كثيرا ما يوظف المشعل، باعتباره رمزا للحماس وقوة الإرادة، للتعبير عن الأشياء الأكثر حركية ودينامية، لدى الإنسان خاصة والشعوب بشكل عام، إلى درجة أن الأمثال المتواترة تجعل من المشعل حياة ثانية للأسلاف. أما في المغرب، فقد أصبح المشعل، اليوم، رمزا لليأس، وهو الآن يأتي على شبابنا، أغلى وأنفس ثروة نملكها. وما آل إليه الشاب المعطل عبد الوهاب زيدون والجندي المتقاعد عبد الرحيم بوكرين يعتبر جانبا من الأعراض الجانبية لمأساة تعيشها طبقة من المجتمع اعتقدت، خطأ، أن النظام التربوي لهذه البلاد يمكنه أن يقودها إلى حياة لائقة ويجعلها أكثر اندماجا في المجتمع. لقد أصبح هؤلاء الشباب، ضحايا سياسيين غير أكفاء، موضوع إذلال ورفض من قبل نسق أصدر في حقهم حكما بالإقصاء وتركهم يرتعون في الفوضى. وقد اعترف المجلس الاقتصادي والاجتماعي بهذا الأمر في تقريره الخاص بالشغل، وجاء في هذا التقرير: «الشباب هم الأكثر تضررا من البطالة على الرغم من انخفاض معدل النشاط. الوظائف التي يشغلها الشباب غالبا ما تكون هشة مقابل أجور متدنية، نادرا ما تكون تعاقدية وقلما تتمتع بنظام حماية اجتماعية. معدل بطالة الشباب يرتفع في الوسط الحضري ويرتفع أكثر كلما ارتفع المستوى الدراسي، ويتميز بطول مدة البطالة، الشيء الذي يؤكد عدم ملاءمة التكوين لحاجيات سوق الشغل، ونظرة الشباب إلى وضعيتهم هي أكثر تشاؤما مما تنبئ به الإحصائيات المتوفرة، إذ يبدون تبرما ونفاد صبر حُيالها». هذا اعتراف صريح بالواقع المعيش لشباب اليوم وإن لم يتضمن التقرير كلمة «اليأس»، ولا مجال للتقدم خطوات إلى الأمام في هذا المجال في ظل هذه الظروف. وتكشف المعطيات الإحصائية المتوفرة في الوقت الراهن مدى خطورة وضعية سوق الشغل حاليا. قرابة مليون شخص ذاقوا مرارة البطالة في سنة 2010، 80 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة، علما بأن الفئة العمرية من 15 إلى 34 سنة تمثل 37 في المائة من إجمالي سكان المغرب، حيث يقدر تعدادها بنحو 11.7 مليون نسمة. ويقدر عدد السكان النشيطين من هذه الفئة العمرية بحوالي 5.6 ملايين نسمة، وهو ما يناهز معدل نشاط في حدود 48 في المائة، وهو معدل أقل نسبيا من المعدل الوطني. وفي المقابل، لا يتجاوز معدل النشاط لدى الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة على الصعيد الوطني 36.2 في المائة، وهي نسبة تنخفض في الوسط الحضري إلى 27.1 في المائة فقط، وكان هذا المعدل لا يقل عن 48 في المائة سنة 1999. ولا يزال معدل البطالة مرتفعا في الوسط الحضري استنادا إلى إحصائيات سنة 2010، كما أن معدل بطالة الشباب فيه يفوق المعدل الوطني بنحو 3 أضعاف، مع ضرورة الإشارة إلى أن ثلاثة أرباع العاطلين، وتحديدا نسبة 77.2 في المائة منهم، يتمركزون في الوسط الحضري. وحتى عندما تتاح لهم فرص عمل، فإنهم يتعرضون لمخاطر قوية ويعانون من هشاشة كبرى، إذ غالبا ما تكون الأشغال التي يقومون بها ذات أجور متدنية، ونادرا ما تكون تعاقدية وقلما تتيح لهم إمكانية التمتع بنظام حماية اجتماعية. وثمة ثلاثة مؤشرات تبين الوضعية غير المستقرة لسوق تشغيل الشباب في المغرب: - أزيد من 40 في المائة من الشباب يشتغلون بدون مقابل، وتتخذ أنشطتهم شكل مساعدات أسرية؛ - أقل من 10 في المائة من الشباب المشغلين يستفيدون من التغطية الصحية؛ - أزيد من 8 أجراء شباب من أصل 10، وتقريبا واحد من اثنين من الشباب حاملي الشهادات العليا، يشتغلون بدون عقد عمل. كما أن الشباب يعانون من بطالة مقنعة بنسبة 17.3 في المائة مقابل 11.6 في المائة فقط بالنسبة إلى مجموع السكان الناشطين الذين تفوق أعمارهم 15 سنة. ولا تزال بطالة الشباب حملة الشهادات مرتفعة حتى إذا ما قورنت بوضعية سنة 1999، وإن تم تسجيل توجهها نحو الانخفاض؛ فقد تراجعت إلى حدود 18.1 في المائة في 2010 بعد أن كانت تصل إلى 27.6 في المائة سنة 1999. ويمكن تفسير بطالة الشباب حاملي الشهادات العليا بأسباب عديدة، من بينها العجز العام الحاصل في مناصب الشغل، وكذلك -وهذا هو الأهم- عدم ملاءة شعب التكوين للحاجيات الحقيقية للاقتصاد من اليد العاملة. وعلى هذا الأساس، يجد الشباب، الذين تُركوا لمصيرهم، أنفسهم مجبرين على خوض نضال مستميت وغير ذي آفاق واضحة من أجل الحصول على منصب شغل، ولذلك تجدهم يؤثرون أن تلتهمهم النيران بسرعة على الموت حرقا على نار هادئة. وإلى حدود الساعة، يتبدى الشباب وكأنهم عاصفة كئيبة، وهذا أمر مؤسف بعد مرور أزيد من نصف قرن على حصول المغرب على الاستقلال، يكاد الذين بذلوا أرواحهم من أجل استقلال البلاد يتلوون بسببه داخل قبورهم من شدة الألم. إن هذا الحادث يسائل جميع المغاربة الذين يؤمنون بمستقبل هذه البلاد ويرفضون أن يستشري اليأس في المجتمع. وقد أعطانا الشعب التونسي درسا رائعا في هذا الشأن، عندما أبان أنه لا يمكن لأي شعب أن يقبل وأْد الأمل لدى شبابه حد دفعهم إلى الانتحار. ولا شيء أخطر على المجتمع من انسداد الآفاق أمام شبابه، لأن انطفاء شعلة الأمل وفقدان الثقة في المستقبل يعتبر بداية النهاية بالنسبة إلى المجتمع.