لا زالت أسرة العبدلاوي معن تواصل «معركة» تحرير مراسلات لا تنتهي إلى كل الجهات التي يهمها الأمر، للمطالبة بالتدخل لوضع حد لما تسميه «الترامي» على قطعة أرضية بمنطقة زواغة بفاس، كانت قد اقتنتها منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لتفاجأ في السنة الجارية بأن جزءا كبيرا منها تحول إلى ورش للبناء، حسب وثائق الملف. وبالرغم من الكم الهائل من المراسلات، التي وجهت إلى عدد من المسؤولين المحليين بالمدينة، وإلى وزارة الجالية، فإن هذه العائلة لم تتلق أي رد، ولم يفتح، في المقابل، أي تحقيق للوقوف على حقيقة الوضع بهذه المنطقة، التي يقول بعض المهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج إن قطعهم الأرضية التي اقتنوها في هذه المنطقة تعرضت ل«الإجهاز»، وتحولت إلى بنايات سكنية في غفلة منهم، وبوثائق أخرى، وملاك آخرين، يجهلون الطرق التي حصلوا بها على رخص تمكنهم من «حيازتها» وتحويلها إلى عمارات. وقبل عائلة العبدلاوي معن، سبق لنفس المنطقة أن شهدت وفاة غريبة لعبد السلام الفريخ، وهو مهاجر مسن قالت عائلته إن «الفقسة» أصابته وعرضته لسكتة قلبية أسفرت عن وفاته، نتيجة صدمته المهولة عندما جاء ليتفقد قطعته الأرضية، فوجدها تحولت إلى عمارة سكنية، تشرف على الانتهاء. وقررت عائلته أن تنظم وقفة احتجاجية أمام مقاطعة زواغة للمطالبة بإرجاع القطعة، وتوقيف أشغال البناء. كما قررت إدخال الملف إلى القضاء، وتمت إحالته على الشرطة القضائية، دون أن تعرف تطورات الملف بعد ذلك. أسرة العبدلاوي معن اضطرت، يوم 2 مارس الجاري، إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام ورشة البناء، للمطالبة بإيقاف الأشغال إلى حين بت القضاء في ملف القطعة، التي تحمل رقم 4322 ف بحي سيدي الهادي بزواغة، لكن ذلك كان دون جدوى، كما صرح عبد الواحد، أحد أفراد هذه الأسرة، وهو كذلك من المهاجرين المغاربة القاطنين بالخارج. ويحكي عبد الواحد، وهو يتحدث بكثير من الحرقة عن هذه القطعة الأرضية، بأنه حاول عدة سنوات أن يحصل على وثائق تمكنه من البناء، لكن دون جدوى، ليفاجأ، في السنة الجارية بمن أسماه بالغرباء، وهم يشيدون فوق هذه القطعة بناية. وأوضح بيان للعائلة، وزع على هامش هذه الوقفة الاحتجاجية، أن المعطيات الخاصة ب«عملية الترامي» جعلت العائلة المتضررة تتأكد بأن القضية تقف وراءها «جهات متنفذة ومتمرسة على السطو على ملك الغير». وأضاف البيان بأن الأطراف التي تقف وراء العملية حاولت التفاوض مع العائلة لبيع تلك القطعة الأرضية بثمن دون ثمنها الحقيقي، فرفضت الأسرة، غير أنها بعد مدة، فوجئت بالشروع في عملية البناء بعدما تم إعداد «خطة محكمة»، يضيف البيان. وذكرت إحدى الشكايات، التي وجهتها هذه العائلة إلى الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة في الخارج، أن العائلة عندما اشتكت إلى قائد المقاطعة أكد لها عدم اختصاصه للبت في مثل هذه الملفات، وأحالها على رئيس الجماعة، لأنه هو الذي يقف وراء منح رخصة البناء، بينما لا يتعدى اختصاص القائد تنفيذ إيقاف الورش في حال حصوله على قرار في الموضوع. وطبقا لما تتضمنه هذه الشكاية، فإن الكاتب العام لجماعة فاس استقبل أحد أفراد العائلة، وأخبره بأنه سيتم إيقاف الأشغال، وبأنه ينتظر فقط حضور نائب للرئيس مكلف بالتعمير، لكن دون جدوى. واتجه عبد الواحد العبدلاوي معن إلى المحكمة، وأحيل ملفه على الشرطة، وتم الاستماع إليه في محضر قانوني، وقدم كل ما يتوفر عليه من وثائق، لكن الملف لا يزال بين يدي الضابطة القضائية «من أجل البحث»، تضيف الشكاية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. إذ عمدت العائلة إلى التقدم ب»مقال استعجالي» لدى رئيس المحكمة الابتدائية من أجل إيقاف الأشغال، لكن الملف عرض في الجلسة الأولى، وتم تأجيله إلى جلسة أخرى، قبل أن يحجز للتأمل، «رغم جميع الدفوعات التي أثارها دفاعي والمتمثلة في حالة الاستعجال القصوى»، تضيف الشكاية التي تحدثت، بلغة اليقين، عن وجود «مافيا حقيقية» بالمنطقة «مهنتها « الاستحواذ على البقع الأرضية المتبقية في كل من زواغة والمرجة. ولا تطالب العائلة، طبقا لأحد أفرادها من السلطات، سوى بفتح تحقيق في النازلة، ومقارنة الوثائق التي تتوفر عليها بالوثائق الأخرى التي حصلت عليها الأطراف التي تتهم من قبلها بالترامي على أرضها، حسب الحدود الواردة في عقد الشراء. وفي الوقت الذي يتحدث «الضحايا» عن ملفات الترامي على قطعهم الأرضية، فإن مناطق أخرى شعبية في المدينة تعيش على إيقاع انتشار البناء العشوائي، حسب مستشارين جماعيين يعتبرون من «الفعاليات» التي تتابع «عن كثب» وبشكل يومي مثل هذه القضايا. إذ تطرق أعضاء في المكتب المسير لمقاطعة جنان الورد بالمدينة، في رسالة وجهوها بدورهم إلى عدد من المسؤولين المحليين، إلى «استفحال» ظاهرة البناء العشوائي في منطقتهم، وطالبوا بمدهم بالتوضيحات اللازمة، لأن «الوضعية التي يعيشها قطاع التعمير أصبحت مزرية». وشبهوا منطقتهم ب«منطقة الهروايين» بضواحي الدارالبيضاء، التي ارتبط ذكرها بالبناء العشوائي، وما أسفر عنه فتح ملفاته من اعتقالات. والمفاجئ في هذه المراسلات أن المستشارين الجماعيين الذين وقعوها لهم «مواقع مسؤولة» في المكتب المسير لهذه المقاطعة التي يترأسها تجمعي يساند أغلبية حزب الاستقلال في المدينة. وإلى جانب النائب الثاني لرئيس المقاطعة، يظهر اسم رئيس لجنة التعمير والبيئة، وعضو آخر معه في نفس اللجنة ورئيس لجنة الثقافة، ومستشارون آخرون ينتمون إلى كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية، وحزب الاتحاد الاشتراكي. واستغرب هؤلاء المستشارون «صمت الجميع، من منتخبين وسلطات محلية»، بخصوص «استفحال» ظاهرة البناء العشوائي، «حتى أصبح المواطن العادي في المنطقة يدرك جليا التواطؤ العلني لجميع المتدخلين في هذا القطاع». وذكرت رسالة للمستشارين الجماعيين المعنيين بأن ولاية الجهة سبق لها أن أصدرت سنة 2009 قرارات بالهدم في حق المخالفين، إلا أن