تشكل الأحزاب السياسية، بنمطيها الأحادي والتعددي، نواة صلبة داخل مختلف المجتمعات، مما ينم عن الدور الحيوي الذي أوكل إليها والمتمثل أساسا في تأطير المواطنين، ومن ثمة إنتاج نخب قادرة على تدبير الشأن العام تدبيرا يتلاءم ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق التوازن داخل كل بلد من بلدان العالم، كما تجدر الإشارة إلى أن الدولة تسهر على مد هاته التنظيمات السياسية بالموارد المادية الكفيلة بتمكينها من القيام بالمهام الموكولة إليها أحسن قيام. تتكون مختلف التنظيمات الحزبية من هياكل داخلية مركزية يمكن أن تأخذ شكل: مكاتب سياسية، لجان تنفيذية، مجالس للرئاسة، مجالس وطنية، ولجان مركزية، يعهد إليها بمهمة تدبير الشؤون الداخلية التي تخص القضايا الجوهرية، إن لم نقل المصيرية المتعلقة بكل حزب على حدة؛ هذا علاوة على تحملها مسؤولية تدبير الشؤون الخارجية المتعلقة بعلاقة الحزب بالأحزاب الأخرى، سواء كانت وطنية أو خارجية، دون أن نغفل مهمة تنسيقها مع المؤسسات الأخرى، لهذا ورغبة منها في تقوية وجودها داخل الساحة السياسية واستقطاب أكبر عدد من المناضلين ومن ثمة ضمان أرضية خصبة لتسويق برامجها من أجل الحصول على ثقة المواطنين، نجد أنها لطالما اعتمدت على تأسيس مجموعة من التنظيمات الموازية لها والمتجلية أساسا في: «المنظمات الشبابية، منظمات المرأة، الروابط المهنية والجمعيات،... إلخ». لقد دأبت معظم الأحزاب السياسية، إن على المستوى الوطني أو الدولي، على الحرص على احترام البنود الواردة في قوانينها الأساسية، الشيء الذي نستشفه من خلال المؤتمرات التي يتم تنظيمها بين الفينة والأخرى من طرف هاته التنظيمات رغبة منها في تجديد كوادرها الحزبية. تتنوع التشكيلات السياسية في المغرب وتتوزع الخريطة إلى ألوان وأحزاب، بعضها قديم عاصَر استقلال البلاد، وبعضها جديد تولد عن تطورات سياسية أو أفرزته عوامل اجتماعية أو انشقاقات حزبية، ومن ثمة فالواقع الحزبي المغربي لا يختلف عن أمثاله بالخارج في ما يخص التنظيمات الداخلية، إلا أن الاختلاف لطالما شاب النقطة المتعلقة بكيفية إسناد المسؤولية داخل هاته التنظيمات، حيث إنه يسودها، في الغالب الأعم، منطق الشخصانية المحسوبية والحسابات الضيقة، مما تنتج عنه عودة معظم الأشخاص، إن لم نقل كلهم، إلى نفس مناصب المسؤولية، الشيء الذي يضرب عرض الحائط بمبدأي المساواة والتناوب على المسؤولية المكفولين دستوريا. لقد شهدت الأحزاب السياسية المغربية نوعا من التهميش الداخلي، خاصة في صفوف مجموعة من الأطر، نساء ورجالا، القادرة على الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام. إن الوضع الراهن للتنظيمات الداخلية للأحزاب السياسية بالمغرب تشوبه حالة من التقهقر، مما ينعكس وبصفة مباشرة على مردودية البرامج الانتخابية المسطرة من قبلها، وبالتالي الفشل في الاستجابة لتطلعات المواطنين. لقد جاء قانون الأحزاب السياسية بمجموعة من التغييرات التي من شأنها أن تنعكس إيجابيا على مردودية أحزابنا، والمتجلية في التأكيد على ضرورة إشراك الشباب والشابات في تدبير الدواليب الداخلية لأحزابنا، إلا أن واقع الممارسة السياسة يوحي بالمزاجية المفرطة للأحزاب السياسية في التعامل مع مبدأي المشاركة النسائية والشبابية. إن الأحزاب السياسية ولتجاوز كل المتناقضات التي تعرقل مسلسل إصلاح أنظمتها الداخلية، مطالبة -في تقديري- بوضع مجموعة من المنهجيات ذات البعد الاستراتيجي الإصلاحي، والمتمثلة أساسا في ضرورة إحداثها لمجموعة من الهيئات الداخلية الكفيلة بتفعيل مسلسل الإصلاح الحزبي الداخلي، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: 1 - هيئة مكافحة الفساد؛ 2 - هيئة مكافحة التوريث الوزاري والوظيفي؛ 3 - هيئة مكافحة عدم التناوب الحزبي؛ 4 - هيئة مكافحة المحسوبية والواسطة الحزبية؛ 5 - هيئة مكافحة الشخصنة والأنا (وثقافة أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)؛ 6 - هيئة مكافحة التعديل في الأنظمة والقوانين للمصالح الخاصة؛ 7 - هيئة مكافحة إصدار القوانين المؤقتة. إن الحاجة ملحة إلى المشي قدما في مسلسل الإصلاح الحزبي في بلادنا، خاصة مع ما تعرفه مختلف بقاع المعمور من حراك سياسي، وبالتالي فإن مفهوم التناوب الحزبي يمكن اعتباره هو البديل الذي يمكن الاعتماد عليه من أجل مواصلة بناء مغرب الديمقراطية الحزبية.