النظام هو أساس الحياة وبفضله يسْهُل التعامل مع الحياة اليومية، بضغوطاتها ومشاكلها، فلا يمكن أن يمر يوم دون أن نتكلم عن الأكل، الذي هو مصدر طاقتنا، لذا يجب أن يحظى بالأولوية المطلقة، لكن حديثنا عن موضوع التغذية، يجرنا، للأسف، إلى الحديث عن مشاكل سوء التعامل مع الغذاء، حيث إن التغير الجذري في مكونات المائدة العالمية والمغربية هو «المتهم» الوحيد وراء ما أصبحنا نعيشه من أمراض العصر، وأصبح التوجه إلى المطاعم المشهورة رمزا ل»التقدم والرقي».. والأخطر من هدا إقبال الشباب والأطفال على بعض المنتوجات المُصنَّعة، التي كانت بالأمس القريب بعيدة كل البعد عن المنظومة الغذائية المغربية.. فمرجعنا نحن كمسلمين هو القرآن الكريم والسنة، فما لا يعرفه الكثير هو أن أفضل الطرق لتناول الوجبات هو توازنها مع أوقات الصلاة.. كيف؟!.. تربط الآيات القرآنية الكريمة الضوء بالطعام، فالصلاة مرتبطة بضوء الشمس وحركتها، وجعلتها مرتبطة، أيضا، بالطعام. وقد ثبت علميا أن دخول الطعام في أوقات حركة الشمس الرئيسية بكمية قليلة، وهي نفسها أوقات الصلاة، يعود على الجسم بفوائد كبيرة، حيث يضبط الغدة الصنوبرية ضبطا تاما، وهذا بدوره يضبط إفراز «الميلاتونين»، الذي يعتبر قائدا أعلى في الجسم، فهو القائد والمنظم للغدة الصنوبرية، وهو المنظم للساعة البيولوجية وإفرازات الجسم في أوقات محددة، وهو المنظم للنظام الهرموني واضطراباته وخلل إفرازاته الدورية، وهو من أقوى مضادات السرطان الطبيعية، وهو رافع للمناعة وللسيروتونين (هرمون السعادة) ومضاد للاكتئاب.. ولذلك فقد وجد أن التزام الناس بهذه القاعدة لمن طُبِّقت عليهم الدراسة يجعلهم أقل عرضة للسرطان وينظم اضطرابات الدورة الشهرية عند النساء وكذلك كافة الاضطرابات الهرمونية لهرمونات الغدة الدرقية والكظرية (فوق الكلية) والبنكرياس وكافة الهرمونات الأخرى.. قال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ»، فالقرآن هنا في هذه الآية يربط تناول الطعام بأوقات الصلاة وعددَ الوجبات بعدد الصلوات، أي أن هناك خمس وجبات، ويجب أن تكون كمية الوجبات صغيرة، فالآية العظيمة تعطي معلومات مذهلة ومتقدمة جدا، حتى عن كافة أبحاث الطب والتغذية الحديثة، التي لا تحدد وقت دقيقا بعينه لتناول الطعام. أما بالنسبة إلى عدد الوجبات التي ذكرها القرآن في هذه الآية، فهي خمس، إذ يقول الله، تعالى، هنا في الآية: «عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلواْ وَاشْرَبُواْ»، فالأبحاث العلمية الحديثة تؤكد أن أفضل البرامج الغذائية التي يتم الاستفادة منها على أعلى مستوى من كافة العناصر الغذائية، والتي تعطي أعلى مستوى من السعرات الحرارية والطاقة، والتي لا تترك فضلات في الجسم ونواتج استقلابية سيئة، هي البرامج الغذائية المبنية على خمس أو ست وجبات.. وهذا ما نراه حقيقة في أبحاث مرض السكري، فهناك عدد هائل من الأبحاث على مرضى السكري، بنوعيه، تؤكد أن نقص الأنسولين في الجسم يؤثر على استقلاب الكربوهيدرات والبروتينات والدهون، وليس فقط سكر الدم، ومن ثم فأفضل استقلاب لكل هذه المركبات الغذائية الأساسية عند مريض السكري يكون عندما يتناول مريض السكري خمس وجبات خفيفة، وهو ما يشير إليه القرآن حتى للإنسان العادي غير المريض.. وعلينا ألا ننسى أن أحبَّ الأعمال إلى الله هو الصلاة في الوقت، وإذا كان تناول الطعام بتوقيت معين يعطي كل هذه الفائدة، فقد اكتشفنا أن القرآن يضع عددا هائلا من القواعد في كيفية تناول الطعام، وكل واحدة منها تعتبر كنزا في علاج عدد كبير من الأمراض والوقاية منها، فقد وجدنا أن كافة مشاكل القولون والقولون العصبي والتقرحي، وكذلك كافة المشاكل التنفسية، من حساسية وربو وضعف مناعة، وكافة مشاكل الجلد وكذلك مشاكل الكلي، تتحسن بشكل كبير جدا بكيفية تناول الطعام.. وقد جاء القرآن بقواعد ثابتة في ترتيب تناول الطعام، فنجد دائما أن القرآن يجعل الفواكه تسبق اللحوم.. ونجد ذلك في سورة الواقعة: «وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21)، الواردة وكذلك في سورة الطور: «وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (22).. ولا نجد أبدا في كل القرآن أيّ ذكر للفاكهة بعد اللحم، بل هي دائما قبله، ذلك أن تناول الفواكه قبل أي مشتق من المشتقات الحيوانية، سواء كان لحمَ طيور أو لحما أحمرَ أو لحم سمك أو بيض أو ألبانا أو أجبانا أو غيرها، يعطي الجسمَ فوائدَ عظيمةً ونشاطا مذهلا، لأن المشتقات الحيوانية غنية بعنصرين أساسيين هما الكبريت والفوسفور، وعند دخول الكبريت والفوسفور الجسم، فإنهما يُولّدان مُركَّبات حمضية ذات تفاعل حمضي، تُعرَف باسم المركبات الحمضية عند ذوبانها في الماء.. لذا فنوعية الغذاء تؤثر على صحتنا ومزاجنا ومناعتنا ويمكن بتحسينها أن نحسّن نمط عيشنا ونتجنب كل المشاكل الصحية.. فلا تنسَوْا أن الداء والدواء في الغذاء وأن المرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج..