«إنها كارثة». بهذه العبارة يشخص مسؤول القسم الاقتصادي بولاية تطوان، وضعية حافلات النقل الحضري والجماعي بتطوان، فهذه الحافلات التي تربط بين شوارع ومناطق مدينة تطوان، لا تلتزم، حسب محدثنا، بعقد الامتياز الممنوح لها من طرف الجماعة الحضرية، ولا حتى بالحد الأدنى من كناش التحملات، وبالتالي فإن الوضع أصبح خطيرا جدا، سواء بالنسبة إلى الساكنة، أو بالنسبة إلى المجال البيئي لمدينة كانت توصف ب«الحمامة البيضاء». «المساء» طرقت، لعدة أيام، أبواب خمس مؤسسات رسمية دون جدوى، ابتداء من ولاية تطوان، ثم الجماعة الحضرية حيث كان رئيسها وكاتبها العام في إسبانيا، وباشوية المدينة، ثم مصلحة الجبايات وغيرها من المصالح الخاصة بالنقل، دون أن تتمكن من معرفة ولو العدد الحقيقي لأسطول الحافلات المهترئة والصدئة التي تعمل على نقل المواطنين بالمدينة. إن ملف النقل الحضري أو الجماعي يعتبر «طابوها» ينصح بالابتعاد عنه نظرا إلى ما يعرفه من عشوائية، سواء على مستوى التنظيم أو بسبب إخلال الشركات بالقانون وبدفتر التحملات، أو عبر فرض أسعارها الخاصة دون موافقة ولاية تطوان. أما الجماعة الحضرية فإن رئيسها اكتفى، خلال الأسبوع الماضي، باستقبال عمال مختلف شركات النقل بالمدينة المنتمين فقط إلى النقابة التي تنضوي تحت لواء حزبه، حيث تم خلال هذا اللقاء، حسب موقع الجماعة الحضرية، «الاستماع» إلى مشاكل العمال والإكراهات التي يعيشونها وهم يؤدون مهمتهم، ولخصوا مطالبهم في ضمان جميع حقوقهم ومكتسباتهم المشروعة إثر دخول شركة نقل جديدة للمدينة، دون أن يتم الاستماع إلى معاناة المواطنين الذين يضطرون إلى ركوب هذه العربات الحديدية المهترئة. هياكل حديدية عتيقة خلال إنجازنا لهذا الروبورطاج وقفت الجريدة على حافلات تعود إلى سنوات السبعينيات، حيث إن بعضها مازالت تحمل لوحة الأرقام السوداء القديمة التي تم وقف الاعتماد بها منذ الثمانينيات من القرن الماضي، أي إن عمرها يفوق الثلاثين سنة. هياكل حديدية بعضها تم تغطية نوافذها بقطع الكارتون، وأخرى بألواح خشبية عوض إصلاحها وتركيب أخرى جديدة. «إن المشكل يتمحور حول ثمن التذكرة» يقول المسؤول بولاية تطوان، مضيفا أنه من أجل توفير حافلات نظيفة وفي المستوى فإن الأمر يتطلب رفع ثمن التذكرة، وهو ما لا يقبله المواطنون، لكن مبررات المسؤول تبدو غير مقنعة بالنسبة إلى من استطلعت الجريدة آراءهم. «نحن لا نطلب أكثر من النظافة والالتزام بالوقت ومحطات قارة للوقوف والاهتمام بالحالة الميكانيكية للحافلات» يقول هؤلاء. إن وضع أسطول حافلات النقل الحضري يعرف تواطؤ العديد من الجهات في الوقت الذي تضخ فيه الملايير من السنتيمات في جيوب أصحاب الشركات المستحوذة على القطاع وسط غياب مراقبة صارمة وفعالة من طرف الجهات الوصية. «نريد حلا لهذه المهزلة التي تشوه المدينة»، يقول أحد المواطنين في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، مضيفا أنه «لم يعد غريبا أن ترى ركاب حافلة بتطوان يفتحون مظلاتهم بداخلها لتحميهم من تسربات مياه الأمطار من سقف مهترئ، ولا تستغرب إن رأيت مجموعة من المواطنين، نساء ورجال وأطفالا، يسيرون، في شبه تظاهرة، في طريق خلاء لأن الحافلة التي كانت تقلهم أصيبت بعطب في نصف الطريق». نفاد صبر المواطنين إزاء الوضعية المهترئة والكارثية لحافلات النقل الحضري والجماعي دفعهم إلى إنشاء صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي تطالب ب«رحيل شركة حافلات تطوان من مدينة تطوان ومحاسبتها»، كما أنه يفضح كل الخروقات التي تشوب هذا الملف. ويقول الموقع إن تطوان هي المدينة الوحيدة التي مازالت تعيش هذا الوضع غير المفهوم لتدبير النقل الحضري، حيث تستغل شركات خاصة مجموعة من الخطوط بشكل مباشر وفردي منذ سنوات، بعد استيلاء كل شركة من تلك الشركات على خطوط معينة، من قبيل خط مارتيل تطوان الذي تستغله شركة واحدة، وخط تطوان المضيق الفنيدق، فيما تتقاسم الشركات الصغيرة الأخرى «الكعكة» عبر خطوط مختلفة من داخل المدينة وضواحيها. من جهتهم، يشدد أغلبية المراقبين الذين التقتهم الجريدة على أن الفوضى التي يعيشها ملف النقل الحضري لا تقف عند حدود الحالة الميكانيكية المهترئة أو الوضعية السيئة التي يعيشها والتي تعاني منها الساكنة، بل إن الأمر يمس أيضا عدم الامتثال للقانون المنصوص عليه في هذا الشأن، حيث لا يمكن لك أن تعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بنقل حضري أم عابر لبعض المناطق المجاورة للمدنية، حيث «تقطع بعض الحافلات مسافات تزيد عن 40 كيلومترا وهو ما لا يمكن أن يدخل في نطاق النقل الحضري، مع أن أصحاب تلك الشركات وجهات معنية تضعه في هاته الخانة، مما يسهل عليهم التهرب من أداء الضرائب ومستحقات خزينة الدولة». ست شركات لمدينة واحدة تكشف البطاقة التقنية حول شركات النقل الحضري بتطوان، عن وجود ست شركات للحافلات، بعضها يستغل خطا واحدا، كشركة «حافلات المدينة» التي تستغل الخط رقم 4، وذلك وفق الوثيقة التي أمدنا بها رئيس مصلحة بالجماعة الحضرية، فيما تستغل شركة «السدر اوي» المعروفة ب«أما» خطي 20 و19، بينما تستغل شركة «حافلات المغرب العربي» الخط رقم 8، أما شركة «حافلات تطوان» فتستغل 5 خطوط (5، 6، 7، 8، 13) ، كما تستغل حسب الوثقية التي توصلنا بها، الخطوط رقم 10، و11، 12، دون ترخيص قانوني، بعدما توقفت حافلات «غرغيز» عن استغلالها، ما يعتبر إخلالا خطيرا بالقانون، دوم أن تتم معاقبتها من طرف الجهات المختصة، «كيف يسمح لشركة أن تستغل خطوطا تدر عليها الملايير من السنتيمات دون ترخيص» يتساءل المواطنون، وهو ما فسره بعضهم بتهاون ولاية تطوان في هذا الشأن. أما حافلات شركة «درسة» فتستغل حسب الوثيقة ذاتها الخط رقم 1، و15، و17، بينما تستغل حافلات «الطاهرة» الخطين رقم 2، و3. ويتراوح ثمن التذاكر وفق عقد الامتياز الممنوح لهذه الشركات بين درهم واحد ودرهمين، وهي الأثمان التي لا يتم اعتمادها من طرف بعض الشركات. أما النقل الجماعي فلا أحد يعرف خباياه ولا عدد الحافلات التي تستغله، حيث تعتبر الحافلات التي تنقل ساكنة تطوان إلى بعض