سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عدي ليهي: المجتمع المغربي ينتج «عنصريين» يتقلدون مناصب حساسة رئيس جمعية «أفريكا» لحقوق الإنسان قال إن هناك مسؤولين يصرفون مواقفهم الإقصائية باسم الدولة
- هل هناك ميز عنصري بالمغرب؟ وما هي تجلياته؟ المغرب من بين الدول، التي لم تستطع لحد الآن التخلص من العقلية الإقصائية و«الحكرة» والازدراء والتمييز، سواء رسميا أو شعبيا. الميز العنصري منغرس بكل أشكاله في المجتمع المغربي: على مستوى اللون والجنس واللغة والدين والعرق... إلخ. والتقارير، التي صاغها أعضاء اللجنة التحضيرية لتأسيس جمعية أفريكا، والتي كانت وراء القناعة الراسخة للمشاركين في المؤتمر الأول سنة 2005 لتأسيس جمعية أفريكا لمناهضة الميز العنصري بالمغرب، التي أصبحت جمعية أفريكا لحقوق الإنسان في مؤتمرها الأخير سنة 2008، رصدت تجليات هذا الميز بالمغرب. منها مثلا على مستوى العرق وجود فئة مجتمعية تؤمن بأنها تمثل الجنس الراقي والطاهر بالمغرب، وما تبقى من المغاربة هم ضمنيا من الدرجة الثانية أو أقل. والغريب أنها أسست جمعيات عرقية توزع بطائق العضوية، مكتوب على ظهرها طلب بتقديم المساعدة والتسهيلات الممكنة لحاملها. على مستوى الدين، ورغم أن الديانتين المسيحية واليهودية اعتُنقتا من قبل المغاربة قبل مجيء الإسلام، ورغم أن الدستور الحالي يقر بحرية التدين والاعتقاد، فالترهيب الديني لا يزال سيد الموقف. المفارقة أن المسلمين المغاربة يبادرون بنشر دينهم وبناء مساجد في كل بلدان العالم يقيمون فيها شعائرهم الدينية بحرية، لكن مقابل ذلك تنظم حملات تضييقية ضد كل من سولت له نفسه تبيان غير الإسلام دينا بالمغرب، وينعتونه تارة بالردة وتارة بالتنصر أو الصهيونية. أما لغويا، فاللغة الأمازيغية لا تزال في الهامش، والمغربي يقدم على أساس أنه عربي، سواء في الدبلوماسية الرسمية أو لدى الأحزاب، التي تدور كلها في فلك الدولة. ورغم أن المغرب دولة أفريقية، فهو يتنصل من أفريقيته.إذ عوض انضمامه الطبيعي إلى الاتحاد الأفريقي تجده عضوا فاعلا في جامعة تعتمد على اللغة للانتماء إليها، أي الجامعة العربية. المغرب بلد موجود في أفريقيا جغرافيا، لكن نظرا للاختيار العنصري للنخبة الحاكمة، فهو إيديولوجيا موجود وهْما بين لبنان وفلسطين وسوريا. - وما أسباب هذا الميز في نظرك؟ الميز العنصري بالمغرب دخيل على مجتمعنا، فهو نتيجة اعتناق بعض الفئات السياسية المغربية إيديولوجيات أجنبية مثل الفرنكفونية أو القومية العربية. وعلى مستوى الجنس، تؤكد الدراسات الأنثربولوجية أن المجتمع المغربي مجتمع أمومي وليس مجتمعا أبويا. فالهيمنة الذكورية مستوردة، سواء عبر التأثير السلبي للديانات المشرقية، أو في إطار عملية المثاقفة بين عدة حضارات تحتقر المرأة. - لحد الآن ما يزال الحديث عن الميز العنصري بالمغرب محتشما ويدخل في خانة الطابو. ما سبب ذلك في نظرك؟ في تقديري، لم يعد الميز العنصري، نسبيا، طابو كما كان مباشرة بعد تأسيسنا إطارا يهدف إلى مناهضة الميز العنصري في المغرب. اليوم يجب الحديث عنه مادام مصرحا به في الدستور الحالي، رغم وجود عرقلة قانونية تتجلى في عدم التنصيص على تأسيس هيئة وطنية مختصة في الموضوع أو الإشارة إلى أجرأة تجريمه وكيفية إنزال قوانين تنظيمية لذلك. في بداية نضالنا ضد الميز العنصري تعرض أعضاء جمعيتنا لعدة مضايقات، سواء من لدن السلطات الأمنية أو من طرف الأشخاص العنصريين أنفسهم. كما عانت الجمعية من تعنت المسؤولين العنصريين أثناء تسليم الوصل القانوني للجمعية بعد كل تجديد لهياكلها، لكون جمعيتنا أول هيئة وطنية تشير في أهدافها إلى مناهضة كل أشكال الميز العنصري. أعتقد أن حساسية نقاش هذا الموضوع نابعة من كون الدولة المغربية ما بعد الحماية الفرنسية اعتمدت عليه كوسيلة عمل من أجل التحكم في رقاب المواطنين. وعموما، الحديث عن العنصرية بالمغرب لا يزال نسبيا محتشما لأن العنصريين المغاربة ليس لهم استعداد لوضع نهاية للميز، سواء في الواقع أو في الإدارات.