يتزايد ارتفاع الأصوات الأوربية المحذرة من «الغزو الديمغرافي» الإسلامي للقارة العتيقة.. كتبٌ ومقالات ومؤتمرات وتحقيقات واستطلاعات ودراسات لا حصر لها. وكأنما شعر الأوربيون بأنهم أخذوا على حين غرة وهزموا من حيث لا يحتسبون؛ خرجوا منذ قرن بعساكر مجيشة واحتلوا البلدان والأمصار بالقوة، وذهبوا يبحثون عن شهوة القوة ومتعة اللذة بالسياحة الكثيفة، فإذا بهم يفاجؤون بأن نسلهم قد انقطع، بينما المهاجرون، خاصة منهم المسلمين، أغرقوهم بالتجمعات العائلية والبنين والحفدة الذين اكتسبوا الجنسيات الأوربية بخروجهم من أرحام أمهاتهم في هذه البلدان. البلجيكيون أكثر الأوربيين خوفا ورعبا، إذ في نونبر عام 2010 عقدوا مؤتمرا دعوا إليه السياسيين والإعلاميين والخبراء الديمغرافيين والاجتماعيين ورجال الدين، ليتدارسوا في ما بينهم كيف يواجهون المستقبل المنبئ بانقلاب في الوضع يصير فيه المسلمون هم الأغلبية في بروكسيل، عاصمة الاتحاد الأوربي وأرض الكاثوليكية التاريخية، وحيث يترأس الحكومة الائتلافية سياسي لا يخفي «مثليته» الجنسية. ومن مفارقات التاريخ أن بروكسيل ليست عاصمة لبلجيكا فقط، ولكنها عاصمة الاتحاد الأوربي؛ وعلى مقربة من مقر الاتحاد الأوربي -حيث وضع فنان النحت جيف لامبو مجسدا ضخما للأجساد العارية للذكور والإناث وسماه «النزوات البشرية»- يوجد المسجد الأعظم الذي دعمته المملكة العربية السعودية. وجمعت أشغال المؤتمر في كتاب جامع صدر في نونبر 2011 في 256 صفحة ضمن سلسلة منشورات الجمعية لسنة 55 العدد 84 بعنوان «أغلبية مسلمة في بروكسيل عام 2030: كيف نستعد للعيش المشترك»، وتولت تنظيم المؤتمر وطبع الكتاب جمعية علمانية اسمها «الفكر والناس» التي تأسست عام 1954، بتعاون مع الجامعة الحرة في بروكسيل وصحيفتي «لوفيف» و«ليبر بيلجيك». وأشرف على العمل كله شمسي شريف خان، عضو المكتب التنفيذي للجمعية، وجاك لومير، رئيس الجمعية. شمسي شريف خان مولود بتركيا من أم تركية وأب كردي، تابع دراسته بالثانوية الفرنسية التركية في مدينة غالاتاساري، وحاصل على دبلوم في العلوم الاجتماعية، ودكتوراه في الحقوق من الجامعة الحرة ببلجيكا. شارك في تأسيس اللجنة البلجيكية لجمعية «لا عاهرات ولا خاضعات»، وعضو مؤسس في شبكة «الحركات من أجل بناء دولة علمانية»، وعضو مؤسس ل«الجمعية الأوربية من أجل الفكر الحر». من الأسماء المشاركة إيلي برنافي، السياسي اليهودي الذي شغل منصب سفير إسرائيل في فرنسا، والمؤرخ والكاتب والأستاذ في جامعة تل أبيب، والمستشار العلمي لمتحف أوربا في بروكسيل؛ ومنها إيريك دو بوكيلايير، الناطق الرسمي باسم أساقفة بلجيكا سابقا، والمسؤول عن ملتقى لوفان لانوف حاليا؛ وكورين توركيسن، الباحثة المنشغلة بالإسلام والتنظيم القانوني والسياسي له في بلجيكا، ومن آخر كتبها «الفاعلون الدينيون في المجال العام: الوسائل والأهداف والآثار» و«الإسلام في بروكسيل». ويتصدر المغاربة طليعة المسلمين في بلجيكا، ويتراوح عددهم بين 350 ألفا و600 ألف نسمة حسب تقديرات سفير المغرب في بلجيكا، سمير الضهر، التي أدلى بها في تصريح لجريدة «لوفيف ليكسبريس» ونشرت في العدد الأسبوعي بتاريخ 25 شتنبر - فاتح أكتوبر عام 2009. ويأتي الأتراك في المرتبة الثانية بحوالي 200 ألف نسمة، وبالمغاربة والأتراك يصل العدد إلى 800 ألف نسمة من مجموع 1.1 مليون نسمة عام 2010، سيصبحون مليونين في أفق عام 2018 حسب توقعات الديمغرافيين الذين يرجعون سبب التكاثر الإسلامي إلى خصوبة في التناسل لدى المرأة وتزايد في نسبة التجمع العائلي. وتقول توقعات المتوقعين إن سكان بروكسيل سيصلون عام 2030 إلى حوالي مليون و296 ألفا و871 نسمة، تقدر نسبة المسلمين فيها ب29.7 في المائة، أي 385 ألفا و431 نسمة. وقد كان شمسي شريف خان أكثر المشاركين قلقا من «الإسلام الذي يظهر والأديان الأخرى التي تختفي» ومن «الأندلس الجديدة للمغاربة» و«الأناضول الصغرى للأتراك»، ولذلك فلا شيء حاليا يمنع من أن يفوز الشبان المسلمون المنحدرون من أصول مهاجرة بالمناصب السبعة عشر ببروكسيل في الانتخابات المقبلة، ما دام 18 من ضمن 48 من النواب البرلمانيين الحاليين للتحالف الحاكم منحدرين من أصل مهاجر. وهو توقع شكك فيه عدد من المختصين، أبرزهم كورين توركسين وجان هيرتوجين، عالم الاجتماع، حيث قالت كورين كيف يقبل علميا أن تبنى الإحصائيات والتوقعات على عينة لم تتوفر فيها الشروط العلمية؟ فلا يقبل أن يكون 650 شخصا موضع استطلاع وبحث في العلوم الاجتماعية، إذ يشترط أن يكون الحد الأدنى للعينة التمثيلية هو 1000 شخص، فضلا عن كون عدد المسلمين الذين استجابوا للبحث هو 167 شخصا فقط، دون الحديث عن مدى التزامهم بالدين الإسلامي أو متحللين منه. أسئلة القلق القلق من تحول المسلمين إلى أغلبية في غضون 15 عاما فقط دفع المتخوفين إلى تقديم مقترحات لمواجهة الموقف، منها كيف نحافظ على تعددية معينة في الحياة اليومية، وتنظيم العلاقة بين الديني والسياسي، وتوريث التراث المادي والمعنوي للمدينة التاريخية، وكيف نضمن حرية التعبير، وهي مقترحات الصحافية والكاتبة ماري سيسيل رويين في صحيفة «فيف ليكسبريس». ودافع القس إيريك دو بوكيلايير عن «الإسلام الديمقراطي» الذي سيعلم أبناءه بصوت عال أن القرآن يقول لا عقوبة تطبق في هذه الأرض على الذين يرتدون عن دينهم أو يغيرونه بدين آخر، فكيف الحال بالنسبة إلى غير المسلمين الذين يجهرون بدينهم دون خوف ولا مواربة. وأضاف الراهب، مقدما تأويله للقرآن، أن آيات الوعد والوعيد موجهة فقط بالمجال الروحي، وذلك ما يتوافق مع الفصل 18 من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان بشأن الحرية الدينية. ومن جانبه، اقترح شمسي شريف خان دعم «الإسلام الليبرالي الحداثي الحالي الخالي من الأحكام التشريعية، وإسلام الوجدان والباطن منقطع الصلة بالخارج». وخالفت كورين توركيسن الأصوات العلمانية، إذ أكدت أن التحدي المقبل «بالنسبة إلينا، نحن أهل بروكسيل، هو قبول أن يكون الإسلام جزءا لا يتجزأ من بلجيكا، وأن بلجيكا هي أيضا مسلمة، وعلينا العمل على ظهور نخبة مسلمة محجبة أو غير محجبة في مواقع اقتصادية جيدة وعلمية ممتازة، فهذا وحده الكفيل بالقضاء على الطائفية المزعومة».