لم يمر مشروع تصميم تهيئة مدينة فاس بردا وسلاما على جمعيات المجتمع المدني، التي قررت أكثر من 40 جمعية منها إعداد مذكرة تعلن فيها رفضها المشروع، فيما هدد حزب العدالة والتنمية بالنزول إلى الشارع لمعارضته. أما الجهة الوصية على المشروع، فإنها تقول إن كل ما يروج من انتقادات مجرد «إشاعات وعبث». «المساء» تنقل في هذا الربورتاج تفاصيل الجدل الدائر حول المشروع ووجهات نظر مختلف الأطراف بخصوصه. «صراع انتخابي» على خلفية مشروع تصميم التهيئة هدد نشطاء حزب العدالة والتنمية ب«التظاهر» في الشارع للمطالبة ب«إلغاء» هذا المشروع، الذي «لا ينسجم»، حسب تعبيرهم، مع تطلعات الساكنة من أجل «مدينة مستدامة». ورفض مسؤول التعمير والإسكان في الجهة الخوض في هذا الموضوع ووصف إدارته في الندوة الصحافية التي نظّمها ب«الإدارة المسؤولة» وقال إنهم «لا يعملون السياسة».. وتشير مصادر إلى أن من شأن المشروع أن يتحول إلى معركة انتخابية محلية بين حزب العدالة والتنمية، الموجود في المعارضة داخل المجلس الجماعي، وبين حزب الاستقلال، الذي يسيّر الشأن المحلي للمدينة وجل مقاطعاتها. وكان من المقرر أن يعقد حزب العدالة والتنمية ندوة صحافية، بعد ندوة التعمير والإسكان، لكنه قرر، في آخر لحظة، إلغاءها واكتفى بعض أعضائه ببعث «رسالة هاتفية قصيرة» تخبر بتأجيل الندوة دون تقديم أي توضيحات حول ملابسات التأجيل. يثير مشروع تصميم مدينة فاس الكثير من الجدل في أوساط جمعيات المجتمع المدني، فقد قررت أكثر من 40 جمعية إعداد مذكرة تعلن فيها رفضها المشروع، فيما هدد حزب العدالة والتنمية، في لقاء تواصلي عقده حول المشروع، بالنزول إلى الشارع لمعارضة مخطط سيرْهن مستقبل المدينة لما يقارب 10 سنوات. والتزم مسؤولو وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، ومعهم مسؤولو الوكالة الحضرية للمدينة، الصمت تجاه هذه الانتقادات، ورفضوا المشاركة في ندوات استُدعوا إليها، لكنهم اضطروا، بعد ذلك، إلى عقد ندوة صحافية قدّموا فيها مرافعاتهم للدفاع عن المشروع ووصفوا الانتقادات التي وجهت له ب»الإشاعات». جرافات.. في يوليوز 1997، تم تشجير 147 هكتارا في منطقة «واد فاس»، كجزء من الحزام الأخضر للمدينة، لكن الجرافات عمدت، في بداية يناير من سنة 2008، بعدما اشتد عود الأشجار، إلى اقتلاعها، رغم أن المنطقة فيضية ولا تصلح للبناء، حسب الفعاليات التي تنتقد مشروع تصميم التهيئة. وقال عبد الحي الرايس، وهو من أبرز الفعاليات الجمعوية المعارضة لهذا المشروع، إن ساكنة فاس تطمح إلى مشروع تهيئة يُؤمّن التوزانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمدينة، عبر تحقيق التناسق العمراني وتوظيف المجال في خدمة السكان وتوفير ما لا يقل على 2000 هكتار من المساحات الخضراء، داخل المدينة وليس خارجها، وإحداث أحياء صناعية ومرافق اجتماعية تليق بهذه المدينة، التي تُقدَّم على أنها عاصمة علمية وتاريخية للمغرب. وتحتاج المدينة، طبقا لهذا الفاعل