إذا كانت لديك ابنة فأنت بالقطع تحبها وتخاف عليها ولا تتحمل أي إساءة إليها.. إذا كانت لديك ابنة فأنت لن تطيق أن يتحرش أحد بجسدها، وأنت بالتأكيد مستعد للدفاع عنها بحياتك إذا تعرضت لاعتداء.. ابنتك جزء منك وأقرب الناس إليك. كيف تشعر، إذن، إذا اشتركت ابنتك الشابة في مظاهرة سلمية فقبض عليها الجنود واعتدوا عليها بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء مع وابل من الشتائم المقذعة... كيف تشعر إذا تم خلع ملابس ابنتك الشابة بالكامل ووقفت عارية تماما أمام الجنود الذين راحوا يستمتعون بتأمل جسدها العاري.. كيف تشعر عندما تعرف أن السجانة في السجن الحربي قد قالت لابنتك العارية: «نامي على السرير عشان البيه يكشف عليكي».. كيف تحس عندما يرغمون ابنتك على أن تنام وهي عارية تماما حتى يقوم من يزعم أنه طبيب بإجراء كشف العذرية عليها، بينما الأبواب والنوافذ مفتوحة حتى يتفرج عليها الناس؟ هذه الجريمة لم يفعلها الجنود الإنجليز في النساء المصريات خلال عقود من الاحتلال البريطاني، ولم يرتكبها الجنود المصريون في حق الإسرائيليين الذين تم أسرهم أثناء الحرب، لكن هذه الجريمة للأسف ارتكبها مصريون ضد مصريات. في يوم 9 مارس عام 2011، تم القبض على عشرات المتظاهرين من ميدان التحرير بواسطة الشرطة العسكرية وتم تعذيبهم بوحشية، ثم تم إرسال 17 فتاة مصرية إلى السجن الحربي، حيث تم ضربهن وصعقهن بالكهرباء، ثم تعريتهن تماما أمام الجنود وإجراء كشوف العذرية عليهن، مما يشكل جريمة هتك عرض مكتملة الأركان وانتهاكا فاحشا لأبسط قواعد الإنسانية والقانون والتقاليد العسكرية. هؤلاء الجنود الذين هتكوا أعراض بناتنا وأخواتنا كان يفترض أن يكون واجبهم الحفاظ عليهن وحمايتهن. إن الهدف الحقيقي من كشوف العذرية هو كسر نفوس المتظاهرات وإذلالهن حتى يفقدن قدرتهن على الاستمرار في الثورة.. بعد أن تمت الجريمة، تم تهديد البنات بواسطة أجهزة الأمن حتى يلزمن الصمت. وللأسف، فقد خفن جميعا إلا بنتا واحدة شجاعة، اسمها سميرة إبراهيم، قررت أن تفضح المجرمين الذين هتكوا عرضها. وعندما ذاع الخبر وتحولت كشوف العذرية إلى فضيحة كبرى، أنكر حدوثها أعضاءُ المجلس العسكري في البداية ثم عادوا واعترفوا بها. اشتدت التهديدات والضغوط على سميرة إبراهيم، لكنها ازدادت إصرارا على المطالبة بحقها، بل إنها أفلحت في إقناع ضحية أخرى بأن تحكي ما حدث لها.. المشكلة هنا أن المجلس العسكري يمتلك أدوات «مبارك» نفسها، وهو يسيطر على جهاز الدولة بالكامل ويوجهه وفقا لإرادته.. لقد تم نظر قضية كشوف العذرية أمام القضاء العسكري الذي هو «مع احترامنا لأعضائه» قضاء غير مستقل، لأن القاضي العسكري ضابط له رتبة وله رؤساء لا يمكن أن نتصور أنه يستطيع مخالفة أوامرهم، ولأن المشير طنطاوي من حقه إلغاء الأحكام أو تخفيفها كما يشاء. هذا الأسبوع، قضت المحكمة العسكرية ببراءة الضابط المتهم بهتك أعراض بنات مصر في حادثة كشوف العذرية.. إن هذا الحكم يعني ببساطة أن الظلم مازال متحكما في بلادنا.. مازال نظام «مبارك» في السلطة ومازال القانون يطبق عليك وفقا لشخصك ومرتبتك الاجتماعية وآرائك السياسية. عندما دخلت سميرة إبراهيم إلى السجن الحربي، فوجئت بصورة كبيرة للرئيس المخلوع مبارك معلقة على الحائط. سألت سميرة الضابط: لماذا تحتفظون بصورة «مبارك»؟.. أجابها الضابط بموجة من الشتائم ثم