اليمين الإسباني غبي، وزعماؤه مصابون بعاهة مستديمة في الذاكرة، شأنهم في ذلك شأن كل زعماء التيارات اليمينية المتطرفة في العالم التي تمارس حربا مفتوحة ضد الذاكرة والتاريخ. خوسي ماريا أثنار وصحبه لا يخفون اليوم أن الخطر الذي يتهدد إسبانيا هو وصول عدد كبير من المغاربة إلى البلاد، وهذا الحزب يبدو مهووسا إلى درجة المرض بالإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع أعداد المغاربة والمسلمين في إسبانيا، وفي كثير من المرات يطلق زعماؤه تصريحات تتخوف من تحويل أبراج الكنائس إلى صوامع. كان عليهم أن يتذكروا أن أبراج كنائس اليوم كانت فعلا صوامع مساجد قبل خمسة قرون فقط. اليمين الإسباني يبدو مهووسا أيضا بقضية الأندلس. وقبل أشهر طلب خوسي ماريا أثنار، خلال محاضرة ألقاها في جامعة أمريكية، من المسلمين الاعتذار عن احتلالهم إسبانيا ثمانية قرون. خلف أثنار، ماريانو راخوي، يحمل الأفكار نفسها عن المهاجرين والمغاربة، وهو اليوم يبني كل حملاته الانتخابية على العداء للمهاجرين، والمغاربة على الخصوص. هكذا يبدو اليمين الإسباني مصابا بعاهة مستديمة في الذاكرة، لأنه لولا 150 ألف مقاتل مغربي في الحرب الأهلية الإسبانية لما كان هناك اليوم وجود على الإطلاق لشيء اسمه اليمين في إسبانيا. كل المؤرخين في إسبانيا يقولون إن المغاربة هم الذين أوصلوا اليمين إلى السلطة سنة 1939 بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، ولولا أنهار الدماء لعشرات الآلاف من الأطفال والمراهقين والرجال المغاربة لما وجد زعيم اسمه فرانكو أو رئيس حكومة اسمه خوسي ماريا أثنار أو حزب يدعى الحزب الشعبي. ويحكي من يتذكرون تلك الأيام اللاهبة أن شاحنات كثيرة كانت تقتحم قرى وبلدات في شمال المغرب، وحتى في مناطق مغربية أخرى، وتحمل كل من يستطيع حمل السلاح وتهرب بهم تحت جنح الظلام. كان الإسبان، ومعهم عملاء مغاربة، يجبرون الأب والابن، وحتى الحفيد لو وجد، على ركوب شاحنات الموت نحو واحدة من أشرس الحروب الأهلية في العالم. هكذا فقدت الكثير من الأسر الأب والأخ والابن في وقت واحد، وبقيت قرى ومدن كثيرة تتعالى فيها صرخات وأنات أمهات وجدات بائسات، وتحولت الحقول إلى أراض يباب لأنها لم تعد تجد من يحرثها، وعانى الشمال من مجاعة فظيعة أوائل الأربعينات، وأكل الناس جذور النباتات وأوراق الشجر وماتوا بين السهوب والأودية، وكانت الأسرة التي تملك 10 بيضات تملك عشرة أيام من الحياة الإضافية. كانت آلة الدعاية الفرانكاوية وقتها تروج إشاعات غريبة. ويحكي المؤرخ بن عزوز حكيم كيف أن إشاعات قوية انتشرت تقول إن فرانكو اعتنق الإسلام، وإن الذين يدافعون عنه في إسبانيا ضد الشيوعيين إنما يدافعون عن الإسلام، وإن أناسا شاهدوه يؤدي مناسك الحج، وإنه قرر إعادة الأندلس إلى المسلمين بعد نهاية الحرب. المقاتلون المغاربة دخلوا مناطق إسبانية كثيرة من دون إطلاق رصاصة واحدة، كانوا يرددون فقط ذلك الهتاف الشهير في شمال المغرب الذي يبدأ ب»يا عاشقين النبي صلوا عليه...»، وكان الرهبان يتقدمون مواكب الانتصارات فخورين وهم يدوسون على جثث آلاف أطفال المغرب الذين صنعوا مجد اليمين الإسباني، وهو نفس اليمين الذي تكفل بعد ذلك بتشويه صورة المقاتلين المغاربة وتصويرهم على أنهم وحوش آدمية. كان المقاتلون المغاربة دائما في الجبهات الأمامية لأقسى المعارك، وحتى عندما يقعون أسرى في يد الجمهوريين، فإن هؤلاء يضعونهم أيضا في الواجهة، وهكذا كانت تلك الحرب الملعونة جحيما حقيقيا لم يأخذ منها المغاربة غير الموت والمهانة والجوع والمآسي. وجوه زعماء اليمين الإسباني بلا دم، ووجوه السياسيين المغاربة صفائح من قصدير لأنهم صمتوا عن هذه القضية، ولايزالون صامتين وكأن كل الذين سُحقوا في تلك الحرب مجرد حشرات وليسوا مغاربة من لحم ودم.