يتحدث الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان في حكومة عبد الإله ابن كيران، في هذا الحوار، عن أهم الحيثيات المرتبطة بالتصريح الحكومي، منتقدا في السياق نفسه ما وصفه ب«المعارضة الشاردة» التي «يصعب أن تجد لها تاريخا». ويبرز القيادي في حزب العدالة والتنمية أهم التوجهات الكبرى المرتبطة ب«الحكومة الملتحية» والعقبات التي من المفترض أن تواجهها. ولا يتوانى الشوباني في بسط العلاقة بين حزبه وجماعة العدل والإحسان، والطرق التي ستتعامل بها الحكومة مع حركة عشرين فبراير. وتوقع الشوباني، في نهاية هذا الحوار، أن «يندثر» حزب الأصالة والمعاصرة لأنه «فشل في رهان مواجهة الإسلاميين». - نبدأ معكم بالتصريح الحكومي الأخير الذي ناقشه البرلمان بغرفتيه، إذ وجهت إليه المعارضة انتقادات قوية وصرحت بكونه يتسم بالضبابية ويفتقر إلى رؤية دقيقة، كيف تردون على ذلك؟ أعتقد أن النقاش السياسي في هذه المرحلة بين الأغلبية والمعارضة أدى إلى تبلور ملاحظات أساسية، من أبرزها أننا أمام نوعين من المعارضة، الأولى لديها نوع من الاتزان وتمتلك تفكيرا وتجربة يسمحان لها بأن تلعب دور معارضة مواطنة كما اختارت لنفسها هذا التوصيف، وبهذا المعنى سوف تستكمل دورها من موقع آخر وستكون مفيدة للمصلحة العامة؛ والثانية تتمثل في معارضة شاردة وتعيش حالة انعدام الوزن لأنها لا تنطلق من تاريخ أو إنجازات أو تستند إلى عمق شعبي وجماهيري أو أي تراكم كان، له إسهام ما في خدمة قضايا شعبنا، اللهم ما كان من تاريخ قريب موصول بمناخ التحكم وما استتبعه من تداعيات سلبية أضرت بصورة السياسة ومصداقية المؤسسات في زمن قياسي وفجرت غضب القوى الحية والشارع أيضا، لذلك فنحن نتعامل مع المعارضة بهذا التمييز الدقيق وننظر إلى الانتقادات بنظرتين مختلفتين. وفي كل الأحوال، نعتقد أن بعض الانتقادات الموجهة إلى البرنامج الحكومي فيها صواب مقدر، وأن الكثير مما انتُقد فيه الكثير من المبالغة وعدم الدقة والضبط وخانته الموضوعية في مواطن عديدة. وأؤكد في هذا الصدد أن برنامجنا بني على كليات كبرى تفاعل معها المغاربة بذكاء لأن شعار حملتنا الانتخابية جسدها بتركيز عالي الجودة والوضوح، وذلك عندما أكدنا أن مشكلة المغرب هي الفساد والاستبداد، ولهذا فالمغاربة الذين صوتوا لفائدة حزب العدالة والتنمية بكثافة لم يفعلوا ذلك من أجل بعض الأرقام على أهميتها، وإنما صوتوا لأن حزبنا يمثل تجربة في المصداقية والالتزام ويمثل طوق نجاة لتحقيق التغيير في إطار الاستقرار، وكذا في رصيد المصداقية المتصلة بالتعامل المحترم مع الشعب في مباشرة قضاياه الرئيسية، والتي ترتبط أساسا بمكافحة الفساد والاستبداد. الناخبون الذين منحونا الثقة اليوم يدركون أن الحكومة قدمت برنامجا حكوميا مليئا بالأرقام المتصلة بالبرامج الانتخابية، وبمقدورنا أن ننجز أحسن مما قدمناه، كما يمكن كذلك ألا نوفق في تحقيقها، غير أن الأهم هو أن هؤلاء الذين صوتوا لصالحنا يعلمون علم اليقين بأننا نمثل حلما وإمكانا حقيقيا في التغيير، والحزب سيلتزم دائما بمبدأي الوضوح والشفافية في التواصل مع الشعب، وهذا النهج كفيل بجعل المغاربة يقدرون نجاحاتنا كما سيجعلهم يتفهمون الإكراهات التي اعترضتنا، خصوصا وأن منهجنا في العمل يقوم على الإشراك والتشارك وتوسيع دائرة المسؤولية ليقوم كل بدوره. - تحدثتم عن المعارضة الشاردة، هل نفهم من كلامكم أنكم توجهون انتقادا مباشرا إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟ عندما يتم، مثلا، انتقاد البرنامج الحكومي باستحضار مقولة عدم انسجام الأغلبية إيديولوجيا، يطرح السؤال عما إذا كانت الحكومات السابقة منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي منسجمة بهذا المعيار الإيديولوجي أو حتى التحالف الأخير المعروف ب«جي 8».. هل كان منسجما إيديولوجيا أم كان خليطا لا لون له ولا طعم ولا رائحة؟ هنا لا بد أن نتوقف عند مدى مصداقية انتقاد كهذا؟ ولذلك وصفت نوعا من المعارضة بالشرود، لأن المصداقية السياسية تقتضي من الفاعلين الآخرين حين يوجهون انتقاداتهم أن يكونوا أيضا منسجمين في تلك الانتقادات، ويستحضرون تاريخهم وممارساتهم القريبة والبعيدة. لنتوقف، على سبيل المثال، عند تمثيلية المرأة في الحكومة الحالية، فبالرغم من أن رئيس الحكومة كان واضحا وصريحا في إعلان تحمله المسؤولية السياسية، فإنه بالرجوع إلى تاريخ مشاركة المرأة في الحكومة السابقة يطرح السؤال التالي: هل كانت تلك الحكومة تتوفر على نساء من الأحزاب المشاركة فيها؟ قطعا لا، بل ومن المعلوم أن هؤلاء النساء تم استوزارهن في آخر لحظة، وتم إلباسهن لبوس بعض الأحزاب التي تتباكى اليوم على ذكورية الحكومة. - لكن يبدو كلامكم متناقضا، فقد بدا هناك نوع من التخبط بين مكونات الأغلبية الحكومية، ولاسيما بعد أن عمد حزب التقدم والاشتراكية إلى إصدار بيان يدعو فيه إلى القيام بتعديل حكومي لضمان التمثيلية النسوية، ألا تعتبرون أن مثل هذه الخطوة تؤشر على اختلاف الرؤى بينكم؟ أرى أن رئيس الحكومة، السيد عبد الإله ابن كيران، كان بيانه أشد وضوحا من كل بيان في ما يتصل بهذا الموضوع، وقد أقر بالمسؤولية السياسية بكل شجاعة، وقال بوضوح إن القانون وحده يستطيع أن يضمن حضور النساء في مختلف المؤسسات مادامت الثقافة السائدة داخل الأحزاب لا تضمن هذا الحضور.. إنه لم يتعامل بلغة الخشب للبحث عن مبررات للموضوع ولم يهرب إلى الأمام، وقد ضرب لذلك مثالا واضحا من البرلمان حين أكد أن 60 امرأة من أصل 67 وصلن إلى البرلمان عن طريق اللائحة الوطنية، بمعنى آخر فإن الأمر اكتسى طابع المزايدة من طرف جل الأحزاب السياسية التي لم تعمد إلى ترشيح نساء على رأس لوائحها الانتخابية، ولم تستوزر نساءها حين كانت تتقلد المسؤوليات الحكومية، كما أن حضور النساء في قيادة الأحزاب أيضا محدود جدا وشكلي في العديد منها، الأمر الذي يحتم علينا جميعا مواصلة الجهود في سبيل إقرار التمييز الإيجابي عبر سن منظومة قانونية ناجعة تفرز حضور المرأة بقوة القانون لا بصدقات الأحزاب وبريعها وبكائياتها غير الجادة. - بيد أنكم لم تعلقوا على إصدار حزب التقدم والاشتراكية لبيان، اعتبره المحللون مؤشرا حقيقيا على غياب الانسجام بين مكونات حكومتكم؟ هذا تعسف كبير في تحميل البيان ما لا يحتمله.. الصحيح أن موقف رئيس الحكومة يعبر عن موقف الأغلبية التي تلقته بالارتياح والموافقة، لقد كان واضحا بقوله إن هناك خطأ يجب تصحيحه، لكنه كان أكثر وضوحا لما تحدث عن وجود مشكل بنيوي ثقافي في حياتنا السياسية، ولن يتأتى هذا التصحيح إلا بإيجاد آليات تمكن النساء من الوصول إلى الحكومة وتقلد مناصب حساسة أخرى في ظل تمييز إيجابي لا يجعلهن ضحية صراعات القوة غير المتكافئة داخل الأحزاب. - تواجه حكومة ابن كيران تحديات كثيرة، لعل من أبرزها الحركات الاحتجاجية في الشارع. وقد أكدت حركة عشرين فبراير أنها ستواصل احتجاجها، وتقول إن حكومتكم تفتقر إلى المشروعية، وترفض دعوة رئيس الحكومة إلى التحاور، كيف ستتعامل حكومتكم مع هذا المعطى؟ أعتقد أنه ليس من مصلحة أحد، سواء كان الحكومة أو الأحزاب أو حركة عشرين فبراير أو أي جهة أخرى، أن يطرح سؤال المشروعية وأن ينظر إلى الأشياء برؤية مطلقة مغرقة في الذاتية، فالثابت أن حزبنا يستمد مشروعيته من صناديق الاقتراع بأكثر من ثقة مليون ناخب، ولا أتصور أن هناك حركة سياسية جندت مثل هذا العدد بطريقة حرة ونزيهة في تاريخ المغرب المعاصر. إذن، فاحترامنا لصوت الشارع وانتظاراته مرده ليس إلى لعبة المشروعيات وجدل المشروعيات.. بل إلى طبيعة المطالب والشعارات المرفوعة. لقد كنا واضحين حين أعلنا أن أرضية مواجهة الاستبداد والفساد هي أرضية مشتركة لجميع المغاربة، وعلى هذه الأرضية يمكن أن ينشأ الحوار والتواصل.. وعدا ذلك، فنحن جميعا أحرار في التموقع حيث نشاء ولا وصاية لأحد على أحد..، فحركة عشرين فبراير حرة في أن تختار الحوار مع الحكومة أو لا تفعل.. المهم أن الحكومة جاهزة لذلك.. أما إذا أرادت الحركة أن تمارس الاحتجاج في إطار القانون، فمن المؤكد أن الحكومة ستضمن لها هذا الحق، ووحده المستقبل سيحكم على صواب اختيار كل الأطراف ومواقفها وسلوكها. - لكن، أعضاء حركة عشرين فبراير يقولون إن حزبكم تعامل بنوع من الانتهازية مع الحركة، إذ شن ابن كيران هجوما حادا عليها في بداياتها الأولى قبل أن يعود، بعد ظهور نتائج الانتخابات، إلى مد يد الحوار إليها وتثمين دورها الإيجابي، كيف تفسرون هذا التناقض؟ أولا، لا بد من التأكيد على أن السيد عبد الإله ابن كيران لم يهاجم حركة عشرين فبراير، كما لا يخفى أنه حاور العديد من شبابها.. لكن الصحيح أنه عبر عن موقف الحزب الذي اختار أن يكون له موقف من الحراك في الشارع والتزم به بوضوح رغم ما خلقه من اضطراب شديد في صف الحزب ساعتئذ.. وبالتالي، فإن الحديث عن الانتهازية في التعامل مع الحركة أمر لا يستقيم. وحزبنا، للتذكير فقط، حصل على 27 في المائة من أصوات الناخبين، ولذلك لا يمكن لأحد أن يشطب على قوة الحزب بجرة قلم. وإن شئنا الدقة أكثر، فإن