الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوروبي للمغرب هو «شهادة حسن سيرة في ما يخص الإصلاحات المؤسساتية التي باشرها المغرب منذ عقدين ويعتبرها الاتحاد نموذجا للاقتداء بالنسبة للعديد من دول الضفة الجنوبية للبحر البيض المتوسط». الكلام جاء على لسان كريستيان دوبواسيو، رئيس مجلس الدراسات والتحاليل الاقتصادية لدى الوزير الأول الفرنسي الذي كشف ل«المساء» أن الوضع المتقدم هو أيضا «نوع من التعهد الأوربي بمواكبة الإصلاحات المغربية على مستويين: سياسي ويشمل الحريات العامة وحقوق الإنسان وتحسين النظام القضائي... واقتصادي ويهم الاندماج التدريجي للمغرب في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي بناء على قاعدة الانفتاح والتحرير الاقتصادي. ومفهوم «الوضع المتقدم» كما شرح ل«المساء» رئيس مجلس الدراسات والتحاليل الاقتصادية الفرنسي، وهو أيضا رئيس المختبر الاقتصادي بغرفة التجارة والصناعة الباريسية، هو وضع بين المنزلتين، أي أنه أكثر بقليل من الشراكة، وأقل بكثير من العضوية. ومن حسناته أنه يمنح المغرب امتيازات سياسية عبر عقد قمم أوروبية مغربية والمشاركة في العمليات الأوروبية لإدارة الأزمات، وأخرى اقتصادية من خلال إقامة مجال اقتصادي مشترك مستوحى من القواعد التي تسير المجال الاقتصادي الأوروبي، الذي يشمل كلا من الاتحاد الأوروبي وسويسرا والنرويج وإيسلندا وليشتنشتاين. وبذلك فإن «الوضع المتقدم»، وإن كان غير ذي ثقل قانوني إضافي، فإنه يضع المغرب مع ذلك في وضع أكثر تميزا عن البلدان الأعضاء في «سياسة الجوار» للاتحاد الأوروبي مثل مصر وإسرائيل وأوكرانيا وجورجيا، ومن شأنه أن يسمح له بالمشاركة في عدد من الهيئات الأوروبية مثل يوروغوست (قضاء)، ويوروبول (شرطة)، والوكالة الأوروبية لأمن الطيران والمرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان. قد نفهم كما فهم الخبير الاقتصادي الفرنسي أن في منح المغرب وضعا متميزا في النسيج الأوربي، مكافأة على انخراطه بنجاح في مسلسل الإصلاح السياسي. وقد نفهم كما لا يريد أن يفهم خبيرنا أن هذا الامتياز الذي لعبت كل من فرنسا وإسبانيا دورا حاسما من أجل تكريسه أوربيا، لم يأت فقط بدافع حسن السلوك المغربي في المجال الحقوقي، بل فرضته بالتأكيد قواعد أخرى أهمها قاعدة «رابح رابح» التي تتقنها البلدان الأوربية أكثر من مثيلاتها في الضفة المتوسطية الجنوبية. فالمغرب هو المجال الجغرافي الأنسب لتأمين الامتداد الطبيعي لأوربا نحو إفريقيا، وهو فوق ذلك يمتلك مفاتيح استقرارها وأمنها باعتباره الشريك الأساسي في محاربة ما تسميه بالإرهاب، والقضاء على الهجرة السرية وتضييق الخناق على تجارة المخدرات. عوامل كثيرة يضيق المجال لذكرها تجعل من «الوضع المتقدم» الممنوح للمغرب ضرورة أوربية ملحة، وليس فقط وسام رضا توشح به أوربا صدور من نجحوا في حسن السيرة. ومكافأة «الوضع المتقدم» التي منحت اليوم للمغرب ليست أكثر من مدخل ل«أوضاع متقدمة» ستشمل قريبا بلدان المغرب العربي وجميع الشركاء العرب في الفضاء المتوسطي، بما يخدم المصلحة الأوربية بالأساس. وحتى العضوية المغاربية في أوربا المرفوضة حاليا من الوجهة السياسية والجغرافية وحتى الإنسانية، ستصبح جائزة حينما تستوجب المصلحة الأوربية ذلك. وليس اعتباطا أن يطلب الملك الراحل الحسن الثاني انضمام المغرب إلى الاتحاد الأوربي، وهو من تبنى دائما فكرة السياسة كالفلاحة، كلاهما قائم على فلسفة النضج قبل جني الثمار. وقد بدأت بعض الأصوات الأوربية، على غرار الاشتراكي الفرنسي دومنيك ستروس كان، المدير الحالي لصندوق النقد الدولي، تنادي اليوم باتحاد أوربي من القطب الشمالي إلى الصحراء. وليس من قبيل المصادفة أيضا أن يعد الملك محمد السادس سنة 1993 أطروحته حول التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوربية واتحاد المغرب العربي، خاصة إذا علمنا أن مغربيا من كل عشرة يعيش في الخارج، و88 في المائة منهم بأوربا الغربية، أضف إلى ذلك أن عشرة ملايين هم في عداد الفرانكفونيين. قد يكون في هذا التمازج الجغرافي والثقافي ما يبرر التطلع الأوربي إلى المغرب، خاصة وأن تركيا تعتبر نفسها أوربية لمجرد موطن قدم صغير في الجهة الغربية من البوسفور. ثم إن الشروع خلال السنة القادمة في بناء نفق بمضيق جبل طارق لتأمين مرور أزيد من خمسة ملايين مغاربي، أي أكبر هجرة موسمية في العالم، قد يؤدي إلى تقوية حظوظ المغرب ومعه البلدان المغاربية في الانضمام في المستقبل البعيد ربما إلى الاتحاد الأوربي بدل الاكتفاء بالوضع المتقدم. وإلى حين تحقيق هذا المبتغى الذي من بين أهم عوائقه حالة التمزق والتنافر بين أقطار المغرب العربي نفسها، حيث التبادل التجاري لا يتجاوز 5 في المائة من حجم التجارة الخارجية للدول المغاربية الخمس، يبقى على المغرب أن يستفيد من الوضع الجديد بالتركيز على ثلاث ورشات تهم الشراكة السياسية والاقتصادية لمواجهة التحديات الأمنية بالمتوسط، وتعزيز الاندماج المغربي في السوق الداخلية الأوربية مع الحصول على امتيازات في مجال التصدير، وأيضا دعم التعاون الثقافي والتربوي والعلمي في علاقات المغرب بالاتحاد الأوربي. ولم يخف رئيس مجلس الدراسات والتحاليل الاقتصادية لدى الوزير الأول الفرنسي تذمره من هذا التمزق المغاربي، حيث كشف ل«المساء» أن بلدان المغرب العربي تضيع سنويا، غير متحدة، ثلاث نقط في عملية النمو. ودعا في هذا السياق إلى أهمية إحداث بنك مغاربي للاستثمار من شأنه تقليص مخاطر عدم الاستقرار المالي. ويرى الخبير الاقتصادي أنه بإمكان الجزائر أن توفر الطاقة بأسعار تفضيلية، والمغرب نفس الشيء بالنسبة إلى المواد الفلاحية، وتونس بمقدورها إنعاش السياحة المغاربية... وجميع هذه المؤهلات تضيع عبثا بسبب نزاع لا أساس له.