اللجنة التقنية، حسب المصدر نفسه، اكتفت بإحداث ثقوب في بعض العمارات فقط، عوض أن تنفذ قرار الهدم. وبعد مرور أيام قليلة، أضاف أصحاب هذه العمارات طوابق أخرى. ولتعزيز ما تضمنته هذه الرسالة، أرفقها المستشارون المشتكون بصور فوتوغرافية لبعض هذه العمارات. وقالوا إن الوضعية الحالية لقطاع التعمير بالمنطقة أصبحت مزرية، وأوردوا معطيات أخرى عن أعوان سلطة وموظفين اتهموهم ب«التورط» في هذه الملفات. من جهته، قدم الكاتب المحلي لحزب الأصالة والمعاصرة بمقاطعة جنان الورد، عبد الواحد العواجي، تفاصيل إضافية عن ظاهرة البناء العشوائي والمضاربة العقارية والترامي على ملك الغير بهذه المنطقة. وقال إن ما يقع بها يشبه ما يقع في منطقة زواغة، وما تعرفه عدد من مناطق المغرب، ومنها آسفي وسلا والحسيمة والدخيسة بضواحي مكناس. وقدم معطيات أخرى عن أشخاص قال إنهم ينشطون في هذه المجالات، وطالب السلطات بفتح تحقيق في ملفات التعمير، وخصوصا منها، توضح الرسالة، ما يتعلق ب«تسوية الوضعية» منذ سنوات مضت، والتي أودعت لدى مصالح المحافظة العقارية، ومقارنتها بالملفات المصادق عليها والمودعة في أرشيف البلدية والوكالة الحضرية. وذكرت الرسالة بأن هذه الملفات تحمل نفس الرقم والقرار، «مع أن المحتوى يختلف ويتناقض مع الأصول المصادق عليها».
مساكن عشوائية تهين الكرامة وأخرى مهددة بالانهيار في أحزمة البؤس بالمدينة تتربع ثلاثة أحياء في مدينة فاس على قائمة الأحياء التي ينتشر فيها البناء العشوائي. فإلى جانب منطقة زواغة التي ارتبط اسمها بملفات الترامي على أملاك الغير، وجنان الورد التي تنتشر في عدد من مناطقها ظاهرة البناء العشوائي، يوجد أيضا حي عوينات الحجاج، الذي تقول بعض المصادر إن بناء المساكن العشوائية فيه لا يكاد يتوقف في عدد من أجزائه إلا ليبدأ من جديد. وتظهر جل المؤشرات على أن هذه المساكن العشوائية لا تشيد بمعايير من شأنها أن تحترم كرامة الأسر، التي تلجأ إليها بعدما وجدت صعوبات كبيرة في تدبر أمر السكن الاجتماعي، الذي يطالب «منعشوه» مع حلفائهم في الأبناك ب«ضمانات» إدارية ومالية لا تتوفر لعدد كبير من الأسر ذات الأوضاع الهشة، فهي عبارة عن «شقق» تشبه علب السردين، تستقبل أفواجا كثيرة من الأسر، والغريب في أمرها أنها تبنى بدون الاستناد على أي معايير سلامة معتمدة في البناء، مما يجعلها عرضة للانهيار في أي وقت. ولأنها بعيدة عن المراقبة، وعن «أعين» المهندسين المعماريين، فإن «الطاشرونات» الذين يشرفون على بنائها غالبا ما يكتفون ب«الترقاع» والغش في البناء لجني مزيد من الأرباح. وتعيش فاس مآسي بسبب النتائج الكارثية لمثل هذه المساكن العشوائية في مناطق شعبية أخرى، على رأسها منطقة المرينيين، وأغلب بناياتها عبارة عن عمارات شاهقة بني عدد منها على حافات، بعدما سجلت فيها انهيارات أودت بحياة بعض قاطنيها، والعشرات منها مهددة بالانهيار، مع تسجيل «عجز» للتعامل مع مخلفات هذه المساكن العشوائية، وإيجاد بدائل للسكان المتضررين.