سوق السبت مدينة تدين بوجودها إلى وحدتين كبيرتين لإنتاج الشمندر والقطن، فبسببهما تطورت وكبرت بسرعة، حتى أصبحت مولودا مشوها بمجرد توقف الوحدتين عن العمل قبل عقد من الزمن. وقد تصدرت المدينة عناوين الأخبار قبل سنة وكانت محط اهتمام إعلامي، ليس بسبب إنجاز تحقق فيها، بل كان هذا الاهتمام إدانة صارخة وكشفا مروعا لواقعها بعد إقدام أول سيدة، فدوى العروي، على إحراق نفسها احتجاجا على أوضاعها الاجتماعية. «المساء» تقتفي في هذا الربورتاج خطوات تحول مدينة سوق السبت إلى خزان للوبيات العقار والفساد. عبارات قليلة تلخص واقع مدينة سوق السبت، وهي العبارات التي خطّها أحد أبناء المدينة على موقع «فيسبوك» قائلا: «المساحة 400 هكتار، عدد السكان 70 ألف نسمة، مركزان صحيان فيهما طبيب واحد (طب عام)، مفوضية شرطة فيها 116 شرطيا تقريبا، ثانوية واحدة (الخوارزمي) تضم 36 قاعة، ثلاث إعداديات، سبع مدارس ابتدائية، باشوية، مقاطعتان، معملان واحد للقطن وآخر لتكرير السكر.. أقفلا.. سدّو هههه.. بِيسْري (مستودع لبيع الخمور)، دوار العدس، دوار العشرين، دوار السبعة، دوار الكرعة، دوار عبد العزيز (دوار فدوى العروي) لا ماء، لا كهرباء، لا واد حار، ما يناهز 67 مقهى واعْرينْ، مسبح بلدي ما فيهش الماء.. ملعب لكرة القدم فيه «الحْمري»، 5 طاكسيات صْغار حمْرين وأكثر من 200 طاكسي كبيرة بيضاء».. سعد أسعد، صاحب هذه العبارات، واحد من عشرات شبان المدينة الذين يتأففون من مجرد ذكر اسمها، بل يغيّرون اسمها الثاني (السبت) ليصبح «الزفت»، دلالة على سخطهم الكبير على واقع المدينة وعلى «سنوات من التهميش والسرقة، التي حوّلت حاضرة بني موسى إلى مجرد بقرة حلوب لكل الطامعين في الاغتناء السريع»، حسب تعبير هؤلاء الشباب. إهمال وتلاعب في المشاريع الملكية
عندما دشّن الملك محمد السادس، خلال زيارته الأولى لمدينة سوق السبت، في بداية أبريل من سنة 2008، مشروع بناء قرية للصناع التقليديين، والذي كلّف غلافا ماليا يقدر ب10 ملايين و331 ألف درهم، لم يكن أحد يتصور أن يتحول المشروع إلى مجال للمضاربات العقارية ويتمَّ بيعه مرات عديدة، لكن البعض يجدون العزاء في أن المستفيدين هم من باعوا وتلاعبوا في نصيبهم. أما سكان سوق السبت فلا يجدون عزاء في تناسي مشروع المستشفى المحلي في المدينة، وهو المشروع الذي وضع الملك محمد السادس حجره الأساس في أبريل من سنة 2010 ورُصِد له مبلغ يفوق 39 مليون درهم، لكنْ مرت اليوم 23 شهرا، بدل 18، التي حُدِّدت كأجَل لتنفيذ المشروع، الذي سيبنى فوق أربعة آلاف متر، دون أن يرى النور. فزيارة خاطفة لمكان المستشفى تكشف أنه مجرد «حلم».. أشغال متوقفة وساحة حوّلها الأطفال إلى ملعب لكرة القدم وأحياء عشوائية بنيت إلى جوار المستشفى وغطّته من كل جانب، ورعاة يجدون في ساحات المستشفى حشائش لرعي أغنامهم. سوق السبت.. مدينة «الخردة» تدين حاضرة سوق السبت بوجودها لمعمل السكر، الذي كان من أكبر المعامل وطنيا، ثم مضت الأيام قبل أن يتحول المعمل إلى أطلال.. حارس يراقب الشارع ومئات الأطنان من بقايا الآلات الضخمة ومنشآت تبدو للناظر شاهدة على تاريخ مضى، فقد تم تفويت المعمل لشركة «كوزيمار» في الوقت الذي تخرجت جحافل من العاطلين في المدينة.. ومن غرائب الصدف أن يجاور نفس المعمل أحد أكبر مخازن ومعامل القطن في المغرب، والمتوقف بدوره. و«يلخّص» منظر بوابة المصنع واقع الحال: نباتات علت اللافتة التي كتب عليها اسمه «كومابرا». وبعد توقف معملَي القطن والسكر، اللذين كانا أمل سكان المدينة، أصبح مئات الشباب يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، فيما يفضل بعضهم مغامرة «الحريك» إلى الخارج. يقول عز الدين، أحد أبناء المدينة: «كنا نضمن، ونحن تلاميذ وطلبة، موردا كافيا لدراستنا وأسفارنا بالاشتغال عمالا موسميين في معمل السكر، لكننا اليوم لا نجد سوى «التسكع» في مقاهي المدينة، بعد أن ضاقت بنا فضاءاتها، بسبب إغلاق السينما الوحيدة والمسبح البلدي والمركب الرياضي». بعد أن كانت سوق السبت قبلة لليد العاملة من مدن أخرى، تحولت إلى مدينة لبيع «الخردة»، يزورها مئات «الميخالة». «تفوقت سوق السبت على خريبكة، ويمكنك أن تجد هنا كل شيء، يكفي أن تزور المدينة مساء الجمعة أو في صباح يوم السوق الأسبوعي -يوم السبت- لتجد الماركات العالمية، من ألبسة وأحذية وتجهيزات إلكترونية بأبخس الأثمنة»، يقول «محمد س.»، أحد تجار الخردة، قبل أن يضيف: «زبناؤنا من مدن عديدة، وأغلبهم من تجار بعض المحلات في مدن الدارالبيضاءومراكش والرباط وفاس، يقتنون منا الملابس قبل أن يعيدوا بيعها بأثمنة باهظة بعد غسلها وكيها وتقديمها في حلة جديدة». أمن غائب ومرافق متوقفة عندما أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني عن تشييد مفوضية للشرطة في المدينة، لم يكن السكان يعتقدون أنهم سينخرطون، مرات عديدة، في وقفات احتجاجية للمطالبة ب«الأمن»، بعدما انتشرت الجريمة وتحولت شوارع المدينة إلى مسرح لعشرات عمليات السرقة. يقول أحد أبناء المدينة: «لا يتحرك عناصر الأمن إلا بعد الاحتجاجات أو تعرض أحد أقارب رجال الشرطة لعملية سرقة، كما وقع لابنة مسؤول أمني في المدينة قبل أسابيع.. أما مرافق المدينة فتعرف شللا كبيرا، فالمسبح البلدي أصبح «مخزنا للمتلاشيات»، وحوض السباحة فارغ من المياه، إضافة إلى غياب الصيانة، بينما لا تستغل القاعة المغطاة للمركب التابع لمجموعة معامل السكر ولا يتم تفويتها».
مدينة البناء العشوائي في الوقت الذي ينكب الشرقي الضريس على توجيه مراسلات صارمة لمحاربة البناء العشوائي للمسؤولين المحليين، تقترب مدينة سوق السبت من «احتضان» ثلاثة آلاف بناية عشوائية، بعد أن تحوّلت كل أحيائها إلى أوراش بناء.. كانت بداية تقفّي خريطة البناء العشوائي في المدينة من دوار الرواجح، حيث وقفت «المساء» على سيارة تحمل «لوحة مخزنية»، وقد ترجل منها ثلاثة أشخاص «يشرفون» على حفر بئر أمام حي كل بناياته حديثة العهد.. إنه «رجل سلطة برتبة خليفة.. وهو ليس بصدد تحرير محضر للمخالفة، بل «يراقب» فقط قبل أن ينصرف لملاقاة أرباب الورش»، يقول أحد مرافقينا. نواصل سيرنا، علي يمين الطريق هناك دوار عبد العزيز، الذي تتحدر منه فدوى العروي، الشابة التي أحرقت نفسها في فبراير الماضي للمطالبة بحقها في السكن.. أزقة ضيقة وبنايات واطئة، ولا شيء هنا يدل على أننا في مدينة.. أزقة متربة وروائح الوادي الحار تزكم الأنوف. واصلنا التجوال عبر الأحياء التي «نبتت» بعد 21 من فبراير من السنة الماضية، تاريخ يتذكره كل سكان مدينة سوق السبت، إنه «تاريخ انطلاق البناء العشوائي في المدينة بعدما أحرقت الشهيدة فدوى نفسها ولم تعد السلطة تتحرك، خوفا من أن يحرق شخص آخر نفسه»، يقول المعطي، الذي كان يقوم بمراقبة ورش بناء منزله، وهو يُصِرّ على أن يلقب فدوى ب«الشهيدة»، لأنها «أحرقت نفسها وأنقذت مئات الأسر من التشريد والسكن في البراريك». لم يكن الخليفة هو الوحيد الذي صادفنا في جولتنا، فقد عاينّا المستشار الجماعي «ح. أ.» يشرف على بنايات اصطفت على طول شارع في دوار السوسي، الذي بناه رفقة شقيقه.. تسير الأشغال هنا بسرعة، قبل أن يصدر أي قرار يهدد «مشروع المستشار». تمضي بنا السيارة لنصل إلى سيدي علي بن عدي، هنا «نبت» دوار كامل، كان المكان قبل سنة ونصف أرضا خلاء، وهو المشهد ذاته في غرب المدينة، حيث يتراءى تجمع سكاني معزول: «هذا هو دوار العدس، لا ماء ولا كهرباء ولا شروط دنيا للكرامة الإنسانية»، يقول أحد السكان. على الجهة اليسرى شرقا، نبتت مئات المنازل، وما تزال الأشغال على قدم وساق فيها كلها: «نحن نبني منازل لا نعلم مصيرها، لا أعتقد أنهم سيهدمونها بسبب خوفهم من «ثورة» السكان، إنهم يخشون محرقة جماعية، كما فعلت فدوى»، يقول أحد السكان. في نهاية الطريق التي تتجه إلى مراكش، هنا على اليمين نخترق شارعا يكتظ بدواوير تضم مئات المنازل التي بُنيَّت بسرعة البرق. المجلس البلدي ولوبي العقار حين هدّد عمر العمراوي، المستشار الجماعي في بلدية سوق السبت، في جلسة عمومية للمجلس البلدي من سماهم «لوبي العقار» من أعضاء المجلس ب«نشر أسمائهم على الملأ إذا لم يفتح تحقيق شامل يكشف كيف تمكّنوا من الاغتناء السريع وغير المشروع باستغلال وضعهم داخل البلدية، عن طريق تجزيء أراض في ملكيتهم بطرق عشوائية وعرضها للبيع وإشرافهم على توقيع عقود البيع في البلدية»، اعتقد البعض أن تصريحات المستشار الجماعي كانت مزايدات سياسية قبيل الانتخابات، لكنْ عندما تتبعنا خيوط تلك الاتهامات، صدمنا بالتلاعبات الخطيرة التي يقوم بها أعضاء من المجلس البلدي، بالتحايل على مواطنين بشراء بقع أرضية، منهم بأثمنة منخفضة، ثم إعادة بيعها بأثمنة مضاعفة بعد تسوية وضعياتها وتغيير تصاميمها بالتحايل على القانون. كانت الشكايات التي حصلت «المساء» على نسخ منها معززة بوثائق تؤكد تلك الاتهامات، إضافة إلى مظاهر الاغتناء الفاحش لدى الأعضاء المتهمين، الذين تحوّلوا، في أقل من سنتين، من تكوين المجلس، إلى مضاربين عقاريين. لم تفتح السلطات أي تحقيق في الموضوع، كما لم يتوقف الأعضاء داخل المجلس البلدي عن «مراكمة الثروات باستغلال وضعهم داخل المجلس البلدي»، يقول منعش عقاري، قبل أن يضيف: «لقد تكبدنا خسائر فادحة بعد انطلاق موجة البناء العشوائي». لا تنحصر الاتهامات الموجهة إلى أعضاء المجلس البلدي في التحايل على المواطنين، بل تتعداها إلى استغلال النفوذ، فقد كانت وضعية بعض التجزئات عالقة منذ أكثر من 30 سنة، مثل تجزئة الزعراطي 1 و2، قبل أن تنقذها «موجة» البناء العشوائي، بينما استفادت تجزئة في ملكية أحد نواب الرئيس من الربط الكهربائي من محوّل المسبح البلدي.
أبو بكر أوشن : لسنا مسؤولين عن توقف المشاريع الملكية - ما حصيلة وضعية البناء العشوائي في مدينة سوق السبت؟ بعد الحراك لاجتماعي و«الربيع العربي»، انتشر البناء العشوائي بشكل مهول في جميع مناطق المغرب، ولم تكن مدينة سوق السبت استثناء.. ومعلوم ما يخلقه هذا النوع من البناء من مشاكل، سواء في ربط هذه المساكن بالتيار الكهربائي وبقنوات الصرف الصحي وتهيئة هذه الأحياء، وما يعقب ذلك من احتجاجات، لذلك نقوم بدورنا في تحرير محاضر للبناء العشوائي وفق ما يحدده القانون الخاص بالميثاق الجماعي. - ما هي أسباب توقف المشاريع التي دشّنها الملك محمد السادس في مدينة سوق السبت، خصوصا المشاريع التي أنتم شركاء فيها كمجلس بلدي؟ نحن فخورون بالزيارة الملكية التي شهدتها المدينة، وبالنسبة إلى مشروع المستشفى فقد خصصنا له بقعة أرضية، ونحن بدورنا لا نعرف سبب توقف الأشغال، وقد راسلنا مرارا مسؤولي وزارة الصحة في هذا الشأن، أما بخصوص تجزئة الحرفيين، فهي تجزئة خاصة بجمعية مستقلة هي جمعية الفتح، وهي التي اقتنت الأرض وقامت بتهيئتها، ولسنا مسؤولين عن أي مضاربات قد تشهدها هذه التجزئة، لأنها ليست تحت وصاية البلدية. - طرحت في مدينة سوق السبت أسئلة كثيرة حول توزيع منحة قدرها 20 مليون سنتيم على جمعية مهنية قبيل الانتخابات البرلمانية بأيام قليلة.. ما حقيقة ما وقع؟ هذه جمعية تأسست قبل الانتخابات بمدة طويلة، وقد اندلع حريق مؤسف في الجوطية، تضرر منه المنتسبون إلى الجمعية، لذلك اجتمعنا كمجلس وقررنا بالإجماع دعمها بصرف 20 مليون سنتيم لأعضائها، وقد جمعنا المتضررين بحضور السلطة لتحديد المستفيدين، لكن أحد المواطنين رفض تسلم التعويض وخاض اعتصاما في مقر البلدية، وقد استفسرنا مكتب الجمعية حول هذا الشخص فأخبرونا أنه رفض تسلم تعويضه، أما أحد الشبان الذي يرافقه في الاعتصام فقد أسس الجمعية ما بعد الحريق وما بعد الانتخابات وما بعد قرار المجلس بصرف المنحة. - أثيرت العديد من الأسئلة حول مضاعفة المنحة المخصصة لفريق أمل سوق السبت، الذي أنتم في نفس الوقت رئيس له، إلى حوالي 200 مليون سنتيم؟.. لقد تم تقليص منحة فريق أمل سوق السبت ولم يسبق أن وصلت إلى رقم 200 مليون سنتيم، بل في إطار سياسة التقشف، قلصنا هذه المنحة من 120 مليون سنتيم في السنة السابقة إلى أقل من ذلك بكثير، كما تقلصت ميزانيات الجماعات، ولذلك قمنا أيضا بالتقشف أيضا، وحسابات الفريق واضحة ولا لبس فيها، ونحن مستعدون لأي مراقبة أو تفتيش يخص مالية وميزانية الفريق أيضا. -بماذا ترد على اتهام المجلس البلدي بالتلاعب في الصفقات العمومية، سواء في تبليط بعض الأحياء أو في صفقة الكهربة؟ لقد قمنا بمراسلة المهندس والشركة التي تتتبع الأشغال، وللأسف فإن وراء الشكاية دوافع سياسية، بوجود مواطن يعتزم التقدم للانتخابات القادمة، فجمع حوله المواطنين للاحتجاج، ولا وجود لأي تلاعب في صفقة التبليط، أما بخصوص صفقة الأعمدة الكهربائية فغير صحيح أنها كلفت البلدية مليارا و400 مليون سنتيم، بل كلفتنا فقط حوالي 400 مليون سنتيم، وكناش التحملات يشترط إعادة نفس الأعمدة بعد صيانتها. - هناك اتهامات لأعضاء في المجلس البلدي بالاغتناء غير المشروع من البلدية؟ هذه اتهامات خطيرة ومزايدات لا أساس لها من الصحة، ونحن مستعدون للمحاسبة. *رئيس بلدية سوق السبت