أصدر مؤرخ المملكة، الأستاذ عبد الحق المريني، كتابا جديدا تحت عنوان «محطات من تاريخ المغرب المعاصر 18941956»، ضمن سلسلة منشورات الزمن في 152 صفحة. وتضمن الكتاب ثلاثة فصول هي: المخططات الاستعمارية 1894 1912 ردود فعل المغاربة تجاه السياسة المتبعة من طرف نظام الحمايتين الفرنسية والإسبانية 1912 1927 نضال الملك والشعب من أجل الانعتاق والحرية 19271956. يؤكد مؤرخ المملكة أن تاريخ المغرب الحديث «مادة غزيرة تحتاج إلى كثير من البحوث المعمقة، تزيل القناع عن حقيقة الأطوار الهامة التي مر منها المغرب في عهوده الحديثة وعن قضايا «المسألة المغربية» وما تمخضت عنها من مؤتمرات دولية تحكمت في مصير المغرب والمغاربة». ويقول عبد الحق المريني إن المغرب عاش في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فترات مضطربة من تاريخه، في عزلة تامة عن العالم والأحداث الدولية، وهي السياسة التي بلغت أوجها في عهد السلطان المولى سليمان (17921822)، الذي عمد إلى بيع سفن الموانئ لتجنب المشاحنات مع الأساطيل الأجنبية، التي كانت تجول البحار والمحيطات، «وكان هدف السلطان من ممارسة هذه السياسة هو الحيلولة دون استغلال خيرات البلاد من طرف الدول الاستعمارية». وفي هذا الإطار، تذكر المصادر التاريخية أن نابليون عندما احتل إسبانيا عام 1808 عزم على احتلال المغرب، فأرسل مبعوثا إلى السلطان المولى سليمان حاملا إليه رسالة منه، وكان هدف المبعوث «الجاسوسي» هو معرفة قدرات المغرب العسكرية قبل اتخاذ أي قرار بغزوه، كما أن نابليون وفق مصادر أخرى عرض على السلطان المذكور مساعدته على محاربة الإنجليز مقابل أن يعيد إليه مدينتي سبتة ومليلية. ويجري مؤرخ المملكة في الفصل الأول من كتابه قراءة شبه كرونولوجية للأوضاع السياسية الداخلية للمغرب وعلاقة ذلك بالسياسات الخارجية والتحرشات الدولية بالسيادة الوطنية. كما يتوقف عند صراعات السلاطين المغاربة على الحكم، والفتن السياسية مثل قضية بوحمارة، الذي أوقد الفتنة ضد السلطان عبد العزيز في منطقة الريف، ويعرج على مؤتمر مدريد وسياسة تمزيق وحدة المغرب وتقسيمه بين الدول الأوروبية المتنافسة، وسياسات فرض الإصلاحات الأوروبية على السلطان الشرعي، وهي كلها تطورات وقلاقل داخلية مهدت لتوقيع عقد الحماية في عام 1912. بعد عقد الحماية مباشرة، بدأت المواجهات بين السكان المغاربة وبين المستعمر الفرنسي وجنوده، وكان أول وأهم حدث حصل مباشرة بعد توقيع عقد الحماية هو قيام ثورة المغاربة في فاس، التي يطلق عليها المؤرخ عبد الهادي التازي «ثورة فاس الدامية»، التي ذهب ضحيتها عدد كبير من المواطنين المغاربة واليهود والفرنسيين، مدنيين وعسكريين، وعلى إثرها قرر السلطان عبد الحفيظ الانتقال إلى الرباط كعاصمة جديدة للمملكة، التي دخلها يوم 19 يونيو 1919. لكن السلطان سوف يجد في طريقه بالرباط الجنرال ليوطي وبدأت تتزايد عليه الضغوطات وقال للجنرال «أوجين رونيو»: «إني أفضل الاستقالة من الملك على التسليم لكم، حتى لا أكون في نظر التاريخ مسؤولا عن إدخال فرنسا إلى المغرب»، ولما اشتد غضبه وزادت الضغوط عليه، امتنع عن أداء صلاة الجمعة بضفة رسمية وحطم بيده جميع شارات الملك ورموز السلطة، وفي 13 غشت 1912، تنازل عن الملك لشقيقه المولى يوسف، الذي كان خليفته بفاس، ونقل إلى باريس عبر مارسيليا واعتبر ذلك إهانة له وكأنه أسير بيد فرنسا، ثم عاد إلى طنجة واستقر بها، وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، توجه خفية إلى إسبانيا وحاول العمل مع الألمان ثم مع الأتراك لزعزعة الوجود الفرنسي بالمغرب، ولكنه لم يفلح في مشروعه بسبب انتصار الحلفاء في الحرب. أما داخل المغرب، فقد توالى زحف الفرنسيين ومعه ثورات المغاربة وحركة المقاومة ضد الاحتلال. وتمثلت حركة المغاربة في مواجهة المحتلين الفرنسيين في ميلاد حركات للمقاومة وبروز رموز للعمل الوطني وبداية ظهور الصحافة الوطنية، التي قامت بأدوار معتبرة في الكفاح ضد الاستعمار، إلى أن أرغمت فرنسا على التسليم باستقلال المغرب، وحذت إسبانيا حذو فرنسا، فأجلت قواتها هي الأخرى.