهامه؟ تلك مسألة أخرى نكتفي الآن بالإشارة إليها، وتستحق تأملات أخرى. ولا شك أن للحديث بقية. نتمنى أن يفتح هذا الرأي حوارا معمقا. ومائة تخميمة وتخميمة ولا ضربة بمقص«. () أستاذ التعليم العالي في القانون العام