بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يهدد كل يوم بتوجيه ضربات «قاتلة» للمنشآت النووية الإيرانية التي يراها تشكل تهديدا «وجوديا» لدولة إسرائيل. ويذهب بعض الخبراء القانونيين الإسرائيليين والأمريكيين إلى توفير تغطية قانونية «تشرّع» هذه الضربات، باعتبارها نوعا من الدفاع عن النفس. إذا طبقنا المبدأ نفسه حرفيا، فإن من حق إيران، وفي ظل هذه التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، أن تبادر إلى توجيه صواريخها إلى إسرائيل، أو حتى البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية، في ضربة استباقية في إطار الدفاع عن النفس، مثلما قال بالأمس (يقصد الثلاثاء) المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي في خطابه الذي ألقاه بمناسبة بدء العام الفارسي الجديد. ندرك جيدا أن الفارق في التسليح ضخم جدا بين إيران، من ناحية، والولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، من ناحية أخرى. والمقارنة هنا في غير محلها تماما، بل لا تجوز أساسا. ولكن إذا جرى فرض الحرب على إيران، أو أي دولة أخرى فليس هناك إلا احد خيارين: الاستسلام ورفع الرايات البيضاء أو النزول إلى ميدان القتال وخوض المعارك حتى النهاية. الإيرانيون، ومثلما تفيد مواقفهم وتصريحاتهم، مصممون على المضي قدما في برامجهم النووية، ويؤكدون دائما أنها برامج سلمية مشروعة، وهذا يعني أنهم غير معنيين بالتهديدات التي تستهدفهم، أيا كان مصدرها. لا نستبعد أن يكون الإيرانيون هم البادئين بالهجوم، فهم يعيشون حاليا تحت حصار خانق قد يصبح أشد بعد ثلاثة أشهر عندما تفرض أوربا حظرا شاملا على استيراد النفط الإيراني. وعلينا أن نتذكر أن حصارا مماثلا، وإن كان اقل حدة، دفع بالرئيس العراقي صدام حسين إلى احتلال الكويت. ونحن هنا لا نناقش النتائج التي نعرفها جيدا، وإنما نتوقف عند مخاطر الحصار والتجويع واستفزاز الكرامة الوطنية لدى الشعوب وقيادتها. الحصار بدأ يعطي ثماره المريرة والمهينة في إيران، وأسعار المواد الأساسية باتت في ارتفاع متصاعد، وأسعار العملة الإيرانية «الريال» في هبوط قياسي، وفرض نظام منع تحويل العملات إلى إيران الذي بدأ قبل أيام سيعيد البلاد إلى معاملات العصر الحجري، في زمن القرن الواحد والعشرين، أي دجاجة مقابل حفنة أرز. وإذا كان هذا النظام جائزا بين مجموعات أو أفراد، فإنه مستحيل على مستوى الدول وعشرات الملايين من مواطنيها. الولاياتالمتحدة ترتكب خطأ فادحا إذا اعتقدت أن سيناريو التجويع الذي نجح في كوريا الشمالية وأرغمها على الانصياع للشروط الأمريكية وتجميد برامجها النووية مقابل الطعام يمكن أن ينجح في إيران لاختلاف الظروف والجينات البشرية؛ فإيران قارة أكبر من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وفوقها إيطاليا مجتمعة، وشعبها البالغ تعداده أكثر من سبعين مليونا قد لا يركع بسهولة، لأنه معروف بعزة نفسه مثل كل الشعوب العربية والإسلامية الأخرى، إن لم يكن أكثر. الرئيس باراك أوباما، الذي اعتبر البرنامج النووي الإيراني ليس خطرا على إسرائيل فقط وإنما على أمن أمريكا والعالم بأسره، أثبت في خطابه أمام اللوبي اليهودي الأمريكي أنه أكثر الزعماء الأمريكيين ولاء ومساندة لإسرائيل في التاريخ. أوباما قال إنه لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية ثم يعمل على احتوائها، مثلما فعل مع الاتحاد السوفياتي، وإنما سيمنعها قبل أن تصل إلى هذه المرحلة، لأن هذا ليس في مصلحة إسرائيل وأمريكا معا. ذريعة أوباما تتلخص في عدم وصول الأسلحة النووية إلى أيدي «الإرهابيين» في حال امتلاك إيران