توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية جهات المغرب وICLEI Africa        إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    ميناء الداخلة الأطلسي: مشروع استراتيجي يحقق تقدمًا بنسبة 27%    مجموعة صناعية دنماركية كبرى تفتح مكتباً في الداخلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة في الصحراء المغربية    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    الركراكي: الصبر والمثابرة أعطيا ثمارهما    يحدث هذا في فرنسا … !    توقيف شخص بمكناس يشتبه في تورطه في حيازة وترويج المخدرات    حادثة سير مميتة بتارودانت تخلف أربعة قتلى    الصناعة الرياضية: من الملاعب إلى التنمية    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت وإصابات في تل أبيب إثر قصف صاروخي من لبنان    مكناس.. اعتقال شخص بحوزته 1689 قرص من "الإكستازي" و"الريفوتريل"    اليوم ال1000 للحرب الأوكرانية.. بوتين يوقّع مرسوما يوسع إمكان اللجوء إلى السلاح النووي    النفط يرتفع مع توقف الإنتاج في حقول نفطية    زنيبر: الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19 زادت من تفاقم الآثار "المدمرة بالفعل" للفساد    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    شركة سوفيرين برو بارتنر جروب في قطر تعلن عن انضمام مدير عام جديد إلى فريقها، لقيادة مسيرة التوسع وتعزيز التعاون الاستراتيجي، في خطوة طموحة تنسجم مع رؤية قطر الوطنية 2030    جمعية الإمارات لطب وجراحة الصدر تضيء برج خليفة في حملة توعوية لمكافحة مرض الانسداد الرئوي المزمن    المنتخب الكويتي يختبر المدرب سلامي    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة        جبهة مناهضة التطبيع تتضامن مع ناشط متابع على خلفية احتجاجات ضد سفينة إسرائيلية    كيوسك الثلاثاء | مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب في المركز 76 عالميا    شخص يعاني من اضطراب نفسي يضع حدًّا لحياته شنقا ببني عمارت نواحي الحسيمة    المدير الإقليمي للشركة المتعددة الخدمات لبرشيد: المحطة الجديدة جزء من الاستثمار المستمر في تحسين أنظمة توزيع المياه بالمدينة وبجودة عالية    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي        صحافيون جزائريون يستحضرون مساهمة المغرب في استقلال الجارة الشرقية    أشرف حكيمي ضمن المرشحين الخمسة للفوز بلقب أفضل لاعب إفريقي للسنة    زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح عاصفية مرتقبة بعدد من أقاليم الممكلة    المفوضية الجهوية للأمن بأزرو…استعمال السلاح الوظيفي من قبل شرطي لتوقيف متورطين في اعتراض وتهديد سائق أجرة    "أطباء القطاع العام" يعلنون خوض إضراب وطني عن العمل احتجاجا على حكومة أخنوش    المنتخب المغربي يختتم تصفيات كأس إفريقيا 2025 بالعلامة الكاملة    الشرادي يكتب : عندما تنتصر إرادة العرش والشعب دفاعا عن حوزة الوطن وسيادته    العراقي محمد السالم يعود لجمهوره المغربي بحفل كبير في مراكش    المغنية هند السداسي تثير الجدل بإعلان طلاقها عبر "إنستغرام"    مجموعة العشرين تعقد قمة في البرازيل يطغى عليها التغير المناخي والحروب وانتخاب ترامب        الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    الكرملين يتهم بايدن ب"تأجيج النزاع" في أوكرانيا بعد سماح واشنطن باستخدام كييف أسلحتها لضرب موسكو    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصوري للمساء : مقاولات الأمن الخاص تسبح في بيئة من الفوضى
قال إن الخلل الذي يعتري قطاع الأمن الخاص مرتبط بتطبيق القانون ومحاربة الفساد
نشر في المساء يوم 22 - 02 - 2012

يرى إبراهيم منصوري، أستاذ التعليم العالي (شعبة العلوم الاقتصادية) بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن قطاع الأمن الخاص يعيش نوعا من الفوضى،
بل يكاد يكون سوقا مفتوحة لأي كان، وأفضل وصف يليق بها هو أنها تسبح في بيئة من الفوضى. ويعتقد أن المسؤول الأول عن تنظيم المهنة وفرض احترام المقاولات للشروط القانونية هو الدولة، حكومة مركزية وجماعات محلية والبرلمان والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وحتى المواطن العادي.
