الذين لا يؤمنون بسخرية الأقدار يمكنهم الآن أن يجربوا هذا الإيمان ولن يخسروا شيئا؛ فقبل أيام، ظهرت لائحة جديدة تضم أغنى أغنياء العالم؛ ولأول مرة يدخل ضمنها مغاربة، وهم مغاربة ليسوا كباقي المغاربة طبعا. المغاربة المعنيون ثلاثة وهم ميلود الشعبي، الرجل الذي ابتدأ راعي غنم وانتهى مليارديرا؛ وعثمان بنجلون، الذي يقال إنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، أو ربما صنعها على عجل؛ والرجل الثالث هو أنس الصفريوي صاحب إمبراطورية «الضحى» العقارية التي لا تغرب عنها الشمس.
الأشخاص الثلاثة لهم ارتباط وثيق بالمواطنين المغاربة البسطاء، فالشعبي رجل عقار، وقد جنى جزءا كبيرا من ثروته عبر هذا القطاع الحيوي.
وعثمان بنجلون، الرجل الثاني في هذه اللائحة، هو المستثمر الأول في قطاع الأبناك، وله هو أيضا ارتباط بالمغاربة البسطاء، حيث يندر اليوم أن تجد مغربيا لا يتعامل مع الأبناك، سواء عبر تحويل أجرته الشهرية، مهما كانت هزيلة، أو في مجال القروض والفوائد، خصوصا قروض العقار.
أما أنس الصفريوي، الرجل الثالث في لائحة أغنى أغنياء المغرب، فما على من لا يعرفه سوى أن يلتفت يمينا أو يسارا ليجد مجموعة عقارية تعود إليه اسمها «الضحى»، منتشرة في مختلف مناطق البلاد من طنجة إلى الكويرة. والمثير أن هذا الرجل الغني جدا هو الأكثر شبابا بين الثلاثة، ومجموعته العقارية هي أيضا الأكثر شبابا، يعني أنه الأكثر عجلة في الاغتناء.
الرجال الثلاثة، إذن، بنوا ثروتهم من خلال الاستثمار في قطاعين يعتبران أساسيين بالنسبة إلى المواطنين البسطاء، وهما قطاعا العقار والأبناك، لذلك فإن المغاربة ساهموا بشكل كبير في بناء ثروات هؤلاء، سواء من خلال شراء فيلا «كاشْ» من مجموعة عقارية أو من خلال اقتناء شقة مثل قفص دجاج بقروض تمتد على مدى ربع قرن، فلا أحد من هؤلاء الأغنياء الثلاثة يمكنه أن ينكر أن بسطاء المغاربة ضخوا في جيوبه الكثير.. الكثير جدا من المال.
لكن في كل هذه الرومانسية تكمن المفارقة المثيرة، وهي أن قطاع العقار، الذي صنع ثروات هؤلاء، هو من أكثر القطاعات بؤسا في البلاد، لذلك من المضحك أن يتزامن الإعلان عن وجود هؤلاء الثلاثة في لوائح الغنى مع اضطرابات جمة تعرفها كثير من مدن ومناطق المغرب، وكلها مرتبطة بالبناء العشوائي، حيث يبني أناس آلاف المساكن على منحدرات الأودية والخنادق، وينبش آخرون قبورا ليبنوا فوقها قبور حياتهم، فيما يبني آخرون بيوتهم في عز الليل فوق مناطق مخصصة لمدارس أو مستشفيات أو طرقات أو سكك حديدية.
لماذا، إذن، يحصل أصحاب المجموعات العقارية والبنكية على ألقاب أغنى الأغنياء، بينما المغاربة لا زالوا يتسابقون من أجل الحصول على بقع أرضية لكي يبنوا فيها مساكن تشبه الأكواخ؟ ولماذا يفضل كثير من المغاربة أن يبنوا في السر بيتا من خمسين مترا، يخسرون فيه 30 أو 40 مليونا، ويرفضون شراء شقة مجهزة في عمارة بنفس السعر تقريبا؟
السبب واضح، وهو أن هذه المجموعات العقارية، التي صار أصحابها من أغنى أغنياء العالم، ومنهم من حصل على امتيازات ضريبية كثيرة وأراض بالمجان، لم يحترموا لا أفكار ولا تقاليد ولا هموم المغاربة. فها هي «مدن الملح» في كل مدينة وكل قرية، لكن ها هم كثير من المغاربة يبنون منازل عشوائية يرون أنها الحل المناسب، فالمغاربة هم الشعب الوحيد في العالم الذي ينظر إلى المستقبل برعب، إذ لا أحد يريد أن يشتري شقة من 60 مترا، وعندما يكبر أولاده يضعهم في قفص على سطح العمارة، فالناس يريدون تجزئات سكنية يضمنون فيها مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، يريدون بيتا به طابقان أو ثلاثة، ويريدون الحفاظ على حميميتهم وأخلاقهم الأسرية، وليس شقة لا يجد فيها أبٌ مكانا يغير فيه ملابسه، ولا تجد فيها أختٌ مترا مربعا ترتاح فيه بهدوء.
عندما يعطي المغاربة «دم قلوبهم» من أجل سكن، فيجب على الأقل أن يكون السكن في المستوى، وليس فقط من أجل صنع أغنياء جدد.
لا أحد يمكنه أن ينتقد أحدا على الغنى والمجد والثروة إذا كان ذلك كله متحصلا بطرق مشروعة، فلا مجال للانتقاد إذا ما سلك الأغنياء في بناء ثرواتهم طرقا شفافة ونزيهة، بعيدا عن الامتيازات والإعفاءات الضريبية والأراضي التي تُمنح لهم بالمجان لكي يبنوا عليها مجدهم المالي.
هذه هي سخرية الأقدار، أي أن يوجد أغنى أغنياء العالم جنبا إلى جنب مع أفقر فقراء العالم.