أمام المحكمة الإدارية بالرباط دعوى قضائية رفعها الحزب الوطني الديمقراطي ضد وزارة الداخلية، متهما إياها بخرق القانون عندما وافقت على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة قبل مصادقة الأحزاب الخمسة على قرار حلها، وهو ما يعني في نظر رافعي الدعوى أن الحزب المعني لم يكن من حقه المشاركة في الانتخابات الجزئية السابقة، ولم يكن من حق وزارة الداخلية أن تمنحه رمز «الجرار» قبل أن يستكمل إجراءات التأسيس. بغض النظر على الملابسات السياسية المحيطة بهذه القضية، وعن الدوافع الشخصية التي كانت وراء «انتفاضة» القادري و»معارضته» لوزارة الداخلية، فإن الموضوع يستحق النقاش من الناحية القانونية. فبالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية، نقرأ في المادة 42 من الباب الخامس المنظم لاتحاد الأحزاب السياسية واندماجها: «إن انضمام حزب سياسي إلى اتحاد الأحزاب السياسية أو اندماج حزب سياسي في إطار حزب قائم أو في إطار حزب جديد يجب أن يصادق عليه من لدن الجهاز المؤهل لذلك بموجب النظام الأساسي للحزب ووفقا للكيفيات المقررة في هذا النظام»، وهو ما يعني أن قرار الاندماج تتخذه الهيئة الحزبية المخولة بذلك طبقا للقانون الأساسي للحزب، ومعلوم أن قرار الاندماج أو الانخراط في اتحاد أحزاب سياسية يعني ضمنيا حل الأحزاب المشكلة للاتحاد وانصهارها في حزب سياسي جديد. لقد تشكل حزب الأصالة والمعاصرة من «الحزب الوطني الديمقراطي»، و»حزب العهد»، و»حزب البيئة والتنمية»، و»حزب رابطة الحريات»، و»حزب مبادرة المواطنة والتنمية»، وهو ما يفترض أننا أمام اتحاد لخمسة أحزاب مؤسسة بكيفية قانونية قررت الاندماج في إطار حزب جديد. فإلى أي حد تم احترام القانون في هذا التأسيس؟ بالرجوع إلى مقتضيات القوانين الأساسية لبعض الأحزاب المشكلة للحزب الجديد، نقف عند بعض الإجراءات المنظمة لقرارات الحل والاتحاد والاندماج، فمثلا تشير المادة 35 من النظام الأساسي للحزب الوطني الديمقراطي إلى أنه «لا يمكن حل الحزب الوطني الديمقراطي إلا بقرار يصدره المؤتمر الوطني بأربعة أخماس أعضائه»، بينما تنص المادة 19 من نفس القانون والتي تتحدث عن اختصاصات المكتب السياسي في الفقرة الثالثة على ما يلي: «يتولى المكتب السياسي مهام تنظيم التجمعات واللقاءات ويصادق على انضمام الحزب الوطني الديمقراطي إما إلى اتحادات الأحزاب السياسية المؤسسة بكيفية قانونية، أو الاندماج فيها بهدف العمل جماعيا من أجل تحقيق غايات مشتركة طبقا لمقتضيات القانون المنظم للأحزاب السياسية»، وهو ما يعني في نظري أن مصادقة المكتب السياسي على الانضمام إلى اتحاد للأحزاب السياسية، لا يخول له مباشرة الحق في اتخاذ قرار حل الحزب لأن هذا الأخير من اختصاص المؤتمر، وهو ما يعني أن مصادقة المكتب السياسي تبقى معلقة إلى حين اجتماع المؤتمر الوطني المخول له قانونا اتخاذ قرار الحل، وهكذا فإن قرار الحل هو جزء لا يتجزأ من مسطرة الاتحاد أو الاندماج أو الانخراط في حزب جديد، وقد كان على وزارة الداخلية أن تتريث وألا تتسرع في قبول الاتحاد حتى تستكمل إجراءات الحل وفقا للكيفيات المنصوص عليها في القوانين الأساسية لهذه الأحزاب. وبالاطلاع على المادة 29 من القانون الأساسي لحزب العهد نقرأ ما يلي: «تناقش وتحدد اللجنة المركزية السياسة العامة للحزب... وتقرر تحالفاته وانضمامه إلى قطب سياسي أو اتحاد أحزاب...»، وهو ما تم احترامه من قبل الحزب المذكور، لكن الباب الثالث الذي يحمل عنوان «اندماج الحزب أو حله» يشير في المادة 43 إلى ما يلي: « يمكن إدماج الحزب أو حله بقرار من مؤتمر وطني عاد أو استثنائي بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين...»! وهو ما يطرح نوعا من تنازع الاختصاص بين المؤتمر واللجنة المركزية في ما يتعلق بالاندماج.. غير أن قرار الحل الذي هو جزء لا يتجزأ من مسطرة الاتحاد في حزب جديد، يبقى من اختصاص المؤتمر الوطني، وهو ما لم يتم احترامه في هذا التأسيس... أما بالنسبة إلى باقي الأحزاب المشكلة للحزب الجديد فلم نسمع أو نقرأ أي شيء عن انعقاد هيئاتها المخولة باتخاذ قرار الحل والاندماج والاتحاد! هناك مسألة أخرى تبدو لي في غاية الأهمية، وهي التي تتعلق بالمادة 41 من قانون 36.04 والتي تشير بشكل واضح إلى أن «الأحزاب السياسية المشكلة بكيفية قانونية يمكن أن تنتظم بكل حرية في إطار حزب قائم أو في إطار حزب جديد»، بمعنى أن مكونات الحزب الجديد هي الأحزاب المشكلة بصفة قانونية، لكن المكتب السياسي للحزب الجديد (الأصالة والمعاصرة) يضم تسعة أشخاص لم يكونوا -حسب علمنا- أعضاء في أي حزب من الأحزاب المشكلة للاتحاد، وإنما أتوا من جمعية لا تمتلك الصفة القانونية لتكون مكونا من مكونات الحزب الجديد، والغريب أنهم احتلوا المناصب الأساسية في الحزب الجديد: الأمين العام، الناطق الرسمي، المسؤول التنظيمي، المسؤول المالي! طبعا الجميع يعرف أن تأسيس الحزب الجديد هو تعبير عن إرادة من كانوا وراء تأسيس الجمعية التي تحمل اسم «حركة لكل الديمقراطيين»، لكن الخطأ هو في عدم احترام القانون، وفي «التواطؤ» الواضح لوزارة الداخلية مع القائمين وراء هذا الحزب. ليس الغرض من هذه الملاحظات مصادرة حق أحد في التنظيم السياسي أو التشويش على مساره السياسي، ولكنها نقطة نظام دفاعا عن القانون وعن دولة المؤسسات، وتنبيه لوزارة الداخلية التي طالما كانت وراء عرقلة تأسيس أحزاب سياسية أخرى (التجديد الوطني، الوحدة والتنمية، النهج الديمقراطي، البديل الحضاري، حزب الأمة...) إلى ضرورة التزام الحياد بين الفرقاء السياسيين، وعدم الكيل بمكيالين في التعاطي مع الحق في التنظيم السياسي... هل فهمتم لماذا نطالب بإلغاء دور وزارة الداخلية في التأسيس والحل والإبطال للأحزاب السياسية، وننادي بإسناد الأمر إلى القضاء؟ مرة أخرى هناك حاجة إلى إرجاع وزرة الداخلية إلى حجمها الطبيعي...