المعضلة أن المجتمع المغربي لا يزال ينتج عنصريين يتقلدون مع مرور الوقت مناصب إدارية وحكومية حساسة ويصرفون مواقفهم الإقصائية باسم الدولة أو الإدارة. - في أكثر من تصريح ذكرت بأن المغرب دولة عنصرية بامتياز. علام تستند في طرحك هذا؟ الميز العنصري ظاهرة عالمية ولا تخلو منها أي دولة. والدولة المغربية دولة عنصرية بامتياز بسبب وجود العنصرية بكل أشكالها، وتجلياتها جلية في كل المستويات، إضافة إلى حضور القصد، أي مأسستها. على أي اعتبار ركزت العقلية، التي كانت وراء تفقير نسبة مئوية كبيرة من المغاربة، الذين اكتشفوا سنة 2012 مناطق لا يزال سكانها يطالبون بالطريق والخبز والحطب لمواجهة البرد؟ أين كانت الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ نهاية الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني؟ أليس هذا ميزا عنصريا وإجراما يجب معاقبة مقترفيه؟ تخيل أننا في جمعية أفريكا، وهي جمعية حقوقية وطنية ولنا تواجد في كل جهات ومناطق المغرب، لم نستفد منذ سنة 2005 ولو مرة واحدة من منحة وطنية ما ولا مساعدة معنوية أو مادية. كما أقصيت جمعيتنا من حقها في التعبير عما نفكر فيه في الإعلام الرسمي. مقابل ذلك نشاهد جمعيات تمارس الميز العنصري وأسست من أجل احتقار الشعب المغربي وحضارته وتاريخه، منها مثلا جمعية 12 قرنا على تأسيس المغرب، ومع ذلك توصلت بدعم مادي ومعنوي وإعلامي لا يتصور. ألا تعتبر هذه المفارقة دليلا على أن هذا البلد عنصري بامتياز؟. وحتى الحيوانات المغربية تعرضت للميز العنصري، ففي منتديات الفروسية يقدم الفرس المغربي الأصيل، المعروف عالميا بالأمازيغي، باعتباره حصانا عربيا. أليست هذه دولة عنصرية بامتياز؟. في المدرسة العمومية يتعلم التلاميذ، سواء الناطقين منهم بالأمازيغية أو المعربين منهم، العربية والفرنسية والإنجليزية بدون استثناء، إلا أن الأمازيغية تقدم كمادة اختيارية وليست معممة وبطرق مشوهة. هذا لا يمكن أن يقع إلا في الدول العنصرية بامتياز. - لكن العديد من الباحثين ينفون أن تكون العنصرية مُمأسسة في المغرب. العنصرية بالمغرب مُمَأسسة ونفيها جحود. ولاحظت أن من يصرح بعدم وجودها يكون دائما إما ممثل أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة أو من المستفيدين من الميز العنصري أو هو بنفسه عنصري. هناك عدة مؤشرات للميز العنصري بالمغرب لا يستدعي الوقوف عليها تحليل عميق أو بحث دقيق: في المغرب عندما تقدم الضابطة القضائية فردين، رجلا وامرأة، بتهمة الفساد أو التحريض عليه، تطلق النيابة العامة سراح الرجل بمجرد ما تتنازل زوجته عن الخيانة الزوجية، وإن كان أعزب فالكفالة تحميه من الاعتقال. أما المرأة فلا يطلق سراحها في الحالتين معا. كما أن الميز العنصري بسبب الجنس مقنن هنا. والأسماء الأمازيغية ممنوعة على الأطفال الصغار، ومكاتب الحالة المدنية بالمغرب لها لائحة بأسماء يجب أن يختار الإنسان منها اسما. هناك أيضا العديد من مقدمي البرامج التلفزية بالقنوات الرسمية من ذوي البشرة السوداء، لكننا لا نراهم أمامنا في الشاشة، فما هو السبب؟ بعض المؤسسات البنكية تضيف إلى شروط تشغيل موظفيها أن يكون وسيما. كما نلاحظ عدم وجود ذوي البشرة السوداء في هذه المؤسسات، مما يفيد مأسسة العنصرية وربط الوسامة بالبشرة البيضاء في هذه المؤسسات. - على ذكر ذوي البشرة السوداء..سبق أن ذكرت في حوار سابق بأنك وقفت على توجيه رسمي عالي المستوى حول التحفظ على استوزار المغاربة ذوي البشرة السوداء رغم كفاءتهم.كيف ذلك؟ لم أصرح يوما بأنني وقفت على توجيه رسمي أو غيره يمنع استوزار المغاربة ذوي البشرة السوداء، بل صرحت بما يفيد بأن هناك بروتوكولا شكليا يحول دون استوزار المغاربة ذوي البشرة السوداء. نحن نعتمد على رصد الظاهرة أولا، ونبحث عن سبب وجودها من أجل مواجهتها ثانيا. العالم يعرف أن باراك أوباما، رئيس أقوى دولة في العالم، فاز بأصوات الأمريكيين بسبب كفاءته وليس لون بشرته. والسؤال المطروح في المغرب هو: ألا يوجد مواطن مغربي ذو بشرة سوداء وله كفاءة تجعل منه وزيرا طيلة هذه المدة التي تفوق 50 سنة؟ - إضافة إلى جمعية أفريكا، التي تترأس مكتبها المركزي، ظهرت جمعيات أخرى تدافع عن المهاجرين الأفارقة وتندد بالميز العنصري الممارس عليهم. ألا يعني هذا أن خطر الميز العنصري بدأ يهدد المجتمع المغربي بشكل جلي؟ الخطر يتجلى في مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية لمناهضة كل أشكال الميز العنصري دون أن يهتم بتطبيق موادها. الخطورة تتجلى في أن العنصرية بالمغرب صارت سلوكا يوميا ممارسا بدون وعي من لدن أغلبية المغاربة. فكيف ترى أشباه الصحفيين كالمسمى البقالي من طنجة، الذي وصف المغاربة ذوي البشرة السوداء والمواطنين القادمين من بعض الدول المجاورة بالجراد الأسود؟ هذه من المؤشرات التي تستوجب تأسيس آلاف الهيئات، التي تناهض الميز العنصري في مخيلة المثقفين قبل عامة الناس. جمعية أفريكا لمناهضة الميز العنصري تأسست لأن هناك حاجة إليها بالمغرب، والدفاع عن المهاجرين من الدول الشقيقة واجب كل المغاربة، والحكومة عليها إيجاد حل لقضية الهجرة بالمغرب وليس المتاجرة باسم المهاجرين. المغرب أبرم عدة اتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل وقف هذه الهجرة وإرجاع المهاجرين إلى بلدانهم باحترام كامل، إلا أن تعامل السلطات الأمنية المغربية ببشاعة مع هؤلاء المهاجرين يجسد الميز العنصري، الذي عشش في مخيلة الإنسان المغربي. التنديد واستنكار التعامل العنصري مع المهاجرين من الدول الشقيقة ليس تضخيما للأمور، بل واقعا يجب التصريح به على الأقل. - كيف يمكن، في نظرك، مواجهة أي نزوع عنصري بالمجتمع المغربي؟ الميز العنصري بالمغرب من الظواهر السلبية الواجب مواجهتها بكل شجاعة وحزم. ومن الأساليب الأولية لذلك طرحها للنقاش العمومي على الأقل وعدم الهروب إلى الأمام. من أجل التصدي لظاهرة الميز العنصري يستوجب الأمر اجتثاث مسبباتها في مهدها. على الحكام التعامل مع الأجهزة الإيديولوجية للدولة بعدالة ومساواة، وعلى الخصوص وسائل الإعلام والمدرسة. لا يمكن مواجهة العنصرية ببرامج دراسية تجسد «الحكرة» والإقصاء والعنصرية لفئات عريضة من المجتمع نفسه. المغرب الآن بحاجة إلى ثورة ديموقراطية للتأثير مباشرة على المنظومة التربوية لبناء مشاريع دراسية تعتمد التربية على حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. يجب تغيير المسؤولين الموجودين حاليا في الإعلام الرسمي، سواء السمعي أو البصري، نظرا لما ارتكبوه من أعمال عنصرية سميت تلفزية أو إذاعية، وهي تمس كرامة الإنسان المغربي. المغرب حاليا بحاجة ماسة إلى إعلام متشبع بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان.