تجتاز شركة «فيوليا للبيئة» الفرنسية فترة عصيبة في الوقت الراهن، إذ تعيش هذه العلامة التجارية الرائدة عالميا في مجال الأنشطة المرتبطة بالبيئة صعوبات كبرى سرعان ما تحولت إلى أزمة توشك أن تعصف بجميع المكتسبات التي راكمتها الشركة في عشرات الدول في مختلف بقاع المعمور، نوضعيتها المالية تزداد سوءا ومصير رئيسها المدير العام الحالي في كف عفريت، في حين يسود تنافس خفي حول من يخلفه، وبات مصير الشركة برمتها مفتوحا على جميع الاحتمالات. تعيش شركة «فيوليا للبيئة» في هذه الظرفية أياما عصيبة، فالأوضاع المتأزمة للشركة في السنة الأخيرة جعلت أيام رئيسها المدير العام، أنطوان فريرو، في قمرة قيادتها معدودة. استقالة فريرو أو إقالته باتت وشيكة بعد التئام مجلس إدارة الشركة في اجتماع عقد مؤخرا لمناقشة حصيلة أنشطة الشركة برسم السنة الماضية. آخر الأنباء المتسربة من داخل الشركة تؤكد تسجيلها حصيلة سلبية في السنة الماضية، ولذلك ينتظر أن تكشف في الأيام القليلة المقبلة عن أرقام سلبية للغاية، يتوقع بدورها أن تطيح فور الإعلان عنها برؤوس العديد من المسؤولين في الشركة. مقصلة الإطاحة أصبحت الأمور داخل «فيوليا» للبيئة» مفتوحة على جميع الاحتمالات، ويبدو أن الأخبار المتسربة من المطبخ الداخلي للشركة، والتي تناقلتها وسائل الإعلام الدولية على نطاق واسع في مستهل الأسبوع الماضي، خصوصا الفرنسية، قد تفضي أيضا إلى الإطاحة بجون لويس بورلو، وزير البيئة الفرنسي السابق، الذي كان إلى غاية متم يناير الماضي الرجل الأوفر حظا لتولي منصب الرئيس المدير العام للشركة. فبعدما أثير اسمه في الأشهر الأربعة عشر الأخيرة كمرشح فوق العادة لتولي منصب الرئيس المدير العام لشركة «فيوليا للبيئة» يمكن أن يجد بورلو نفسه خارج حسابات مجلس الإدارة في المسافات الأخيرة من السباق نحو منصب المسؤول الأول عن الشركة. رسميا، أصبحت تتعالى داخل الشركة أصوات تشكك في قدرة وزير البيئة الفرنسي السابق على إنقاذ الشركة من الأزمة التي تكاد تعصف بها في الوقت الراهن. غير أن هذه الأصوات المشككة في قدرات جون لويس بورلو كشفت عن وجود جهات داخل الشركة تنظر بعين الريبة إلى تعيين الوزير السابق للبيئة على رأس الشركة، لأن هذا التعيين، إذا حدث فعلا، لن يخدم مصالحها. وعلى صعيد آخر، يطرح ترشيح مسؤولين سياسيين سابقين، منهم من يتحمل مسؤوليات وزارية، تساؤلات حول حدود تدخل السلطة السياسية في تدبير المقاولات الفرنسية الكبرى. وتُثار أيضا شكوك وتساؤلات ملحة حول المجهودات التي تبذلها شبكات مجموعات الضغط وبعض التنظيمات من أجل مراكمة مسؤوليات من هذا الحجم. ذلك التدخل وهذه المجهودات تكون عوامل أساسية في توزيع مناصب المسؤولية بفرنسا وتكون حاسمة في تحديد الأسماء التي ستعين في تلك المناصب. تكشف التطورات الأخيرة داخل الشركة والأنباء المتسربة عن الصراع الدائر حول من هو الأجدر بقيادة الشركة في الظرفية الصعبة التي تجتازها حاليا، وكذلك عن «خيط رفيع» من أسلوب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تدبير ملفات من هذا القبيل. تظهر التطورات نفسها، أيضا، مدى التقارب الحاصل بين ساركوزي، المنهمك حاليا في خوض حملة انتخابية من أجل ضمان ولاية ثانية من خمس سنوات بقصر الإليزي، وبين كبار شخصيات المال والأعمال بفرنسا، وهو ما يفضي بدوره إلى تأكيد حرص بادٍ لدى الرئيس الفرنسي على البقاء على اطلاع مستمر بمستجدات الرأسمال الفرنسي. وينتظر أن تكون إقالة أو استقالة أنطوان فريرو من منصب الرئيس المدير العام للشركة الحلقة الأخيرة من مسلسل طويل ابتدأ في سنة 2009 عن الشخصيات الأجدر بقيادة الشركة. وقبل إسدال الستار على هذا المسلسل، يثير آخرون أيضا سجالا حول الرغبة الجامحة التي يعبر عنها هنري بروغليو، الرئيس المدير العام لمجموعة «أو. دي. إف»، في إضافة منصب الرئيس المدير العام لشركة «فيوليا للبيئة» إلى قائمة المسؤوليات التي يتحملها، وفي تلك إشارة واضحة أيضا إلى تضاؤل حظوظ وزير البيئة الفرنسي السابق في تولي هذا المنصب. أعين على قيادة الشركة يؤكد مسير داخل الشركة أن بروغليو أصبح يضع الرئاسة الإدارة العامة ل«فيوليا للبية» نصب عينيه، ويرجع حرص بروغليو على تولي هذا المنصب إلى رغبته في مراكمة مسؤوليات من هذا الحجم، على الأقل من أجل لقب «الرئيس المدير العام». ومن هذا المنطلق، أصبحت تطرح تساؤلات عما إذا كانت قوى هذا الرجل العامل الرئيس الثاوي وراء عدم تمكن الشركة إلى حدود الساعة من تعيين فريق عمل يأخذ بزمام الأمور، ويتمتع بالقدرة على اتخاذ قرارات جذرية ضرورية من أجل إنقاذ الشركة من أنياب الأزمة، التي توشك أن تقصم ظهرها، وجعلها تعود بقوة إلى تسجيل النتائج الإيجابية في الفترة المقبلة، وألا تعيش سنة إضافية أزمة كانت لها انعكاسات خطيرة على حصيلة أنشطتها برسم سنة 2011. وسيجد المسوؤل المقبل عن الشركة نفسه مطالبا بإيجاد حلول ناجعة للمشاكل التي تتخبط فيها الشركة في أقرب الآجال الممكنة لتحصين «فيوليا للبيئة» من الكوابيس التي عاشتها في السنة الماضية. إذ تلقت الشركة إنذارين بخصوص النتائج المعلن عنها، والتجأت إلى تقليص اليد العاملة، بالإضافة إلى فقدانها العديد من العقود المهمة في أكثر من دولة، دون إغفال إثارة تورطها في فضيحة تلاعبات بالولاياتالمتحدةالأمريكية. كوابيس جعلت الشركة تعلن في 8 دجنبر الماضي عن مخطط لتجاوز هذه الظرفية الصعبة، غير أن الأيام الموالية أثبتت عدم نجاعة هذا المخطط، أو على الأقل عدم كفاية الإجراءات والتدابير التي أقرها لوضع حد لتلك الكوابيس. وفي البورصة، سجلت الشركة أيضا خيبات جعلتها تخضع لإجراءات أفقدتها بعضا من وزنها في سوق المال والأعمال. أكثر من ذلك، أصبحت تُتداول أنباء واردة من داخل الشركة، بل من مقرها الرئيس، تتحدث عن سيادة جو من فقدان الثقة في أوساط الأطر العاملة في الشركة. وفي هذا الإطار، لوحظ في الأشهر الأخيرة إقدام العديد من أطر الشركة على طرق باب بروغليو ليشتكوا إليه ما آلت إليه شركتهم، حتى إن هنري بروغليو لم يعد يتردد في التعبير عن قلقه من الوضعية التي تعيشها «فيوليا للبيئة». وكان بروغليو أثار موجة غضب داخل الشركة بعد إقدامه في وقت سابق على كشف تفاصيل مخطط إنقاذ الشركة. وقد التقطت الصحافة الفرنسية إشارات بروغليو وذهبت، عن حق، إلى وصف الخطوات التي يقوم بها بمثابة مناورات لدفع جميع منافسيه على منصب الرئيس المدير العام للشركة إلى التراجع إلى الوراء. صحيفة «ليبيراسيون» تحدثت بكل صراحة عن هذه المناورات، وأكدت أن ثمة مناورات أخرى في طور الإعداد. أكثر من ذلك، تحدثت اليومية ذاتها عن اتفاق سري بين بروغليو والرئيس الفرنسي ساركوزي من أجل الإطاحة