- رغم صدور قانون 27.06 سنة 2007، بهدف وضع إطار منظم لعملها، فإن الفوضى ما تزال تحكم قطاع شركات الأمن الخاص. أين يكمن سبب هذا الخلل في رأيك؟ وما هي الجهة المفروض أن تتدخل لفرض احترام القانون؟
أود أن أشير، في البداية، إلى فكرة واسعة الانتشار لدى الناس مفادها أن بزوغ شركات الأمن الخاص أو ما يمكن أن نسميه بخوصصة الأمن هو بمثابة انعكاس لضعف النظام السياسي وعجزه عن توفير الأمن للمواطنين. إلا أن ظاهرة خوصصة الأمن هي في الحقيقة ظاهرة عالمية تتساوى فيها البلدان المتقدمة كما بلدان الجنوب الأقل نموا. كما أن بزوغ شركات الأمن الخاص لا يعني دائما اندحارا تاما لقوة الدولة، بل ترجمة لإعادة التحكم في احتكار الدولة للعنف المشروع كما وصفه عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر، في إطار الإكراهات الجديدة التي يفرضها تقلص تدخل الدولة وهيمنة النموذج الليبرالي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن الدولة يمكن أن تحافظ على قدرتها على التأثير في قطاع الأمن، رغم خوصصة جانب منه، من خلال القوانين التنظيمية والتدخلات المباشرة.
على هذا الأساس، تم إصدار القانون 27.06 سنة 2007، الذي يروم تقنين وتنظيم المهنة بعدما كان القطاع يسبح في بيئة فوضوية تفتقر إلى أي نص قانوني يوجهه. تكمن أهم مزايا هذا القانون في توضيح الشروط اللازمة لإنشاء مقاولات الأمن الخاص والقيام بالأنشطة المرتبطة به والتدابير الجنائية التي يتم اتخاذها في حالة الإخلال بالقانون والتفريق بين أنشطة الحراسة وتلك المتعلقة بالنظافة، إلا أن هذا القانون، على الأقل قبل 2010، لم يرفق بنص تطبيقي يوضح بالملموس شروط خلق شركات الأمن الخاص والتدابير التطبيقية المتعلقة بالإخلال بالقانون وقانونية حمل السلاح والتكوينين الأساسي والمستمر والحد الأدنى للأجور. وحتى بعد صدور النصوص التطبيقية سنة 2010، ما زال قطاع الأمن الخاص يعيش نوعا من الفوضى، ويكاد يكون سوقا مفتوحة لأي كان، بل يكاد يتناسل كما تتناسل الأرانب وينبت كما تنبت النباتات الفطرية ويتوسع كما تتوسع مخادع الهاتف، وكأن الأمن كقطاع استراتيجي يمكن مزاولته حتى من طرف من لا يفقه فيه شيئا. والغريب في الأمر أن هذا القطاع الدقيق في المغرب لا تتوفر فيه في كثير من الحالات شروط التكوين الأساسي والتكوين المستمر الضروريين لتحسين المهنية وتنمية الأداء الأمني. وحتى القانون المنظم للمهنة لم يركز بما فيه الكفاية على أهمية التكوين من أجل الرقي بمستوى القطاع ودعم أمن البلاد ككل. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الاستغلال المفرط لعناصر الأمن الخاص أدى في كثير من الحالات إلى تدهور وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي إلى قلة تفانيهم في العمل اليومي الرامي إلى ضمان الأمن للأفراد والممتلكات، فأصحاب شركات الأمن الخاص ينحون غالبا إلى تشغيل أفراد ذوي تكوين متدن حتى يتمكن هؤلاء الرأسماليون الجدد (أصحاب الشكارة) من تجنب الإنفاق الناجم عن التكوين وتكريس الاستغلال البشع للطبقة الكادحة من خلال منحهم أجورا بئيسة.
هذه هي بعض مكامن الخلل الذي يعانيه قطاع الأمن الخاص في المغرب، رغم صدور القانون 27.06 والنصوص التطبيقية المتعلقة به. وبصفة عامة، فإن كثيرا من القوانين في المغرب تتميز بجمالية نصوصها وسلاسة أسلوبها، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع هو جوهر المشكل. إذن، سبب الخلل الذي يعتري قطاع الأمن الخاص هو في الأساس التقصير في تطبيق القانون وفي محاربة الفساد، ما دام أصحاب شركات الأمن الخاص يزاولون مهامهم خارج القانون، وما دام تطبيق القانون في هذا المجال منفصما عن صياغته. في الدول الأكثر ديمقراطية، تأخذ صياغة القوانين والمصادقة عليها وقتا أطول قبل أن تمر إلى التطبيق بشكل أسرع مما هو عليه الحال في الدول الأقل ديمقراطية. ويعود هذا الفرق إلى أن استصدار القوانين في البلدان الديمقراطية يستوجب حوارا واسعا وتوافقا بين الفاعلين السياسيين يأخذ في كثير من الأحيان وقتا أطول، بينما يمر القانون داخل أروقة حكومات وبرلمانات الدول الأقل ديمقراطية مر الكرام في انتظار المقاومة الشرسة لتطبيق تلك القوانين من طرف جمع من الباحثين عن الريع. هذا هو السبب الرئيسي للبيئة الفوضوية التي تسبح فيها مقاولات الأمن الخاص المغربية، التي توجد من بينها وحدات لا تتوفر حتى على مقر رسمي وفي أحسن الحالات تتخذ من المرائب (الكراجات) مقرات لها.
من المسؤول عن عدم تطبيق القانون المتعلق بالأمن الخاص؟ المسؤول الأول بالطبع هو الدولة، حكومة مركزية وجماعات محلية والبرلمان والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وحتى المواطن العادي. فمن الغريب أن المواطن يحمّل الدولة وحدها جميع مشاكل البلاد والعباد وكأنها كائن خارجي آت من مجرة بعيدة ولا علاقة بينها وبين باقي مكونات المجتمع. بالطبع، يجب على الدولة أن تتدخل لحماية الحق والقانون، وهي الضامنة لذلك، ولكن جميع مكونات المجتمع، أفرادا وجماعات، يجب أن تعمل بجدية من أجل إنجاح مشروع دولة الحق والقانون. وفي إطار هذه اللعبة التعاونية بين الدولة ومكونات المجتمع، يمكن لوزارة الداخلية الوصية على الأمن، ووزارة التشغيل الوصية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة، ووزارة العدل والحريات أن تقوم بدورها الأكمل من أجل إعادة التحكم في قطاع الأمن وتقنينه وتنظيمه من أجل الحفاظ على سلامة الأفراد والممتلكات وتحقيق الاستقرار الذي بدونه لا يمكن بلوغ معدلات نمو مرتفعة على المدى الطويل، ولا يمكن بالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
- هل ترى أن القانون استطاع تنظيم القطاع أم أنه كرس وضعا قائما؟
أعتقد أن عدد مقاولات القطاع الخاص التي تحترم دفتر التحملات ما زال ضعيفا بالنظر إلى انعدام تخصص أرباب العمل في مجال الأمن، وتدني التكوين الأساسي والمستمر لعناصر الأمن الخاص، وعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، والتأمين على المخاطر والتغطية الصحية والتسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعدم الالتزام بسقف ثمان ساعات من العمل يوميا، وعطلة نهاية الأسبوع، والعطل السنوية، والتقاعد، وأداء الضرائب المستحقة للدولة. فلو طبق القانون بحذافيره في هذه المجالات المتعددة لتم التشطيب على عدد هام من الشركات التي سميت ظلما وعدوانا بشركات الأمن الخاص.
في كثير من الحالات، رغم استصدار القانون 27.06 ونصوصه التطبيقية، لا تربط رب العمل بالأمن أي رابطة أو يكون تكوينه، في أحسن الأحوال، في هذا الميدان متدنيا. كما أن أفراد الأمن يتم تشغيلهم دون الاعتماد على تكوينهم الأساسي وكذا تكوينهم المستمر. فكما هو ظاهر للعيان عند عتبات بعض المؤسسات العمومية والخاصة، يمكن لأي مواطن أن يلاحظ أن بروفيلات بعض حراس الأمن لا تتناسب تماما مع الوظيفة الأمنية التي يشغلونها. فإما أن تجد إنسانا يحمل شهادة جامعية، ولكن بنيته الجسدية لا تمكنه حتى من حراسة نفسه، ناهيك عن حماية عباد الله وممتلكاتهم، وإما تلقى إنسانا مفتول العضلات ومتمتعا «بالطولة والتجريدة»، ولكن مداركه الفكرية والإجرائية لا تمكنه حتى من الفهم الصحيح لكيفية اشتغال جهاز إطفاء النيران أو كتابة تقرير بسيط عن حدث ما، ناهيك عن عجزه عن كيفية التعامل بنجاعة وسرعة إثر الأحداث الطارئة. أما عن الأجور التي تصرف لعناصر الأمن الخاص فحدث ولا حرج، فهي أجور بئيسة بكل المقاييس، وهذا ما يفسر في كثير من الأحيان لجوء الحراس إلى الارتشاء ومضايقة الناس. يضاف إلى ذلك غياب العطل والتغطية الصحية وطول ساعات العمل والتأمين وهلم جرا.
هذه الفوضى المقننة تبين أن النصوص القانونية لم تستطع إلى حد الآن أن تنظم قطاع الأمن الخاص تنظيما محكما. وهذه الفوضى هي التي تضر أساسا بمردودية ومستقبل المقاولات التي تحترم دفتر التحملات لأنها لا تستطيع أن تصمد في خضم مناخ تنافسي غير شريف تجتاحه شركات تقترح على زبنائها خدمات بخسة الثمن مع المواظبة على صرف أجور لا تليق بآدمي.
- الإحصائيات تتحدث اليوم عن وجود أزيد من 3500 شركة مقارنة ب120 شركة سنة 2006. هل يتسع المجال لهذا العدد الهائل؟ وأي تأثير سيكون لهذا التفريخ غير المقنن، علما أنه يكفي تأسيس شركة مجهولة الاسم وتقديم طلب إلى الولاية (وزارة الداخلية) لمزاولة المهنة؟.
أعتقد أن هذا العدد الهائل من المقاولات يشمل شركات الأمن والنظافة ونقل الأموال مجتمعة. وتدل المعطيات المتوفرة على أن عدد هذه المقاولات ارتفع بنسبة تفوق 2866 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2006 إلى 2011، أي بنسبة مئوية تفوق في المتوسط 196 في المائة سنويا. إلا أن المشكلة لا تتعلق بهذا العدد الهائل من الشركات ما دامت الدراسات تبين أن الطلب على خدمات الأمن الخاص تفوق كثيرا العرض المتوفر، مما يندر بأن هذا العدد مرشح لمزيد من الارتفاع في السنوات القادمة.
إن المشكل المطروح هو ضعف احترافية هذه المقاولات في كثير من الحالات. الإشكالية إذن ليست في الكم، ولكن في جودة الخدمات بالأساس. فالاختلال بين العرض والطلب في ميدان الأمن الخاص يغري بتفريخ المزيد من المقاولات التي ليس لها مع الأمن إلا الخير والإحسان. وهذا التفريخ غير المحمود يغذيه اختلال آخر بين العرض والطلب في سوق العمل، غير أن هذا الاختلال معكوس بالمقارنة مع الاختلال المستشري في سوق الخدمات الأمنية بين العرض والطلب. وبعبارة أوضح، فإن الطلب يفوق العرض في سوق الخدمات الأمنية، بينما العرض يفوق الطلب في سوق العمل ككل. وهذا ما يمكن «أصحاب الشكارة» من مواصلة صرف أجور هزيلة لمستخدميهم في سياق يتسم بالتسيب وغياب التطبيق الأمثل للقانون.
- تعيش العديد من الشركات أوضاعا هشة، ويعاني مستخدموها كثيرا من المشاكل. من يتحمل، في رأيك، مسؤولية مراقبة هذه الشركات والحد من استغلال العاملين بها؟
كما قلنا في السابق، يعاني الكثير من مستخدمي شركات الأمن الخاص بالمغرب استغلالا بشعا وأوضاعا تتسم بهشاشة سافرة في قطاع يتميز بإستراتيجيته ودقته البالغة. كما أن هؤلاء المستخدمين يعانون الإجهاد بفعل الطول الجهنمي لساعات عملهم المفروضة من طرف أرباب العمل، الذين لا يهمهم إلا استخلاص المزيد من فائض القيمة المطلق من عرق جبين العامل الكادح، وبالتالي تعظيم أرباحهم على حساب أناس لا يملكون إلا قوة عملهم التي يعرضونها بأبخس الأسعار. كما أن الكثير من مستخدمي القطاع لا يستفيدون من التغطية الصحية ولا من الحق في العطل والتقاعد.
