يثير النشاط الاقتصادي المتقدم لصندوق الإيداع والتدبير، وعلاقته بالحكومة والبرلمان، والإطار القانوني الذي ينظم عمله إشكالات حقيقية، يرددها كثير من المتتبعين لنشاط هذه المؤسسة المالية دون أن تظهر في الأفق أية بوادر لتوضيحها: في ما يتعلق بالإطار القانوني الذي ينظم نشاط الصندوق، فإنه لم يعرف أي تجديد منذ بداية الاستقلال، ويقول الخبراء الاقتصاديون إن أنشطة الصندوق أصبحت تتجاوز الإطار القانوني المنظم له. وحسب محمد البقالي، الخبير الاقتصادي، فإنه «في المغرب، لم يتم إجراء إي تعديلات قانونية، على إطار عمل الصندوق»، ويضيف مستغربا: «حتى القوانين الأولى الصادرة منذ استقلال المغرب، والمنظمة لعمل الصندوق نجدها مفقودة». وحتى القانون الموجود، الذي يعود إلى عهد الاستقلال، فإنه لا يميز بين نشاط الصندوق باعتباره مؤسسة عمومية تحظى بامتيازات في علاقتها مع الدولة، وبين أنشطته عبر شركاته المتفرعة عنه، والتي من المفترض أن تخضع لقوانين المنافسة. ويقول خبير اقتصادي في الرباط، إن: «هذا الغموض القانوني في نشاط الصندوق يثير تساؤلات حول بعض الامتيازات التي تحصل عليها الشركات التابعة للصندوق». من جهة أخرى، فإن العلاقات التجارية للصندوق باعتباره مؤسسة عمومية، مع شركات مقربة من الدولة مثل مجموعة أونا، وشركة الضحى تثير تساؤلات وشبهات كثيرة، حيث يثير كثير من الاقتصاديين سبب تفضيل الصندوق التعامل مع هذه الشركات تحديدا في بعض المعاملات دون غيرها، وقد أثير جدل في الإعلام حول استفادة الصندوق من أراضي الدولة مثل أراضي صوديا وسوجيطا، بغرض إنشاء أقطاب مدن. وقد اقتنى الصندوق هذه الأراضي بأثمنة زهيدة لأنه استفاد من امتياز كونه مؤسسة عمومية، لكنه أعاد بيع بعض الأراضي التي اقتناها من الدولة لشركات خاصة مثل الضحى التي بنت عليها عقارات وقامت بتسويقها بثمن السوق. أما في مجال المراقبة، فإن الصندوق باعتباره مؤسسة عمومية تدبر أموالا عمومية، يجعل خضوعه لمراقبة الحكومة والبرلمان أمرا بديهيا، لكن الواقع عكس ذلك، حيث ينص القانون على آليات للمراقبة تستبعد دور البرلمان، بحيث يبقى دوره شكليا في إمكانية استدعاء مدير الصندوق للإدلاء بتوضيحات. عمليا، يخضع الصندوق لعدد من مؤسسات الرقابة، منها وزارة المالية، وبنك المغرب، لكن واقع المراقبة يثير كثيرا من التساؤلات. فالصندوق مثل غيره من المؤسسات التابعة للدولة يخضع في تسييره لمجلس إداري داخلي، وحسب محمد البقالي، الخبير الاقتصادي، فإن إحدى الخلاصات التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق حول القرض العقاري والسياحي، قبل بضع سنين، حول محدودية دور المجلس الإداري في الرقابة يمكن أن تنسحب على المجلس الذي يسير الصندوق، وجاء فيها «المجلس الإداري في المؤسسات العمومية، يبقى دوره محدودا لأن أعضاءه في غالب الأحيان غير متفرغين، يطغى عليهم موقعهم في المنظومة التيقنوبيروقراطية المتسمة بالتحفظ والانضباط إلى الهرم الإداري الذي يؤدي إلى الانبطاح لرئيس المؤسسة، حيث إن القرارات الكبرى تتخذ من خارج المجلس». وينتقد نجيب بوليف، البرلماني والاقتصادي من حزب العدالة والتنمية، عدم خضوع الصندوق لرقابة البرلمان، معتبرا أن «المنطق يفرض أن تخضع استراتيجية عمل المجلس لمصادقة البرلمان، وأن تكون المؤسسة التشريعية حاضرة في مراقبة أنشطته». ورغم أن المغرب يستنسخ عادة تجارب من فرنسا، فإن صندوق الأمانات والودائع الفرنسي يخضع لرقابة صارمة تساهم فيها المؤسسة التشريعية. ففي الجانب الإداري، هناك لجنة التتبع والمراقبة، وهي تضم أربعة نواب، أحدهم من مجلس الشيوخ، والثلاثة من البرلمان، يضاف إليهم مدير الخزينة، ووالي بنك فرنسا، وأربع قضاة، اثنان يمثلان مجلس الحسابات، واثنان يمثلان مجلس الدولة. وهناك أيضا رئيس مجلس الرقابة لصناديق التوفير في فرنسا، ورئيس غرفة التجارة والصناعة بباريس. وهذا المجلس يجتمع مرتين في الشهر، ويقدم للمدير الأنشطة كلها والقرارات التي يجب اتخاذها، وهذه اللجنة تراقب كل القرارات والتوجهات الاستراتيجية، وكل الشراكات، وفضلا عن ذلك هناك المراقبة الكلاسيكية الخاصة بمراقبة الحسابات. إن اعتماد الصندوق على المراقبة والمحاسبة المالية الداخلية، يثير بعض الإشكالات، ولعل ما أثير من تساؤلات مؤخرا حول سعي الصندوق لتضخيم عائداته، بإدراجه لمليار درهم ضمن أرباحه، في وقت كان عليه، حسب خبراء مستقلين، وضعها ضمن احتياطي المؤسسة، يلقي الضوء على الإشكاليات المحاسبية للصندوق. وقد أثير هذا الخلاف، أثناء التصديق على حسابات الصندوق لسنة 2007، حيث انصب النقاش حول أرباح بقيمة مليار درهم حققها الصندوق عبر محفظة أسهم شركة التأمين «أطلنطا»، حيث اعتبر الخبراء المحاسبون أن ذلك المبلغ يجب أن يدمج ضمن احتياطات الصندوق، في الوقت الذي أصر فيه الصندوق على ضرورة إلحاقه بالأرباح المدعمة التي تضم جميع الأرباح التي حققتها الفروع. وقد تخوف الخبراء المحاسبون من أن يكون دمج المليار درهم ضمن الأرباح وسيلة لتضخيم أرباح صندوق الإيداع والتدبير، وهو الأمر الذي ينفيه مسؤولو الصندوق بشدة. وتعود فصول هذه القضية إلى دخول شركة التأمين «أطلنطا» إلى البورصة، حيث قررت الإدارة المالية لصندوق الإيداع والتدبير تعزيز أسهمها. ومن أجل ذلك، فقد عهدت بذلك إلى فرعها «صافابورس» للقيام بالتعاملات في البورصة. وخلال عدة أسابيع، فإن هذه الأسهم كانت موضوع سلسلة من المعاملات، حيث تم بيعها واستردادها في الوقت ذاته من طرف فاعلين في البورصة. وقد أسفرت هذه المعاملات عن مكاسب تجاوزت مليار درهم. ورغم أن مثل هذه العملية سليمة من الناحية القانونية، لكن خلال تقديم حصيلة المحاسبة السنوية، فإن محاسبي المجموعة اعتبروا المبلغ الذي حققته أسهم أطلنطا، قيمة مضافة حققتها المجموعة ككل. وهذا ما استرعى انتباه مراقبي الحسابات الخارجيين عندما كانوا يراجعون حسابات المجموعة. فبالنسبة إليهم، فإن محاسبي صندوق الإيداع والتدبير ما كان عليهم أن يعملوا على أن يتضمن مليار درهم في الحسابات، لأنهم يرون أن مكانه الطبيعي هو الاحتياط، لكونه قد تم تسجيله فيما قبل من طرف الفروع التي نفذت العملية في الأرباح. أيضا فإن بعض التدخلات الاقتصادية للصندوق، خاصة في البورصة تثير تساؤلات، مثل اقتناء أسهم نادي البحر الأبيض المتوسط في وقت كانت فيه أسهم النادي متدنية، ومع ذلك اقتناها الصندوق بأثمنة عالية، إضافة إلى تدخلات الصندوق لصالح أسهم مجموعات اقتصادية معينة، كل هذا يثير تساؤلات لدى الاقتصاديين. ويثار مشكل آخر بخصوص عدم وضوح استراتيجية الصندوق في علاقته بالدولة وبالشخصيات النافذة. وهكذا عندما طلب فؤاد عالي الهمة من وزير الإسكان توفيق حجيرة تمويل مشروع «المدينة الخضراء» في بن كرير، دائرته الانتخابية، لم يلق التجاوب الكافي، فلجأ إلى مصطفى البكوري صديقه في جمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، وهكذا تولى الصندوق التوقيع على اتفاقية إحداث هذه المدينة، وعبئ لها غلاف مالي بلغ 7 مليارات درهم!