بالرئيس المدير العام الحالي للشركة أنطوان فريرو وقطع الطريق على المرشح القوي لخلافة هذا الأخير، جون لويس بورلو، وزير البيئة السابق. اتفاق سري رد الرئيس نيكولا ساركوزي بقوة على هذه الأنباء بالنفي القاطع، وذهب إلى حد وصفها بالعبثية. المثير أن بورلو نفسه دخل على خط القضية وانتصر لساركوزي، حيث أكد في تصريحات مضادة لما نشرته اليومية سالفة الذكر أنه لم يستشعر مطلقا إرهاصات حرب معلنة ضده من قبل كل من فريرو ورئيس الجمهورية من أجل قطع الطريق عليه نحو منصب الرئيس المدير العام ل«فيوليا للبيئة». وبما أن الصراع على هذا المنصب بين فريرو وبورلو بات مكشوفا، فإن ثمة من فسر رد فعل الوزير الفرنسي السابق للبيئة على إثارة اتفاق خفي بين ساركوزي وفريرو لبسط اليد على «فيوليا البيئة» بعدم توفر بورلو على وثائق ومستندات تثبت وجود هذا الاتفاق الخفي. في المقابل، يبسط أصحاب هذا الطرح ثلاثة أسباب على الأقل يحتمل أن تكون رئيسية لإحجام بورلو عن الدخول في مواجهة مباشرة مع ساركوزي وفريرو، رغم أن الأنباء المتداولة في وسائل الإعلام تمنحه حظوظا في حسم المواجهة لصالحه، لأن تأكيد وجود هذا الاتفاق سيكون فضيحة لرئيس الدولة وسيكسب بورلو دعم الرأي العام. يتمثل السبب الأول في التقارب الكبير بين كل من فريرو وبورلو ذلك أن كل واحد منهما يعتبر الآخر بمثابة أخيه. كما أن ابنة بورلو تتولى منصبا في الفرع الآسيوي لشركة «فيوليا للبيئة». وما لا يستحضره كثيرون في خضم الصراع الخفي والظاهر بين الرجلين على منصب الرئيس المدير العام ل«فيوليا للبيئة» أن بورلو نفسه كان من أشد المتحمسين لتعيين «أخيه» فريرو في منصب الرئيس المدير العام لمجموعة «أو. دي. إف»، وكان قد أظهر قبل سنتين تقريبا دفاعا مستميتا في سبيل تعيين فريرو في ذلك المنصب. هذا يعني أن بورلو قد يحجم في نهاية المطاف عن إكمال السباق نحو الرئاسة الإدارة العامة ل«فيوليا للبيئة» حتى لا تزداد علاقاته ب«أخيه» توترا. من جهة أخرى، يبدو أن قليلين يعلمون أن بورلو يتمتع أيضا بأصوات قوية تدعم إسناد مهمة قيادة «فيوليا للبيئة». ويمكن أن تكون هذه الأصوات سنده لإثبات أحقيته في الظفر بهذا المنصب دون أن تتأثر علاقاته بفريرو. وتتزعم شخصيتان بارزتان في هرم المسؤولية داخل الشركة قائمة الداعمين في تسليم مفاتيح «فيوليا للبيئة» لبورلو، حيث تبديان ثقتهما الكاملة في قدرة وزير البيئة السابق على انتشال الشركة من الأزمة، التي تتخبط فيها في الوقت الراهن وإعادة وضعها على سكة تحقيق النتائج الإيجابية وفرض اسمها بقوة في الصفقات الدولية الضخمة، التي يعلن عن طلبات عروض بشأنها في مختلف مناطق العالم. وتتجسد هاتان الشخصيتان في كل من دنيس غاسكي، المدير العام التنفيذي الحالي لمجموعة «فيوليا»، ومسؤول مالي مرموق له كلمة مسموعة داخل الشركة لم يتم الكشف عن هويته إلى حدود الساعة. أما السبب الثاني، فيتمثل في أن فريرو يسارع الزمن من أجل العودة إلى قيادة «فيوليا للبيئة» من جديد في ظرفية تعيش فيها المجموعة التي يتولى قيادتها في الوقت الراهن بوادر أزمة. وتؤكد المؤشرات الأولية الخاصة بوضعيتها المالية في السنة الجارية أن توازناتها ستكون لا محالة هشة. ويحوم أيضا شبح فوز محتمل للمرشح الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فرانسوا هولاند، على