إن تطبيق القانون ومحاربة الغش من شأنهما أن يحدا من هذا الاستغلال البين لمستخدمي الأمن الخاص وإجبار أرباب العمل على تحسين أوضاع الشغيلة ووقف جشع المنتفعين حتى لا يبقى في سوق الأمن الخاص إلا من هو أهل لذلك.
- هناك نقص كبير في المعاهد التي تخرج حراسا مهنيين، رغم أن القانون يفرض توفر هذا الشرط. هل تبدو فكرة معهد متخصص غير مجدية بالنظر إلى الأجور الهزيلة التي تؤدى وعدم التزام المشغلين بما يفرضه القانون؟
شتان بين صياغة القانون وتطبيقه، فالقانون المصاغ على الورق يفرض توفر الشرط الأساسي للتكوين الأولي والمستمر، فيما الواقع المعيش داخل القطاع يقول شيئا آخر! إن الواقع المعيش هو بمثابة مقبرة للقانون المصاغ لأن هذا الأخير لا يطبق، بكل بساطة، كما يجب.
يمكن تقييم نوعية الحكامة لدى شركات الأمن الخاص انطلاقا من تقييم مستوى الاحترافية ودرجة استغلال العمال. والاحترافية مرتبطة أساسا بالتكوين الأساسي وكذا المستمر اللذين لا تعيرهما كثير من الشركات الاهتمام المطلوب. ومن هذا المنطلق، فإن خوصصة الأمن زادت من حدة مشاكل الحكامة الديمقراطية في المغرب. ولذلك من أجل تحسين الحكامة في القطاع الأمني، وكذا تقوية الحكامة الديمقراطية في البلاد، لا مناص من تدخل الدولة ومراقبتها لشركات الأمن الخاص، سيما في ميدان التكوين الأساسي والتكوين المستمر. وكلما توفرت الحكامة الجيدة داخل المقاولة، تحسنت الحكامة الديمقراطية على مستوى أجهزة الدولة. وبما أن أداء شركات الأمن الخاص سيء احترافيا، فإن أمن البلاد سيتأثر لا محالة. فسوء الحكامة لدى شركات الأمن الخاص يؤثر سلبا على الحكامة الديمقراطية على المستوى الكلي وتبقى الدولة مسؤولة على هذا الوضع نظرا لضعف عناصر المسؤولية والشفافية ومصداقية القوانين التي تحدد بشكل أساسي نوعية الحكامة الديمقراطية.
وينتظر من شركات الأمن الخاص أن تحسن حكامتها، إلا أنه من غير المعقول أن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي في انتظار تحسن تلك الحكامة. إذ لا بد من تدخل الدولة في هذا المجال ولا بد من مراقبة فعالة للقطاع في إطار المفهوم الجديد للسلطة. يبدو أن شركات الأمن الخاص أساسية لتحريك دواليب دولة عصرية. والمشكل لا يتمثل الآن في قبول أو عدم قبول شركات الأمن الخاص، بل في استخدامها لاستتباب الأمن. وفي هذا الصدد، تعتبر نوعية الاحترافية وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال عناصر أساسية في إطار الحفاظ على الأمن وتحسين الحكامة الديمقراطية.
يمكن تحسين أداء مستخدمي الأمن الخاص بتمكينهم من تكوين عال وناجع. وبما أن الأمن الخاص هو بمثابة مكمل لما يقوم به جهاز الأمن النظامي، فإن الدولة يجب أن تساهم في التكوين في هذا المجال عبر معاهد متخصصة، كما في إطار البرامج العامة لمؤسسات التكوين المهني. إلا أن شركات الأمن الخاص يجب عليها أيضا أن تستثمر في ميدان التكوين الأساسي والمستمر بشراكة مع الدولة في إطار نوع من التكامل والتآزر..
بعض المقاولات تدفع رشوة للفوز بالصفقات
- هناك مشكل احترافية العاملين بالشركات وحصولهم على تكوين أولي وتكوين مستمر. في رأيك من يتحمل مسؤولية الالتزام بهذين الشرطين؟
التكوين الأساسي والتكوين المستمر كدعامتين أساسيتين لشركات الأمن الخاص هما اللذان يحددان بالملموس درجة الاحترافية لدى هذه الشركات. ويمكن تعريف التكوين الأساسي النظري والتطبيقي بأنه التكوين الأولي الهادف إلى منح الشباب المعرفة والمهارات اللازمة لتهييئهم لتحمل المسؤولية. أما التكوين المستمر فيرمي إلى المتابعة النظرية والتطبيقية لما يجري في الحقل المهني المتعلق بقطاع الأمن، محليا وجهويا ودوليا.
إن التكوين الأساسي في ميدان الأمن الخاص يجب أن يشمل منهجيا كل الشركاء والأطراف المعنية، بمن فيهم المكونون الرئيسيون والزائرون وقوات الأمن النظامية. كما يجب تأطير التكوين النظري والتطبيقي من طرف احترافيين ذوي تكوين عال، وأن يشمل هذا التكوين مجالات هامة ولازمة للأمن الخاص كعلم النفس وتقنيات التعبير والتواصل ونوعية السلوك في المجتمع واللغة ومهارات الكتابة والتحرير اللازمة لكتابة تقارير أمنية وتقنيات الأمن وإخلاء البؤر الساخنة والوقاية من النيران وكيفية إخمادها والمراقبة الذاتية. ويجب أن يتم تعليم كل هذه المجالات بشراكة مع المؤسسات العمومية كالهلال الأحمر والوقاية المدنية والشرطة النظامية والمؤسسات المكلفة بالتكوين المهني وغيرها. ولكن للأسف، كما تبين ذلك تصريحات بعض مسيري وعمال شركات الأمن الخاص، يشهد القطاع حاليا مستوى متدنيا من الاحترافية تتجلى في نقص التكوين، الذي لا يهدد أمن العمال فقط، بل أمن البلاد ككل. فبالإضافة إلى أنهم يتقاضون أجورا هزيلة، يلاحظ أن أعوان الأمن يعانون من مستوى تعليمي هزيل وتكوين بدائي يرثى له.
ويرى الكثير من مهنيي القطاع أن ارتفاع الطلب على الأمن أدى إلى تدهور نوعية الخدمات الأمنية، وأن شركات الأمن الخاص تميل إلى الاشتغال في قطاع يسيطر عليه الهواة والانتهازيون. ويرى المهنيون أن أهم نواقص القانون 27/06 المنظم للقطاع تتمثل في كونه يتجاهل حتى تعريف المهنة ويهمل معايير تكوين وتوظيف العمال.
- يلاحظ أن دور عدد من الجمعيات، التي تجمع عددا من مسيري هذه الشركات، يبقى شكليا. كيف ترى إمكانية مساهمة الجمعيات في تنظيم هذا المجال؟
إذا كان المجتمع المدني منظما تنظيما محكما، وكان يتوفر على المصداقية الضرورية، ويحترم أخلاقيات العمل، فلا شك أنه يمكن أن يساهم في تأطير الأفراد والجماعات وأن يؤثر في السياسات العمومية تأثيرا إيجابيا. إلا أن المشكلة المطروحة في قطاع الأمن الخاص تتجلى في غياب الإرادة لدى الكثير من الشركات في الانتماء للجمعيات. وحتى القرارات المتفق عليها داخل بعض الجمعيات تبقى في كثير من الحالات حبرا على ورق لأن هذه الشركات، وما أكثرها، تتسم بالانتهازية والجشع.
وتوضح تصريحات بعض أرباب شركات الأمن الخاص، المنضوية تحت لواء جمعيات بعينها، أن كل مقاولة منتسبة إلى الجمعية تحاول أن تفوز بالصفقات لدى الزبناء العموميين والخواص مستعملة في ذلك كل الوسائل المتاحة ضدا
على القانون، بما في ذلك دفع الرشاوى وتقزيم قيم الصفقات على حساب أجور الطبقة الكادحة ووضعيتها الاجتماعية الهشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.