القرى المجاورة مجرد هياكل حديدية بمحرك قديم. فالماعز والدجاج والخضر والفواكه يتم نقلها داخل الحافلات، جنبا إلى جنب مع مواطنين أغلبهم أطفال من تلاميذ المدارس بتطوان، أو من رجال التعليم والموظفين الذين يعملون بالقرى والدواوير المذكورة. فمن أجل قطع 10 كيلومترات وهي مسافة الرحلة بين تطوان وبعض القرى، يتطلب منك الأمر تقبل المعاناة لمدة تزيد عن 45 دقيقة، بسبب الحالة الميكانيكية المتدهورة للحافلة التي لا يمكن لها السير بأكثر من 10 كلم في الساعة، إضافة إلى الوقوف المتكرر في غير أماكن الوقوف المدرجة قانونيا، مثل «الخطافة»، ما يسبب للتلاميذ والموظفين معاناة أخرى تتمثل في التأخر عن الدراسة أو العمل، تنضاف إلى معاناة السفر. وتستغل هذه الخطوط حافلات بعضها تجاوز ثلاثين سنة، حيث عاينت الجريدة حافلات تحمل أرقاما تعود إلى حقبة الثمانينيات، إذ يتم إجراء بعض الإصلاحات على هيكلها، لتبدو كحافلة جديدة، في الوقت الذي يكون محركها في حالة جد سيئة، مهددا أمن وسلامة الركاب والفضاء البيئي للمدينة. فخلال لقائنا بالمسؤول عن القسم الاقتصادي بالولاية لفت انتباهنا وجود شكاية على مكتب هذا الأخير، موجهة إليه من طرف مجموعة من الجمعيات، تشتكي من سوء تدبير الخط الرابط بين «المغرب العربي» وجماعة الزينات (بني حسان). الشكاية التي كانت تحمل تاريخ 15 فبراير، ليست بالتأكيد الأولى من نوعها، فوفق مصادرنا فإن ولاية تطوان تتوصل بشكل متواتر بالعديد من شكايات المواطنين والجمعيان بخصوص وضعية النقل الحضري أو الجماعي. مدينة دون محطة للحافلات
خلال الحملات الانتخابية، تزعم أغلبية الأحزاب السياسية أنها ستولي أهمية للنقل الحضري، وإحداث محطات للوقوف في المستوى. محطات تقي المواطنين من الحر في الصيف، والأمطار في فصل الشتاء، لكن فقاعات الوعود الانتخابية سرعان ما تختفي بعد فوز تلك الأحزاب بمقاعدها، لتبقى الساكنة تتجرع معاناتها كل يوم، وسط صمت الجهات المعنية وهيئات المجتمع المدني. فقد اتخذت حافلات تطوان محطة عشوائية لها بمدخل المدينة بجوار مؤسسة تعليمية ومصحة طبية، مما يؤثر بشكل كبير على تلاميذ الثانوية وعلى المرضى نزلاء المصحة، ناهيك عن عرقلة السير بالشارع ذاته. ولا يتوانى المواطنون في التعبير عن غضبهم من الأمر، حيث وجهوا شكايات عديدة إلى الجهات المسؤولة بسبب المضايقات التي يتسبب فيها بعض سائقو الحافلات، إذ يوقفونها بالقرب من ثانوية جابر بن حيان. أما أصحاب الحافلات فيؤكدون أنهم يتوفرون على ترخيص من ولاية تطوان يسمح لهم بالوقوف هناك واستعمال الشارع كمحطة للوقوف، وهو ما يثير استياء السكان، معتبرين عجز الولاية والجماعة الحضرية عن توفير محطة لائقة، استهتارا بالمواطنين وتركهم يعانون في صمت وتقبل كارثة النقل الحضري بتطوان، في الوقت الذي يتم فيه إنفاق الملايين من الدراهم في تجميل واجهة المدينة، بينما يعتبر ملف النقل العمومي من أولويات «الحمامة البيضاء» ويتطلب تدخلا حازما من السلطات المركزية للحد من هذه المهزلة التي تسيء إلى جمالية المدينة.