أثيرت، بعد الإعلان عن تشكيلة حكومة عبد الإله بنكيران، عدة انتقادات حول «الطغيان» الملفت للذكور على لائحة أعضاء أول حكومة في ظل دستور فاتح يوليوز 2011. وحقيقة هذه الانتقادات نابعة من استشعار الأمة المغربية لخطر تلوح نذره في أفق الواقع السياسي الراهن الذي أفرزته عدة عوامل محلية وإقليمية، إذ إن هذه الانتكاسة الخطيرة في مسلسل تكريس الديمقراطية الاجتماعية وفي الطريق الذي سلكه المغرب، منذ سنوات، للاقتراب من المناصفة بين الجنسين، والذي توج بالتنصيص على ذلك في الدستور الجديد، هي انتكاسة للمشروع الحداثي الديمقراطي الذي تشرئب إليه أعناق المجتمع المغربي في عمومه، وليست -كما يدعي «منظرو» الأغلبية الحاكمة- مجرد مصادفة اقتضتها مستلزمات الكفاءة وضرورات التوازنات الحزبية للأغلبية. إن المناصفة في تبوؤ المراتب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي نتيجة لسيرورة تاريخية طويلة وواسعة على جبهات مختلفة. وتحقيقها، أو الاقتراب من بلوغها، يعتبر مؤشرا مضيئا على تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة التي تم إرساء أسسها عبر محطات ومنعطفات موشومة من التاريخ الطويل للبشرية؛ فمع البدايات الأولى للحداثة التي كانت تختزل فيها العدالة الاجتماعية في شرائع الدين والقوانين، بدأت تتمدد حمولتها إلى المزيد من التقاطعات الاجتماعية: في السياسة مع الصراع من أجل إقرار الديمقراطية والاقتراع العام، وفي العمل مع تأسيس النقابات والأحزاب الاشتراكية، وفي الأسرة والحياة الشخصية مع نشوء الحركات النسائية وحركات الدفاع عن حرية الاختيارات الجنسية، وفي المجتمع المدني مع الصراع من أجل التعدد الثقافي. بصرف النظر عن التفسيرات التي يقدمها زعماء الأغلبية الحاكمة في المغرب، والتي هي في الواقع تبريرات متهافتة لقرار خاطئ تحكمت في اتخاذه عقلية ذكورية مستحوذة، ضربت على أبصارها إرادة السلطة وشهوة الهيمنة، حتى أعمتها عن التقيد بمبدأ الاحترام المتساوي بين النساء والرجال. إن قوة الصدمة التي صحا على وقعها معظم الشعب المغربي يوم الإعلان عن لائحة وزراء رئيس الحكومة الذكورية الملتحية، بعد لحظة الاطمئنان والانتشاء التي صاحبت وأعقبت استحقاقات 25 نونبر، أحدثت رجات قوية في ضمائر القوى الديمقراطية الحداثية الوطنية، خوفا وقلقا على المصير الذي ينتظر قيمة العدالة الاجتماعية. ما حدث من تكريس مفرط للنزعة الذكورية المتسلطة وسط حكومة بنكيران، رغم الشعارات والمرجعيات الدينية والشيوعية والليبرالية المجتمعة في عرين هؤلاء الذكور، يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن قيمة العدالة الاجتماعية، كغيرها من القيم الإنسانية الثمينة، لا تحتاج، من أجل تحقيقها وتكريسها على أرض الواقع، إلى النوايا وإلى النصوص القانونية والمرجعيات الدينية؛ كما أن معالجة الاحتقار والظلم الاجتماعي لا تنحصر في عدالة القضاة وحكامة الموظفين، ولا حتى في قوانين المشرع السياسي، فلو كان أمر إحقاق العدالة الاجتماعية بين أيدي هؤلاء لما كنا شاهدين على مسخرة ذكورية، مفرطة في الذكورية، في زمن يغني فيه الإسلامي والشيوعي والليبرالي، في آخر الزمن المغربي، على سمفونية عدل الفاروق عمر (ض) ومساواة الشيوعي ماركس وليبرالية جون ستيوارت ميل.