قال: - حسني مبارك مازال رئيسنا ونحن نحبه. هنا مربط الفرس. إن المجلس العسكري ينتمي فعلا إلى نظام «مبارك»، فكرا وقولا؛ وقد سعى جاهدا، خلال عام كامل، حتى يحول الثورة إلى انقلاب. الثورة اعتبرت تنحية «مبارك» الخطوة الأولى نحو إسقاط نظامه وبناء نظام جديد، لكن المجلس العسكري اعتبر تنحية «مبارك» خطوة لا مفر منها من أجل الحفاظ على نظامه.. المجلس العسكري مسؤول عن كل الأزمات المصطنعة التى تم الضغط بها على المصريين حتى يكرهوا الثورة ويندموا على القيام بها.. المجلس العسكرى هو المسؤول عن الانفلات الأمني وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية وعن كل المذابح التي تم ارتكابها في حق المصريين في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، وهو المسؤول الأول عن كشوف العذرية وفقء عيون المتظاهرين وقتلهم بالرصاص الحي والغاز ودهسهم بالمدرعات وهتك أعراض بنات مصر وسحلهن في الشوارع. هذه هي الحقيقة. إن المجلس العسكري المسؤول الأول عن كل ما يحدث في مصر. بيننا وبين المجلس العسكري دماء شهداء وأعراض بنات مصر. لا يمكن أن نسكت إلا بعد أن يُحاكم كل من قتل المصريين وهتك أعراض النساء، وينال المجرمون جزاءهم العادل. في كل مرة ننتقد فيها المجلس العسكري نؤكد أن نقدنا لا علاقة له بالقوات المسلحة كمؤسسة وطنية نفخر بها جميعا. إن الجيش المصري ليس ملكا للمجلس العسكري وإنما هو ملك للشعب المصري. المجلس العسكري يتولى مهام رئيس الجمهورية أثناء الفترة الانتقالية، وبالتالي فهو سلطة سياسية من الطبيعي أن نختلف حول أدائها، ومن حقنا، بل من واجبنا، أن نصوب أخطاءها ونواجهها بآرائنا مهما تكن قاسية مادمنا نستهدف المصلحة الوطنية. كل هذا بديهي، لكن المجلس العسكري، تماما مثل قائده الأعلى المخلوع حسني مبارك، لا يطيق النقد ويضيق بمن يقول الحق ويستمع إلى الطبالين والزمارين، ويعتبر كل من يعارضه محرضا على كراهية الجيش.. المجلس العسكري تماما مثل «مبارك» لا يقبل إلا بالسلطة المطلقة، ويريد أن يكون دائما فوق المساءلة والنقد.. العدالة في عرف المجلس العسكري أن يُقتل المصريون بالرصاص وتُفقأ عيونهم وتهتك أعراض المصريات ويسحلن في الشوارع فلا ننطق بكلمة اعتراض. إذا قلنا إن المجلس العسكري مسؤول سياسيا عن كل هذه الجرائم يغضب ويعتبرنا مغرضين نستهدف إسقاط الدولة.. منطق «مبارك» نفسه الذي كان يعتبر أي نقد لسياساته تطاولا على مصر كلها، ويعتبر معارضيه قلة مندسة مأجورة.. لقد فعل المجلس العسكري كل شيء من أجل إجهاض أي تغيير حقيقي في مصر، وقد أصبح واضحا الآن أنه يريد أن يسيطر على السلطة حتى ولو لم يتولَّها مباشرة. في مصر الآن لدينا مجلس شعب منتخب ورئيس وزراء ووزراء كثيرون، لكنهم جميعا لا يملكون سلطات حقيقية. إنهم فقط يتكلمون ويعقدون الاجتماعات ويلقون بالبيانات، لكننا نعلم جميعا بأن المجلس العسكري وحده هو دائما صاحب القرار النهائي.. استمرارا للسياسة نفسها تم إنشاء لجنة عليا للإشراف على انتخابات الرئاسة، ثم تم تحصين كل قراراتها بحيث لا يجوز الطعن أو الاعتراض عليها. وطبقا لبيان أصدرته حملة المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح، فقد بدأت علامات التزوير في انتخابات الرئاسة، موظفو الشهر العقاري يحررون التوكيلات لمرشح معين ويتقاعسون عن توكيلات المرشحين الآخرين؛ وعندما يذهب المواطنون