حظوظ فريرو في البقاء على رأس هذه الشركة. إذ من المستبعد أن يقبل هولاند في حال نجاحه في هزم الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي ببقاء فريرو، المعروف بقربه من ساركوزي على رأس إحدى أهم المقاولات الفرنسية. وفي المقابل، لا يستبعد أن يقدم ساركوزي في غمرة التنافس الانتخابي على التضحية بحليفه فريرو من أجل استمالة أصوات المتعاطفين مع أحزاب اليمين في حالة ما إذا اضطر إلى خوض دور ثان من الانتخابات وجها لوجه مع هولاند. وبصرف النظر عن المنحى الذي ستتخذه أحداث هذا المسلسل الطويل، فستكون له، بدون شك، تأثيرات على حظوظ الرئيس نيكولا ساركوزي، الموشكة ولايته على الانقضاء، في الظفر بولاية ثانية على رأس الجمهورية الفرنسية الخامسة. وقد يعمل قادة الحزب الاشتراكي على توظيف هذه القضية عندما تكون الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة في أوجها من أجل توجيه ضربات قوية لساركوزي. ولذلك يبدو أن هذا الأخير يخوض معركة أخرى ضد الزمن من أجل تعيين مسؤول عن هذه الشركة لتجنيبه متاعب الغموض الكبير والجدل الواسع الدائر حول من الأحق بقيادة «فيوليا للبيئة» ومن الأقدر على إنقاذها من الأزمة التي توشك أن تعصف بها. وإذا لم يكسب ساركوزي هذا السباق ضد الزمن، خصوصا أنه وعد أمام لجنة برلمانية بعدم اتخاذ أي قرار تعيين في مناصب مسؤولية داخل المؤسسات العمومية الفرنسية، فإن عليه أن يدلي بإجابات وتوضيحات عن أسباب تدخله في تدبير مجموعة خاصة. بتصرف عن «ليكسبريس» الفرنسية
«فيوليا للبيئة» تحاول تفادي انعكاسات الأزمة على فروعها في 77 دولة لا أثر لخطاب الأزمة في مضامين موقع الشركة على شبكة الأنترنت، بل على العكس فهي ترفع التحدي من خلال المراهنة على التجربة والخبرة اللتين راكمتهما الشركة في مجال تخصصها من أجل اقتحام أسواق جديدة والظفر بصفقات جديدة للتدبير المفوض في دول ظلت تبدي تحفظات كبيرة من إسناد مهمة تدبير قطاعات الماء والتطهير والكهرباء إلى جانب النظافة للمقاولات متعددة الجنسية. وتراهن الشركة، أيضا، على الترويج لتجاربها الناجحة في فرنسا ثم في دول أوربا الغربية، وبداياتها الموفقة في دول أوربا الوسطى والشرقية، بالإضافة إلى عدد من الدول الأسيوية والإفريقية، من ضمنها المغرب. وتعتبر الشركة تجربتها في التدبير المفوض بالمغرب نموذجا ناجحا للإنجازات التي حققتها في دول أخرى مثل فرنسا نفسها وبريطانيا والبرازيل وأستراليا. وكثيرا ما تسلط الشركة الأضواء على تجاربها في هذه الدول من أجل إقناع دول أخرى بالإقدام دونما مخاوف على منحها صفقات التدبير المفوض في القطاعات المرتبطة بمجال تخصصها، والمثير أنها لا تزال تضع، رغم الأزمة، أعينها على السوقين الأمريكية والصينية اللتين تشهدان منافسة حادة في هذا المجال. ويبدو أن «فيوليا للبيئة» حريصة للغاية على إبقاء فروعها المنتشرة في مختلف بقاع العالم، وتحديدا في 77 دولة، في منأى عن التأثيرات السلبية للأزمة التي تعيشها في فرنسا. وباستثناء إثارة اسمها في فضائح مالية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن المسؤولين عن هذه الشركة كسبوا رهانهم في تقليص دائرة الأزمة التي تعصف بالشركة بفرنسا من أجل الحفاظ على الرصيد الذي راكمته الشركة طيلة 155 سنة من العمل في الأنشطة المرتبطة بالقطاع البيئي.