الجمعوي، إلى فضاء طرقي يتلاءم مع مستجدات التعمير وإلى برمجة إحداث محطات طرقية ومحطات لوقوف السيارات وغيرها من المحطات والمسارات المساعدة على تأهيل وتعزيز النقل الحضري. تفويتات تتعلق أول ملاحظة يواجه بها معارضو المشروع معديه بالتعارض «الصريح» مع التصميم المديري للتعمير لسنة 1995، والذي ما يزال ساري المفعول. وينص هذا التصميم المديري على أن تحاط المدينة بحزام أخضر بعمق كيلومترين وعلى مساحة 20 ألف هكتار. كما أن المشروع بارك، في نظر المحتجين، تفويتات الجماعة الحضرية لفاس لرصيدها العقاري في مناطق واد فاس وملعب الخيل وساحة صوفيا ومشروع متنزه ظهر المهراز وتجزئتي القرويين والحديقة. وكان من المفترض، حسب الجمعيات، أن تُوظَّف هذه الأرصدة العقارية لتلبية حاجة المدينة إلى مناطق خضراء ومرافق وتجهيزات عمومية. وبمقتضى هذا المشروع، سيتم الترخيص للبناء وتشييد العمارات في منطقة المرجة، وهي في نظر المعارضين، منطقة فيضية معروفة بقربها من الفرشة المائية، تغمرها الفيضانات كلما حل فصل الشتاء. وكان قد تم تشجير غابة ظهر المهراز، المجاورة للسكن الصفيحي الذي يحمل نفس الاسم، في مطلع ستينيات القرن الماضي، لكنها أصبحت معرضة للاجتثاث، يورد عبد الحي الرايس في أحد عروضه حول الموضوع، وأصبح البنيان يزحف عليها. وكانت منطقة ملعب الخيل متنفَّساً وملعبا لساكنة المدينة وخرّج ملعبها عددا من أبطال كرة القدم.. وتقرر، في سنة 2001، إنجاز ملعب الخيل، على مساحة 18 هكتارا من أصل 32 هكتارا، وأثناء إعادة تقديمه في سنة 2006، قيل إنه سيكون متنزها عموميا وسينجز على مساحة 11 هكتارا، وتقلصت المساحة إلى 8 هكتارات.. وينص مشروع تصميم التهيئة على إحداث 2000 هكتار من المساحات الخضراء، بما قدره 15 مترا مربعا للساكن، في داخل المدينة وخارجها. لكن المعارضين يشيرون إلى أن المواقع التي أوردها المشروع لإحداث هذه المساحات الخضراء توجد في مواقع يتعذر اقتناؤها أو ترحيل سكانها، كالموقع السابق ل«الساتيام» وحي الشرطة في شارع مولاي يوسف وفي هامش المدينة عند سفح تغات، الذي «تستوطنه» العمارات حاليا، ومناطق أخرى من ضفاف واد فاس، التي يكتسحها البناء، ومنحدرات ويسلان، التي هي في ملك الخواص، وفي أراضٍ فلاحية تابعة لجماعة عين الشقف وعين بيضا وأولاد الطيب. ولم يبق في هذا المجالات كلها سوى غابة عين الشقف، التي «طوّقها» البنيان، الذي يهددها بدورها ب»الابتلاع».. ابتلاع.. حظيت الطرق، بدورها، بانتقادات المعارضين الذين يشيرون إلى أن الطرق الدائرية التي تم التخطيط لها لمعالجة اختناقات المرور تعرضت للتقليص في بعض مقاطعها، وجاء المشروع مزكيا لهذا الوضع. فقد تعرض الشارع الحضري، بعرض 50 مترا، في مقطعه بين طريق صفرو وطريق إيموزار للتقليص إلى 16 مترا في ملتقاه مع زنقة شنكيط. وأقر مشروع تصميم التهيئة هذا الوضع. وعرف الطريق الدائري الداخلي في مقطعه في شارع خليل مطران لتقليص عرضه من 30 مترا إلى 16 مترا، ضدا على المخططات السابقة، في حين نص على توسيع بداية شارع مولاي رشيد من 25 مترا إلى 30 مترا، أمام عمارات مصفوفة منذ ما قبل الاستقلال. وتغير تنطيق عدد من الدارات، التي تحولت إلى عمارات في حي بورمانة، دون أن تعرف أزقته التوسعة. إشاعات مع اشتداد موجة الانتقادات ضد المشروع، اضطر مدير الإسكان والتعمير في الجهة، ومعه مدير الوكالة الحضرية، في منتصف الأسبوع الماضي، إلى عقد ندوة صحافية في مقر المديرية. ووصف المدير الجهوي للإسكان، عبد القادر بن باسو، هذه الانتقادات ب«الإشاعات والعبث» وقال إن هناك من لا يرغب في أن يخرج تصميم التهيئة إلى حيّز الوجود. وأشارت وثيقة للمديرية إلى أن المشروع يهدف إلى توفير تجهيزات مهيكلة في المدينة وتشجيع الاستثمار فيها وحماية مواقعها البيئية وشبكتها المائية وامتصاص العجز في السكن الاجتماعي ومعالجة السكن غير اللائق والتحكم في حركة السير والجولان وفي التوسعات العمرانية الهامشية. وقال بن باسو إن المشروع لا يتناقض مع التصميم المديري الذي تم احترام اقتراحاته الكبرى، حسب تعبيره، وإنه احترم المساطر الإدارية التي يجري العمل بها. وقد قطع المشروع، حسب تصريحات المتحدث نفسه، جميع المراحل القانونية. وأسندت الدراسة لمكتب دراسات مغربي مختص، بعد أن انطلق بعرض دولي، واستمرت الدراسة حوالي سنتين وتم عرض المشروع على أنظار اللجنة المحلية التقنية في أبريل الماضي. وعلى ضوء ملاحظات هذه اللجنة، تم إدخال تصحيحات في المشروع وتم تنظيم بحث عمومي. وتوصلت المصالح المختصة، إلى حدود فاتح فبراير الجاري- بحوالي 1200 تعرضا. وأشار بن باسو إلى أن التصميم السابق قد اعترض عليه بحوالي 15 شكاية وتم اعتماده، في نهاية المطاف. وقُرئت هذه الإشارة على أن إدارة الإسكان محليا عازمة على المضي قدما بالمشروع إلى الأمام، فيما يُصِرّ المعارضون على نقل المعركة إلى البرلمان ووزارة الإسكان في الرباط وإلى الأمانة العامة للحكومة. وأكد بن باسو، في ردود لا تخلو بدورها من الحدة، أن بعض المواقف المعلن عنها تجاه المشروع هي مواقف مسبقة، و«البعض لم يقرأ المشروع». وبخصوص منطقة المرجة، التي تُقدَّم على أنها «هشة»، أوضح بن باسو أن الانتقادات حولها ترمي إلى «تغليط الناس». وحسب تصريحاته، فإن التصميم نص على إعادة هيكلة هذه المنطقة وحرص على حماية الأجزاء التي تتعرض للفيضانات. وذكر أن السكان في تصاميم التهيئة ليس لديهم عادة موقف موحد، كما هو الشأن في حي بورمانة، الذي جرى تنطيق داراته. فهناك من يفضلون العمارات وهناك من يرغبون في عمارات بعلو أكثر، وهناك من يدافعون عن الفيلات. وراعى المشروع الحل الوسط لتدبير هذا الاختلاف. ولم تخْلُ إجابات مدير الوكالة الحضرية لفاس من نفس الحدة، فقد قال إن معدي المشروع لم يتحاوروا مع جمعيات المجتمع المدني، لأنهم يعتبرون أن المجتمع المدني مُمثَّل في المنتخبين، وقال إن العمارات تهدف إلى خلق مدينة مكثفة للحد من الإجهاز على العقارات. وأشار إلى أن رفض المشروع