لتحرير محاضر بهذه المخالفات، فإن ضابط الشرطة يرفض ويقول لهم اذهبوا إلى اللجنة العليا.. في الآونة الأخيرة، توالت القضايا الملفقة على كل من يعارض سياسات المجلس العسكري.. آخر هذه القضايا الملفقة كان المتهمون فيها: ممدوح حمزة وأبو العز الحريري وزياد العليمي ووائل غنيم ونوارة نجم وأسماء محفوظ وجورج إسحاق وبثينة كامل ويسري فودة وريم ماجد وسامح نجيب وكاتب هذه السطور. في الحقيقة، يشرفني أن أكون مع هذه الأسماء، لأنها حقا كوكبة من أنبل وأشرف الشخصيات الوطنية في مصر.. إن التلفيق في هذه القضية بالذات تم بطريقة بدائية وساذجة.. لقد تقدم 700 شخص «من المواطنين الشرفاء» ببلاغات إلى النائب العام ضدي وزملائي، وبالطبع وجهوا إلينا التهم التقليدية نفسها التي طالما استعملها حسني مبارك للتخلص من أصحاب الرأي: «إثارة البلبلة وتكدير السلم الاجتماعي والتحريض ضد قيادة القوات المسلحة والعمل على إسقاط الدولة وزعزعة الاستقرار... إلخ». كلها تهم مطاطة وفارغة بلا معنى ولا سند قانوني. لقد أصدر النائب العام بيانا أعلن فيه أنه قد أحال البلاغات المقدمة ضدنا على القضاء العسكري لأنه جهة الاختصاص.. هنا تثور أسئلة كثيرة: هل يجوز قبول بلاغات أشخاص لا علاقة لهم بالواقعة موضوع البلاغ؟!.. هل يمكنني أن أتقدم ببلاغ أتهم فيه شخصا بالإساءة إلى شخص آخر، بينما أنا لا علاقة لي بالاثنين؟!.. كيف تقدم 700 مواطن مرة واحدة ببلاغات إلى النائب العام؟!.. هل استمعت النيابة إلى أقوال 700 شخص في بلاغاتهم المقدمة وكم من الوقت استغرقه الاستماع إلى هذا العدد المهول من الناس؟!.. وإذا لم يكن النائب العام قد استمع إليهم، فهل يجوز قبول بلاغاتهم دون التحقق من شخصياتهم والاستماع إلى أقوالهم؟ إن النائب العام هنا يرسي قاعدة غريبة مخالفة للقانون تجعل من السهل على أي شخص أن يرسل بلاغه بالبريد فيتم قبوله.. ثم لماذا أحال النائب العام هذه البلاغات بسرعة على القضاء العسكري قبل أن يستمع إلى أقوالنا؟!.. لسنا عسكريين فلماذا نُحاكم أمام القضاء العسكري؟.. أين الشق العسكري في هذه القضية العجيبة؟..! نحن انتقدنا المجلس العسكري باعتباره سلطة سياسية ولم نتكلم إطلاقا عن الشؤون العسكرية؟!.. القضية باطلة من أولها إلى آخرها، لكن المجلس العسكري يريد أن يعاقبنا لأننا تجرأنا وانتقدنا سياساته. لقد أعلن رئيس القضاء العسكري أنه بصدد دراسة البلاغات المقدمة ضدنا ليرى ما سيتخذه من إجراءات بشأنها... هذه رسالة تهديد واضحة.. يريد رئيس القضاء العسكري أن يقول لنا: إذا توقفتم عن نقد المجلس العسكري فسوف نترككم في أمان، أما إذا استمررتم في نقد المجلس العسكري فسوف أحيلكم على محاكمة عسكرية قد تنتهي بكم في السجن الحربي. نحن نرفض هذا التهديد.. نحن لا نخاف من محاكماتكم لأننا على حق وأنتم ظالمون. إذا كان إبداء الرأي قد أصبح جريمة عند المجلس العسكري فنحن نصر على هذه الجريمة.. سنظل دائما نقول الحقيقة: إن المجلس العسكري كسلطة سياسية مسؤول عن أخطاء وتقصير وجرائم أودت بحياة أكثر من ثلاثمائة شهيد وآلاف الجرحى بخلاف البنات اللاتي تم سحلهن وهتك أعراضهن.. يجب أن يفهم المجلس العسكري أنه، كسلطة سياسية، ليس معصوما من الخطأ وليس فوق المحاسبة.. نحن ننتظر الاستدعاء الرسمي من القضاء العسكري. لن نخاف ولن نسكت عن الحق أبدا مهما يكن الثمن الذي سندفعه. الديمقراطية هي الحل.