لها، وإطلاق سباق تسليح نووي في المنطقة العربية، حيث ستلجأ دول، مثل السعودية ومصر، إلى السعي من أجل امتلاكها. بمعنى آخر، لا يريد أوباما أن يمتلك العرب أسلحة نووية، ولا أن تصل هذه الأسلحة إلى «الإرهابيين» العرب والمسلمين حتى لا يستخدموها ضد إسرائيل، التي قال إن أمنها مقدس بالنسبة إليه، والولاياتالمتحدةالأمريكية التي يتزعمها؛ فالتفوق العسكري الإسرائيلي، مثلما قال في الخطاب نفسه، يجب أن يستمر وأن تحميه واشنطن بكل الطرق والوسائل. الرئيس أوباما يجافي الحقيقة في وضح النهار، فامتلاك إسرائيل لأسلحة نووية لأكثر من خمسين عاما لم يطلق سباق تسلح نووي في المنطقة، والأسلحة النووية توجد حاليا في أيدي دولة تمارس الإرهاب علنا، وتعتدي على الجيران، وتقتل الأطفال بقنابل الفوسفور الأبيض في قطاع غزة وجنوب لبنان، وتحتل أراضي دول عربية، وجهزت رؤوسها النووية لضرب مصر وسورية أثناء حرب أكتوبر رمضان عام 1973، ومذكرات غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل في حينها، تثبت هذه الحقيقة. ما زلنا نتمسك برأينا في أن إسرائيل هي التي تقرع طبول الحرب، وقد تكون البادئة فيها، والرئيس أوباما لا يستطيع أن يمنعها بعد أن شاهدنا تزلفه للوبي اليهودي الداعم لها بطريقة مخجلة، مضافا إلى ذلك أن نتنياهو أقوى منه في أمريكا بسبب دعم الكونغرس له. ما يعزز رأينا هذا عدة مؤشرات قوية، نوجزها في النقاط التالية: أولا: اتفاق ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، مع مضيفه الأمريكي أوباما على إطلاق الاحتياط الاستراتيجي من النفط في الأسواق العالمية، لمنع ارتفاع الأسعار، وهذا يعني أن الحرب قادمة؛ ثانيا: توجيه خبراء الاستثمار الغربيين نصائح إلى زبائنهم بالاستثمار في الذهب والمعادن النفيسة الأخرى بدلا من الأسهم والسندات في الأسابيع المقبلة، لأن الحرب في الشرق الأوسط حتمية. والذهب هو الملاذ الآمن في زمن الحروب؛ ثالثا: حصول نتنياهو على أغلبية الأصوات (ثمانية مع مقابل أربعة ضد) في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في حال تنفيذ قرار ضرب إيران؛ رابعا: إقدام إسرائيل على اغتيال الشهيد زهير القيسي، أمين عام لجان المقاومة الشعبية، لاستفزاز فصائل المقاومة ودفعها إلى إطلاق صواريخ على أسدود وعسقلان، بهدف اختبار «القبة الحديدية» المختصة في التصدي لهذه الصواريخ استعدادا لصواريخ إيران وحزب الله، وربما سورية أيضا. تقرير استراتيجي أمريكي جرى نشره أمس (يقصد الثلاثاء) أفاد بأن أي ضربة إسرائيلية لإيران ستؤدي إلى حرب إقليمية واسعة تجر إليها الولاياتالمتحدة، مما ستترتب عنه خسائر كبيرة في صفوف القوات الأمريكية. قبل أربعة أعوام، قال ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، إن أمريكا ستتردد في شن حرب ضد إيران، ولكنها لا تستطيع منع إسرائيل إذا ما أقدمت عليها، وستهرع لحمايتها، ولهذا لا نستغرب أن يكون أوباما اتفق مع نتنياهو على هذا السيناريو، وكل ما يقال عن معارضته لضربة إسرائيلية قبل الانتخابات الأمريكية هو نوع من التضليل. إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، تنبأ بأن تخسر إسرائيل 500 قتيل في حال نشوب حرب مع إيران. تنبؤات باراك صادقة ودقيقة، ألم يتوقع قبل تسعة أشهر بأن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد سيكون خلال أيام؟ إنها حرب، لو اشتعلت قد تحرق الأخضر واليابس، والأخضر هنا هو آبار نفطنا ومدننا ومنشآتنا، واليابس هو بعض السفن الأمريكية والأهداف الإسرائيلية التي لا تعد ولا تحصى.. قطعا ستكون حربا مختلفة عن كل الحروب، إن لم تكن آخرها والأيام بيننا.