برحيل أبو بكر القادري، المجاهد الوطني، الذي عاش فترة طويلة داخل الحركة الوطنية وكان قريبا من الأحداث السياسية، خاصة في مدينته سلا، التي خرجت العديد من الوطنيين، خصوصا من العلماء، يكون المغرب قد فقد واحدا من آخر رجالات الحركة الوطنية، الذين وضعوا توقيعاتهم على وثيقة المطالَبة بالاستقلال وواحدا من الشهود الرئيسيين على حقبة الاستعمار ومرحلة ما بعد الاستقلال. وقد أثار رحيل القادري -رحمه الله- قضايا هامة تتعلق بتاريخ المغرب المعاصر، وخاصة منها المرتبطة بتاريخ الحركة الوطنية، التي ما زالت حتى اليوم رغم سيل الكتابات التي ظهرت عنها في حاجة إلى تسليط المزيد من الأضواء عليها، لأن الكثيرين ممن تصدوا للكتابة عن هذه الفترة لم يمتلكوا الجرأة السياسية لكتابة كل الأحداث التي كانوا شهودا عليها، بسبب الأوضاع السياسية والصراعات الحزبية التي كانت «تمنع» قول كل شيء.. قبل سنوات قليلة، كشفت مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد عن مذكرات بوعبيد، المسؤول الاتحادي الذي عاش مخاضا سياسيا كبيرا، وقد صدمت تلك المذكرات الكثيرين، بالنظر إلى الحقائق التي كشفت عنها، وهذا مثال واحد فقط على حالات الصمت التي ما يزال تاريخ الحركة الوطنية يعاني منها، لأن بوعبيد لم ينشر مذكراته قيد حياته وفضّل أن يتركها طي الكتمان إلى أن كشفت عنها المؤسسة بعد رحيله. أبو بكر القادري ألف سلسلة من الكتب تحت عنوان «مذكراتي في الحركة الوطنية»، ضمّنَها شهاداته حول بعض الأحداث، كما سجل مواقفه من بعض الشخصيات الوطنية والعربية والإسلامية، في سلسلة حملت عنوان «رجال عرفتهم في المشرق والمغرب»، غير أن أمورا كثيرة ظلت محل «صمت» في مذكراته، رغم أنه امتلك الشجاعة، على الأقل، لكي يكتب ما كتبه. وبرحيله، يفقد المغرب ذاكرة قوية لتاريخه الحديث، لكنه يترك لنا، أيضا، درسا هاما، وهو أن الشهود الذين ما يزالون على قيد الحياة يجب أن يدلوا بشهاداتهم، حفاظا على ذاكرة المغرب والمغاربة.