كشفت حكومة بنكيران عن جانب هام في ملف الريع الاقتصادي، واعتبرته الشرارة الأولى لحرب بلا هوادة على الفساد، رغم أن الكشف عن لائحة المستفيدين لا يفسد للريع قضية. قال فريمة، الكورتي في محطة ولاد زيان بالدار البيضاء، وهو يناقش موضوع «الكريمات» مع فيلق من الكورتية غير المصرح بهم: «خاصنا نتحركو ونطالبو بنصيب من حركة المحطة»، والتفت فجأة فتبين له أن رفاقه انفضوا من حوله وانتشروا أمام مدخل المحطة بحثا عن الطرائد الآدمية، فأطلق ساقيه للريح وهو يصيح بصوت مبحوح «أكادير إيمينتانوت شيشاوة مراكش بنكرير». تبين لفريمة وزملائه أنهم غير معنيين بقضية الريع الاقتصادي، بينما دعا مهنيون قطاعَ النقل الطرقي إلى اجتماع طارئ لدراسة الوضع والبحث عن السبل الكفيلة بصيانة مكاسبهم في ظل السجال الدائر حول الكيران ومستقبل المحطة الطرقية ما بعد اندلاع حرب الكريمات. تقول التقارير الواردة من المحطات الطرقية إن الأوضاع غير مستقرة وإن المسافرين غير معنيين بلائحة الرباح، بينما تستمر الحرب الأهلية بين الكورتية والباعة المتجولين والمتسكعين وعابري السرير. تساءل سائق سيارة أجرة، يرابط باستمرار أمام المحطة، معلقا على قرار الرباح: «ما الجدوى من الكشف عن المرض دون وصف الدواء، نريد إجراءات وليس نوايا»، وأضاف نقابي مستفيد من «ريع التفرغ النقابي»: «لقد كشفوا عن راتب المدرب غيريتس دون أن يخلصونا منه، فزادت محنتنا». نريد من وزير التجهيز والنقل أن «يكمل أجره» ويكشف عن الريع الحقيقي الذي ينخر البلاد ويستفز العباد، ويدلنا على الصقور التي تملك رخص أساطيل نقل البضائع وعلى المستفيدين من مقالع الرمال والأحجار الكريمة، إذا كانت للوزير نية لاقتلاع الريع من جذوره. نريد من وزير الفلاحة والصيد البحري أن يكشف عن أسماء المنعم عليهم برخص الصيد في أعالي البحار، بينما يحرم البسطاء من الصيد في أعالي الأنهار، وحين يعلنون تمردهم يتهمون بالصيد في الماء العكر. نريد من وزير الداخلية أن يخرج عن صمته ويكشف عن اللوبيات التي تتحكم في رخص سيارات الأجرة، بينما يتابع البسطاء الوضع من بعيد وهم يمارسون هواية النقل السري، مع ما يتطلبه الوضع من متعة الكرّ والفرّ مع البوليس السري والعلني؛ نريد منه أن ينهي خرافة قانون بيع الخمور لغير المسلمين، ويسحب رخص الخمارات المتاخمة للمؤسسات التعليمية والاستشفائية والدينية. نريد من وزير العدل أن يعيد النظر في قانون لا يعاقب على تناول الخمر بل على السكر الطافح، فيعفي المحققين من إثبات طبيعة «التعربيدة» وفحص العينين وشم بخار الفم. نريد من وزير المالية أن يكشف عن ديناصورات تتقن لعبة التهرب الضريبي ولا تؤدي للدولة مستحقاتها، ونريد من وزير التشغيل أن يعلن للرأي العام عن باطرونات لا تحترم حقوق الأجراء وحين يكتب الأخيرون لافتات الغضب يهرع الباطرون إلى أقرب محكمة تجارية لإعلان إفلاس مع سبق الإصرار والترصد. نريد من وزير الوظيفة العمومية أن يكشف عن جيش الموظفين الأشباح الذين يتقاضون رواتبهم دون أن يعرفوا مقرات عملهم، ونريد من وزير الشباب والرياضة ألا يمارس لعبة القفز على الحقيقة ويعلن عن ريع وظيفي يصنف الكثير من الرياضيين في أعلى سلاليم الوظيفة محطمين أرقاما قياسية في الغياب. أنا أريد وأنت تريد والحكومة تفعل ما تريد.