حين خذلنا «أسود الأطلس» في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، بعد أن ظهرت عليهم أعراض الوهن وبلغوا من الكبر عتيا، ركبنا زورقا ذات صباح مختنق بالرطوبة، ورحلنا إلى جزيرة بوانت دوني التي تبعد بحوالي عشرين كيلومترا عن العاصمة الغابونية ليبروفيل وسط أمواج المحيط الأطلسي. كانت الجزيرة سعيدة بهدوئها، وهي تنعم بمناخ استوائي يتعايش فيه المطر مع الحرارة والرياح مع نسائم الصباح. ولأن الجزيرة أشبه بمحمية طبيعية، فقد كانت الفرصة مواتية لنا -نحن معشر الصحافيين- للبحث عن الأسود الحقيقية التي تسيطر على الغابة وترسل، بين الفينة والأخرى، إشارات إلى من يهمه الأمر عبر زئير يدعو الزائرين إلى التزام أماكنهم في شاطئ البحر، بينما تركض الفيلة بدون اتجاه، ويتحول القردة في هذه المحمية الطبيعية للحيوانات والطيور والحشرات إلى مخبرين يتناقلون أنباء عن وجود كائنات بشرية غريبة في المجال البري للغابة الاستوائية التي تشكل نموذجا لأدغال القارة السمراء. التزمت أسود المحمية عرائنها، وبدا وكأن نوبة غضب قد انتابتها من أسود دورة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، فالأسود غير المروضة، أي المنتخب الكاميروني، لم تتأهل أصلا لهذه النهائيات، فأراحت شعبها واستراحت، بينما ناب عنها نجمها صامويل إيطو في التظاهرة، وقاد حملة لتوزيع 135 مليون عازل طبي على المشاركين في الدورة في إطار حملة لمحاربة السيدا؛ وخرجت أسود التيرانا، أي المنتخب السينغالي، من الدور الأول، إسوة بأسود الأطلس، وعادت إلى داكار وسط فورة غضب تطالب وزارة الغابات بسحب اللقب من لاعبي المنتخب الذي خرج من السينغال غضنفرا وعاد إليه حملا وديعا. في محمية بوانت دوني، لم ننعم برؤية الأسد بينما ظل زئيره يكسر صمت الفضاء، وتبين أن ملك الغابة غاضب من جامعة الفهري لأنها «بهدلت» فصيلته، وجعلت الفهود الغابونية والنسور التونسية ترفع صوتها عليه، بعد أن ظلت لسنوات تدين له بالولاء والطاعة. قبل أن تشد «أسود الأطلس» الرحال إلى ليبروفيل، قال مروضها إيريك غيريتس إن أسوده قادرة على السيطرة على كل كائنات غابة البطولة الإفريقية؛ في نفس الوقت، رفعت إدارة الحديقة الوطنية للحيوانات أسعارها بعد أن تحدثت أنباء عن ميلاد ثلاثة أشبال أطلسية الانتماء. لكن وبعد النتائج المخيبة للآمال، بات على إدارة الحديقة أن تحيط الفضاء المخصص للأسود الأطلسية بحراسة استثنائية، خوفا من رشقها بالحجارة من طرف الزوار، وخفض أسعار الدخول أو منحها إجازة مدفوعة الكلأ إلى حين انتهاء العاصفة. لكن، أعتقد أن المشكل يكمن في مروض أغلى سعرا من كل الأسود، فإيريك غيريتس يتقاضى شهريا 250 ألف أورو لا غير، وفي رواية أخرى 300 ألف، وحده الوزير الجديد للشباب والرياضة محمد أوزين وعد بالكشف عن لغز راتب مدرب بلجيكي ينال في شهر واحد ما يتقاضاه كل المدربين المحليين والأجانب الذين يقودون منتخبات القارة السمراء في هذا الحدث الكروي، سنرى ما إذا كان الوزير الحركي قادرا على التحرك في اتجاه الكشف عن الحقيقة بعد أن عجز الوزير السابق عن معرفة راتب مدرب منتخب يعمل تحت وصاية الوزارة. يفرض المنطق تعيين طبيب بيطري بدل ناخب يسمى تجاوزا الناخب «الوطني»، على الأقل لمعرفة أصل الداء، كما يفرض منطق الأشياء خروج رئيس الجامعة عن صمته، ليفتح صنبور الحقيقة أمام الرأي العام المغربي، ويعلن عن الراتب الشهري للمدرب والامتيازات التي تدفع له بالعملة الصعبة من ضرائب الشعب، وتقديم تقرير تقني ومالي حول المنتخب ومدربه ولاعبيه، حينها سنحتكم إلى القول المأثور: «كن سبع وكولني».