من قِبَل الأمانة العامة للحكومة عادة ما يكون بخسائر كبيرة، لأنه يفرض، في أحسن الأحوال، إعادة البحث العمومي وفي بعض الأحيان إعادته من البداية. التزامات في اللقاء التواصلي الذي نظمه حزب العدالة والتنمية حول الموضوع، شن البرلماني حسن بومشيطة، عن نفس الحزب، انتقادات شديدة تجاه كل من الوكالة والجماعة الحضريتين لفاس ووصف برمجة تصميم التهيئة في الوقت الحالي ب«التدليس». وانتقد طريقة نشر المشروع في مقر الجماعة الحضرية ل«تمكين» المواطنين من الاطّلاع عليه، وأشار إلى أنه تم اللجوء إلى «نسخة فريدة» وكبيرة الحجم لعرضه، ما لا يتيح لعدد من المواطنين مهمة الاطّلاع عليه في مقر جماعة يعاني من الاكتظاظ والفوضى. كما انتقد نشر الإعلان عن تاريخ البحث العمومي في جريدة يومية أشار إلى أنها محدودة الانتشار وقال إنه لم تتم استشارة عدد من المصالح الخارجية أثناء وضع المشروع، ومنها السكك الحديدية وقطاع الصحة، واعتبر أن الغرض من كل هذه «الإجراءات» هو تمرير المشروع «خلسة». ومن جهته، برر المدير الجهوي للإسكان والتعمير والتنمية المجالية في فاس عدم حضوره أشغال هذا اللقاء التواصلي لحزب العدالة والتنمية بالقول إنه استدعي إلى القاء دون علم مسبق بتاريخه ودون مراعاة لالتزاماته وقال إن الطريقة التي وجهت له بها الدعوة «غير لائقة»، فيما نفى مدير الوكالة الحضرية لفاس أن يكون قد تلقى أي دعوة لحضور هذا اللقاء. وقد سبق لمنتدى جمعيات فاس أن عقد، بدوره، لقاء حول المشروع ووجّه دعوات للمسؤولين، لكنْ لم يحضر أي منهم، ما فتح المجال أمام ما أسماه مدير الإسكان «إشاعات». سماسرة وسرية وجمعيات تحتج تقول عريضة للجمعيات المعارضة للمشروع إن تصميم التهيئة هذا يتعارض مع التصميم المديري للتعمير لسنة 1995، والذي ما يزال ساري المفعول. وتشير العريضة إلى أن المشروع يهدد ب»ابتلاع» الأراضي الفلاحية الخصبة ليوظفها في خدمة المضاربات العقارية، دون أن يعير الاهتمام اللازم لحاجات المدينة التنموية ولباقي مرافقها العمومية. وتنتقد الجمعيات ما أسمته التكتم والسرية اللذين طبعا إعداد المشروع وعدم إشراكها في تحديد الاختيارات والتوجهات التي تشكل العمود الفقري لدفتر التحملات الخاص بإعداد وثائق التعمير. ويورد المسؤولون عن إعداد المشروع، من جهتهم، أن «التصاميم السابقة كانت «تباع» من قبل سماسرة متخصصين» لأصحاب المصالح، وهو ما دفع، أثناء إعداد المشروع الحالي، إلى إضفاء نوع من السرية على المشروع. وسجلت مذكرة الجمعيات، ضمن انتقاداتها، أن الرصيد العقاري الذي يُفترَض توظيفه في تلبية حاجات المدينة وسكانها بات يُرصَد للمضاربة العقارية، كما هو الحال بالنسبة إلى منطقة واد فاس وساحة صوفيا وجزء هام من ملعب الخيل، كما أن عملية ضم الأراضي الفلاحية إلى المدار الحضري تتم دون أن ترصد منها مساحات كافية لتوفير المتنفسات والمرافق العمومية لتلبية الحاجات الملحة للسكان، ما سيحول فاس إلى مدينة إسمنتية بامتياز وبدون مرافق..