قبل بضعة أسابيع، سرت في أرجاء البلاد رعشة خفيفة اسمها التصريح بالممتلكات، وهي حملة لم يسمع بها أغلب المغاربة، لأنها بدأت وانتهت بسرعة، تماما كما تبدأ وتنتهي أشياء كثيرة في هذه البلاد. ويبدو أن حملة التصريح بالممتلكات كانت مثل مثلجات الصيف، أي أن الناس يبرّدون بها الغْدايد مؤقتا، ثم يعود الوضع إلى ما هو عليه في انتظار حملة صورية أخرى. الذين استهدفتهم الحملة هم من صغار الموظفين والأطر، وهؤلاء اعتبروا تسجيل ممتلكاتهم إهانة، وقالوا إنه لا يعقل أن تغمض الدولة عيونها عن الثروات الهائلة التي راكمها أشخاص كثيرون بطرق غير مشروعة، ثم تتوجه إلى أشخاص عاديين وتطالبهم بالتصريح بممتلكاتهم. لكن المشكلة أن كثيرين من الذين يتبجحون اليوم بملاييرهم الكثيرة وثرواتهم المتراكمة كانوا بدورهم، حتى وقت قريب، من صغار الموظفين، بل من العاطلين أيضا، وها هم اليوم ينافسون قارون في ثرواته وعنجهيته. ولو أن التصريح بالممتلكات كان مسألة جدية لما صرنا اليوم نرى هذه الطبقات الجديدة من المخلوقات الغنية التي لا أحد يعرف من أين جاءها هذا الغنى الفاحش، حيث إن أناسا كثيرين، كانوا ينامون مع البق جنبا إلى جنب، تحولوا في لحظة إلى وجهاء وأعيان البلاد. الواقع المغربي اليوم أصبح عصيا على الفهم، ولا أحد يعرف من هو الغني ومن هو الفقير. وكثيرون يرون أشخاصا يرتدون بذلات وربطات عنق أنيقة ويحملون حقائب يدوية فيعتقدونهم أغنياء، بينما هم يكملون الشهر بشق الأنفس، وأغلبهم غارق في القروض حتى الأذنين ولا يجد وسيلة لشراء منزل أو سيارة غير الغرق في مستنقع القروض. هناك أيضا أشخاص يعتقد كل من يراهم أنهم يستحقون الصدقة، بينما هم يمكن أن يتصدقوا على 30 مليون مغربي.. إنها المظاهر الخادعة التي لا تعطي صورة حقيقية عن الواقع. من بين الأغنياء الجدد هناك الذين اغتنوا من وراء استفحال مدن الصفيح والمناطق العشوائية، وهؤلاء يستطيعون جمع مئات الملايين في فترة وجيزة، وهم مستعدون للكذب حتى أمام الملائكة من أجل إخفاء ممتلكاتهم الحقيقية. وهناك أحد أعوان السلطة طولب بالتصريح بممتلكاته، فصرح بأن عنده ثلاثة أبناء، مع أن له سبعة أبناء. وإذا كان هذا الرجل مستعدا للكذب حتى في ما يتعلق بأبنائه، فماذا سيفعل عندما يكون موضوع التصريح هو ممتلكاته؟ اليوم توجد في كل مناطق المغرب مدن عشوائية على امتداد البصر، والذين سمحوا بإقامتها جمعوا الملايير وبنوا لأنفسهم فيلات وقصورا. وهناك أعوان سلطة بسطاء تحولوا إلى أغنياء حقيقيين. وهناك رجال سلطة في المقاطعات والدوائر يعتبرون يومهم خاسرا إذا لم يجمعوا كل صباح خمسة آلاف درهم على الأقل. ومن يرى كيف تتناسل المدن العشوائية والمخالفات في البناء، سيفهم لماذا ظهر كل هؤلاء الأغنياء الجدد. ويبدو أن الفكرة التي كانت تقول إن المخدرات هي أقصر طريق نحو الغنى هي فكرة خاطئة تماما، لأن تاجر المخدرات يلزمه الكثير من الجهد والمغامرة حتى يحصل على ما يريده، بينما المسؤول الفاسد يكفيه فقط أن يغمض العين أو يقوم بتوقيع بسيط لكي يحصل على كل ما يريده، وفوق كل هذا وذاك لا يتابعه القانون. والغريب أنه يوجد عشرات الآلاف من المغاربة المبحوث عنهم بتهمة زراعة المخدرات أو الاتجار فيها، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مبحوث عنه من الذين يقومون يوميا بتشجيع البناء العشوائي والمخالفات القانونية في البناء. البناء العشوائي ليس فقط تلك الأحياء المتراكم بعضُها فوق البعض الآخر بطريقة فوضوية، بل أيضا تلك المدن الجديدة التي تبنيها شركات عقارية كبيرة، والفرق الوحيد هو أن المقاولات العقارية صارت تبني المدن العشوائية بطريقة منظمة وقانونية وبدعم مباشر من الدولة. وفي كل الأحوال، فإن كل هذا يجري وكأن لا شيء يحدث. وكلما ظهرت حملة جديدة تسأل: من أين لك هذا، يأتي الجواب سريعا: هذا من فضل ربي..