ملايين المغاربة الذين صوتوا في اقتراع 25 نونبر اختاروا طريقا آخر للتغيير الذي ليس بالتأكيد اختيار حزب الشارع ولا دعوات المقاطعة. ينبغي، في هذه اللحظة بالذات، أن نتعلم احترام بعضنا البعض في هذه الأمور الكبيرة والحساسة. لسنا انتهازيين ولم يكن ابن كيران انتهازيا، بل إن فوزنا جاء في سياق مغربي مخصوص، مع التذكير بأن حزبنا لم يحصل على الرتبة الأولى في الانتخابات السابقة فقط، لقد أحرز نفس الرتبة في انتخابات 2007 فوقع ما وقع من تدخلات حرمته من الفوز، وذلك قبل الحراك العربي بأزيد من ثلاث سنوات. وعلى هذا الأساس، فليس موقع الحزب اليوم طارئا بلا مقدمات، كما أننا لم ولن نركب على نضالات أحد، فالحزب كان وسيظل حزبا مناضلا منبثقا من الشعب ويدافع عن اختياراته وفق منهجه المستقل والمتميز. ولا غرابة أن يفوز حزبنا بالانتخابات مادام قد ظل وفيا لهذه الاختيارات. - بعث مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان برسالة شديدة اللهجة إلى حزبكم وذراعها الدعوي، حركة التوحيد والإصلاح، ووصف حكومتكم ب«الهامش على متن الاستبداد»، ما هو ردكم على مضمون الرسالة، وما هي طبيعة العلاقة التي ستربطكم بمكون أساسي من الحركة الإسلامية في المغرب؟ صحيح أننا بمعية العدل والإحسان نشكل مكونين أساسين للحركة الإسلامية في المغرب، لكن لكل واحد منا تصوراته ومنهجه في العمل، ونحن عموما نحترم كل حركة تؤمن بتصريف مواقفها في إطار سلمي، أما الاختلاف فهو جوهري وقائم بيننا وبين العدل والإحسان. كما أننا حريصون على أن تنبني علاقتنا بالقوى الحية عموما على الاحترام رغم الاختلاف، ولهذا آثرنا عدم الدخول في أي جدل لفظي تقييمي، حيث إننا جميعا تحت مراقبة الشعب، وهو من يحق له أن يحكم على من يعيش على هامش التاريخ أو هامش متن الاستبداد. - عودة إلى موضوع المشاورات الحكومية.. كان واضحا أن المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة حضر بقوة خلال كل فترات تشكيل الأغلبية، مع العلم بأن حزبكم خاض ضده حربا إعلامية شرسة، ألا يشكل هذا الحضور ضربة قاسية لحزب العدالة والتنمية في ظل الدور البارز الذي لعبه الهمة أثناء هذه المشاورات؟ الذي أعلمه أن السيد فؤاد عالي الهمة انتقل من فاعل حزبي إلى وضع آخر، كونه أصبح مستشارا لجلالة الملك، وبين الوضعين اختلاف جوهري في العلاقة بالفاعل السياسي أيا كانت طبيعته. وفي هذا الإطار، أعتقد أنه إذا ما تواصل أي مستشار لجلالة الملك مع أي فاعل في البلد بشكل واضح، فلن يكون هناك أي حرج مادام وسيطا بين الملك والطرف الثاني، لكن نحن واثقون أن الأستاذ عبد الإله ابن كيران تصرف في هذا الملف بأعلى درجة من المسؤولية والاحترام الشديد لصلاحياته؛ وإذا كانت هناك بعض التدخلات لتجاوز بعض الصعوبات التي اعترضت مسلسل المشاورات داخل بعض مكونات الأغلبية الحكومية، فأنا لا أرى في ذلك أي مشكل مادامت قد تمت بمنطق مغاير لما جرى به العمل في تشكيل الحكومات السابقة. - كان القيادي في الحزب عبد العالي حامي الدين قد صرح بأن حزب الأصالة والمعاصرة مات وينبغي أن يموت لأنه أساء إلى المشهد السياسي، هل تشاركونه نفس الموقف؟ أرى أن المستقبل لم يعد يحتمل أن يعيش فيه أي كائن سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي بدون الاستناد إلى مقومات الوجود الطبيعية والتي هي المصداقية والعمق الشعبي والاحترام والفعالية بدل الاستناد إلى الدولة، وأي فاعل سياسي كيفما كان سيواجه صعوبة كبيرة في الاستمرار إذا لم يكن يتوفر على هذه المقومات؛ لكن هناك صعوبات كبيرة تعترض استمرار الحزب لأن الرهان الذي جاء من أجله سقط كما حصل في الواقع وكما اعترف بذلك بعض زعمائه.. - هل تقصد أن حزب الأصالة والمعاصرة أتى لمحاربة الإسلاميين؟ لقد قيل هذا الكلام بوضوح في بداية المسلسل من طرف بعض المؤسسين.. وعشناه في العدالة والتنمية واقعا عبارة عن استهداف مكشوف وصراع مفتوح امتد منذ ظهور هذا الحزب.. وقيل في نهاية المسلسل من طرف حسن بنعدي في ما يشبه الإقرار بالفشل في تنفيذ المهمة... أجل، فعندما يأتي حزب ما لمهمة ما.. ثم يفشل في تحقيقها، يكون المشروع قد انتهى عمليا.. لقد أسقط الشعب يوم 25 نونبر هذا الرهان. - وكيف ستكون علاقتكم بحزب الاتحاد الاشتراكي الذي راهنتم منذ البداية على التحالف معه في إطار الكتلة الديمقراطية قبل أن يختار الانضمام إلى المعارضة؟ بالفعل، نحن كنا دائما نتطلع إلى بلورة الكتلة الديمقراطية التاريخية المالكة لشروط التغيير في إطار ثوابت الدولة، وبما أنهم اختاروا التموقع داخل المعارضة وصرحوا بأن معارضتهم ستكون مواطنة وسيساندوننا، بل سيتقدمون الصفوف، في محاربة الفساد والاستبداد، ومادام برنامجنا قد ارتكز على هذه القاعدة الرئيسية للانطلاق نحو إرساء معالم مجتمع متعاف من هذين الوباءين، فهذا يعني أن مساحة التعاون والتكامل والحوار واسعة، وبالتالي سنحتكم إلى احترام الاختلاف بشكل ديمقراطي في باقي القضايا.
نسعى لبناء علاقة نوعية مع المجتمع المدني - تشغلون منصب الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، نريد أن نعرف منكم بعض أهم التوجهات الكبرى لعمل الوزارة خلال الخمس سنوات المقبلة؟ أمام الوزارة حاليا ورشان كبيران: الأول يرتبط بالعلاقة مع البرلمان، ففي خضم الدستور الجديد سيكون البرلمان معتركا لتفاعل حيوي بين الحكومة وهذا الأخير، ولذلك فإن وزارتنا باعتبار أنه مخول لها تمثيل الحكومة في البرلمان، فإن من مسؤوليتها إدارة التواصل بين الحكومة والبرلمان، مما يسهل عملية التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية ويجعله في مستوى المصداقية المرجوة التي كانت محور التزاماتنا السياسية. وعلى ضوء ذلك، سنعمل على تحسين تفاعل المواطن مع الحكومة، وهذا مجهود يستدعي -في تقديري- فتح أوراش كثيرة، ونتوفر في هذا المجال على قدرات اقتراحية وإبداعية، من بينها إحداث القناة البرلمانية التي كانت دائما من مطالبنا حين كنا في المعارضة والتي هي اليوم التزام في البرنامج الحكومي؛ أما الورش الثاني فيتمثل في بناء علاقة نوعية مع المجتمع المدني عبر مقاربة تشاركية ترمي إلى تفعيل الدستور وإخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة، حيث ستطلق الوزارة ورشا للتفكير والتشاور الواسع، وطنيا ودوليا، من أجل إخراج منظومة قانونية تمكن الفاعلين المدنيين وعموم المواطنين والمواطنات من التأثير في القرار التشريعي الذي يشكل إحدى الآليات الأساسية للتأثير في مسار السياسات العمومية، نشأة وتنزيلا وتقييما.. إننا حريصون على أن تتطور الأمور لكي يكون مستقبل العمل التشريعي بثلاثة أضلاع، الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني.. بالطبع، نحن أيضا معنيون في الوزارة بتطوير حكامة المجتمع المدني، خصوصا في مجال شفافية التمويلات وتنفيذ المشاريع وعدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الدعم العمومي، سنفعل ذلك بتحيين أو إنتاج القوانين الضرورية وإخضاع الجمعيات للتدقيق والافتحاص المالي على غرار كافة المتصرفين في المال العام ضمن رؤية حكومية حازمة في مكافحة الريع والاحتكار ونهب المال العام.. أيضا نحن عازمون على بذل الجهد للمساهمة في تأهيل المجتمع المدني في مجال تنمية المهارات والقدرات والخبرات لتفعيل الديمقراطية التشاركية وتفعيل العرائض والملتمسات بعد صدور القوانين التنظيمية ذات الصلة. - لكن سبق لحزب العدالة والتنمية أن صوت ضد القوانين المنظمة لمجلس النواب، والآن تتولون مهمة الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان، ألا يطرح ذلك نوعا من التعارض؟ الأكيد أنك حين تتموقع داخل المعارضة تكون لديك رغبة كبيرة في تحسين الأوضاع خارج حسابات التوازن التي تكون داخل الأغلبية، ومع ذلك فنحن مقتنعون بأن هذه القوانين تقلص من مصداقية المؤسسة البرلمانية.. نحن نريد أن نحرر البرلمان من البلقنة ونريد أن تكون هناك معارضة وأغلبية قويتان، لكن ذلك لم يحصل بعد مع الأسف. إنه من الواجب علينا الآن أن نصحح هذه القوانين، وسنبحث بمعية شركائنا في الأغلبية الحكومية وسنتعاون مع المعارضة أيضا لتصحيح هذه القوانين لتحسين المنظومة الانتخابية وترسيخ مصداقية البرلمان وعقلنة العملية السياسية بعيدا عن البلقنة والضعف وتواضع الإنتاج والعجز عن حماية المال العام ومكافحة الفساد. - لعل من بين أهم المشاكل التي تسيء إلى مصداقية العمل البرلماني تغيب البرلمانيين، هل هناك من إجراءات ملموسة لمواجهة هذه الظاهرة؟ أعتقد أن الإشكال الحقيقي هو أنه حين يكون البرلمان ضعيف الصلاحيات وضعيف الخبرات، يصير ضعيف الجاذبية. اليوم، هناك صلاحيات مهمة، معارضة بحقوق أكبر، حكومة حيوية وببرنامج طموح، حضور وازن لرئيس الحكومة في البرلمان، ورش تشريعي كبير لتفعيل الدستور، انتظارات شعبية مهمة، مجتمع مدني متحفز، تقاطب سياسي معبئ وتنافسي، قناة برلمانية كاشفة وفاضحة لما سيجري داخل البرلمان... إلخ. لأجل ذلك، أتصور أن الأمور ستتغير نحو الأحسن وأن ظاهرة الغياب ستتراجع بشكل كبير.