سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الواحد مبرور : البحث العلمي هدف تعوزه الإرادة الحقيقية والإمكانيات المادية واللوجستيكية قال إن التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي فرضت على الجامعة الإنصات إلى محيطها
يعتبر عبد الواحد مبرور، عميد كلية الآداب بجامعة شعيب الدكالي في الجديدة، في هذا الحوار الذي أجرته «المساء» أن التغيرات السريعة التي عرفها المجتمع المغربي فرضت على الجامعة المغربية ضرورة الإنصات إلى محيطها وتحليل هذا المعطى والتعامل معه بكثير من العقلانية والواقعية على ضوء التطور الذي يشهده سوق الشغل جهويا ووطنيا ودوليا. مشيرا إلى أنه رغم أن الإدارات المتعاقبة على الجامعة المغربية سطرت البحث العلمي كأحد أهدافها إلى أنه مازال يعاني من غياب إرادة حقيقية للدفع بعجلته إلى الأمام وتوفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية لتحقيق الأهداف المسطرة. - جاء الإصلاح الجامعي برهانات كثيرة، ماذا تحقق في هذا الرهان على صعيد جامعة أبي شعيب الدكالي عموما وكلية الآداب تحديدا؟ لم يغب رهان تقريب وإدماج الجامعة في محيطها السوسيو اقتصادي عن اهتمامات المحيط الجامعي، بجميع مكوناته، وخاصة في بعض المؤسسات التي لها صلة وثيقة بالمحيط الاقتصادي، إلا أن التغيرات السريعة التي عرفها المجتمع المغربي، بكامل بنياته، منذ ثمانينات القرن الماضي، فرض على الجامعة المغربية ضرورة الإنصات إلى محيطها وتحليل هذا المعطى والتعامل معه بكثير من العقلانية والواقعية على ضوء التطور الذي يشهده سوق الشغل جهويا ووطنيا ودوليا. لقد بدأت بعض المؤسسات الجامعية، وخاصة التي يطلق عليها المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، كليات الآداب والعلوم الإنسانية وكليات العلوم وكليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، في الاهتمام تدريجيا، بما يتطلبه سوق الشغل من مهن وكفاءات جديدة، حيث تم خلق مجموعة من التكوينات ذات طبيعية مهنية (الإجازات التطبيقية) كان الهدف منها تحسيس الفاعلين الجامعيين بضرورة الإنصات إلى انتظارات الطلبة وإيجاد الصيغ الناجعة لملاءمة التكوين مع احتياجات التشغيل. لقد تم في جامعة شعيب الدكالي، مثلا، اعتماد ما يناهز 23 إجازة مهنية و12 ماستر متخصص، موزعة بين كليتي العلوم والآداب والكلية متعددة التخصصات، ولها علاقة بالميادين الفلاحية والصناعية والبيئية والتجارية والمالية وتدبير الموارد البشرية وشبكة الاتصالات وبهندسة العلوم والتنمية المستدامة وغيرها. وبخصوص كلية الآداب، فقد تم اعتماد ثلاثة تكوينات إجازة مهنية في العمل الاجتماعي (فاعل في التنمية الاجتماعية، تنشيط سوسيو ثقافي، ووساطة اجتماعية) وتكوين في السياحة والتراث وتكوين في تدريس اللغة الإنجليزية وآخر في الصحافة والإعلام، انطلق هذه السنة في الكلية، كما تم اعتماد ماستر متخصص في تدبير المجالات والتنمية الفلاحية وآخر في التداخل الثقافي والترجمة. وفي إطار الشراكة التي تربطها ببعض الفاعلين الاقتصاديين في الإقليم، تقدم الكلية تكوينات لفائدة المستخدمين والأطر التابعة لهذه المؤسسات. والكلية بصدد وضع اللمسات الأخيرة لاستكمال تكوين بعض الخريجين في إطار شراكة مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، والهدف من هذه التكوينات إعادة تأهيل بعض حاملي الشهادات العليا لتمكينهم من الاندماج في النسيج الاقتصادي المحلي أو الجهوي أو الوطني أو مساعدتهم على خلق مقاولتهم بأنفسهم. كما أن الانفتاح على المحيط الجامعي يتطلب الحضور والمشاركة الفعالة في المجالس المسيرة للجامعات والمؤسسات، حيث إن المُشرِّع نص على عضوية الفاعلين المُنتخَبين والاقتصاديين في هذه المجالس، إلا أن الملاحظ -وأظن أن هذا ينسحب على باقي المدن الجامعية- هو غياب أغلبية هؤلاء عن دورات المجالس وعن مناقشة الشأن الجامعي في علاقته بالتنمية المحلية والوطنية. - تعزيز استقلالية الجامعة مشروط بدمقرطة العلاقات بين مكوناتها، ما هي الآليات التي تقترحها لتفعيل الأمرين، الاستقلالية والدمقرطة؟ يهمّ مفهوم الاستقلالية الجوانب البيداغوجية والإدارية والمالية للجامعة، إلا أن ما تم تحقيقه حتى الآن يهم، بالأساس، الاستقلالية البيداغوجية، بمعنى أن ما كان يحدد بموجب مرسوم على الصعيد الوطني بخصوص التكوينات والبرامج أصبح، منذ انطلاقة الإصلاح البيداغوجي سنة 2003، يقدم من قبل الجامعات عبر الهيآت المكونة لها، إذ تصادق عليها مجالس المؤسسات ومجالس الجامعات قبل اعتمادها وطنيا من قبل اللجنة الوطنية للاعتماد والتقييم. كما أن الاستقلالية البيداغوجية للجامعات تكمن في إمكانية تقديم برامج وتكوينات تعتمد محليا في إطار الشواهد الجامعية. إلا أن مفهوم الاستقلالية لم يطل بعدُ الجانبين الإداري والمالي، حيث ما زالت الجامعة المغربية تعتمد في تدبير مواردها البشرية والمالية، بشكل كبير، على الوزارة الوصية. إن استقلالية الجامعة رهينة بتفعيل جميع بنود القانون، وخاصة في شقه المالي والإداري، وبإيجاد الوسائل الكفيلة لوضعها على أرض الواقع والآليات لاعتمادها وتقييمها. -من المهام الأساسية للجامعة المعاصرة تشجيع البحث العلمي في مختلف حقول المعرفة، غير أن واقع الحال في الجامعة المغربية يظهر غياب إستراتيجيات واضحة في هذا المجال، ما هو تصورك لهذه الوضعية؟ لقد كان تشجيع البحث العلمي من الأهداف التي سعت إليها الإدارات المتعاقبة منذ نشأة الجامعة المغربية، إلا أن هذا الجانب كان يشكو، دوما، من غياب إرادة حقيقية للدفع بعجلته إلى الأمام وتوفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية لتحقيق الأهداف المسطرة. وكيفما كان الحال، فإن الوضعية التي يعيشها البحث العلمي الآن، وخاصة منذ انطلاق الورش الوطني لإعادة هيكلة البحث العلمي في المغرب، أحسن بكثير مما كان عليه الأمر قبل انطلاق الإصلاح الجامعي.. إن اعتماد نظام وحدات التكوين والبحث ونظام الدكتوراه الوطنية في نهاية التسعينات واعتماد نظام هيآت البحث من مجموعات بحث ومختبرات، منذ 2005، أعطيا دفعة قوية للبحث العلمي، رغم ضعف الإمكانيات المرصودة، حيث تم تجميع الباحثين في مجموعات بحث ومختبرات حول مواضيع بحث محددة وفي إطار هيكلة جديدة. وقد جاء البرنامج الاستعجالي في إطار تعاقدي بموارد مالية مهمة لتشجيع البحث العلمي بناء على تقييم سنوي يعتمد مؤشرات موضوعية تقيس المردودية العلمية للأساتذة الباحثين وللمؤسسات الجامعية: عدد المنشورات العلمية، عدد الهيآت المعتمدة، عدد المشاريع الممولة، عدد الأطروحات المناقشة، عدد البراءات المقدمة وغير ذلك. كما أن خلق مراكز دراسة الدكتوراه في الحقول المعرفية الثلاثة: العلوم والتقنيات والآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والقانونية والاقتصادية كان الهدف منه تجميع الكفاءات والموارد وتوفير إمكانيات أفضل لممارسة البحث العلمي، من كتب ومجلات مخصصة وإمكانيات مادية ولوجستيكية، لتمويل مشاريع البحث وتوفير الظروف الملائمة للاشتغال. إن الإمكانيات التي رُصِدت في إطار البرنامج الاستعجالي حسّنتْ، إلى حد ما، أداء ومردودية هذا القطاع، إلا أن بعض التحديات التي تواجه البحث العلمي ما تزال قائمة، إذ يجب أن تكون الحلول جذرية وبنيوية. ورغم المؤاخذات التي سجلتها العديد من الدول على المعايير المُعتمَدة في هذا الترتيب، والذي يخدم أساسا الجامعات الأنجلو سكسونية، بحكم التقاليد المتبعة منذ عشرات السنين، فإنه يعطي نظرة عن واقع البحث والتكوين في الجامعات على الصعيد الدولي، حيث يتم اعتماد ثلاثة عشر مؤشرا يخص البحث (30 %) وتأثير البحث (32,5 %) والتكوين (30 %) وتواجد الباحثين والطلبة الأجانب (5 %) والمداخيل المترتبة عن شراكات مع القطاع الصناعي (2,5 %). - ما أهم إجراءات النهوض بهذا القطاع؟ إن النهوض بهذا القطاع رهين بعدة إجراءات، نذكر منها: بلورة سياسة بحث واضحة المعالم، على المدى المتوسط والبعيد، إن على المستوى الوطني أو بالنسبة إلى الجامعات، الرفع من الميزانية المرصودة للبحث العلمي، لكي تتجاوز عتبته النسبة الحالية من الناتج الداخل الخام وإعادة النظر في شبكة الترقية وإيلاء البحث العلمي المكانة التي يستحقها مقارنة مع ما هو معمول به في الدول المتقدمة في هذا الميدان وتحفيز طلبة الدكتوراه لتخصيص كامل وقتهم للبحث العلمي، ثم الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البحث في ميدان الآداب والعلوم الإنسانية وعدم تعميم المؤشرات والمعايير المعتمدة في العلوم والتقنيات على باقي الميادين، إضافة إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص والهيآت المُنتخَبة من مجالس جهات ومجالس إقليمية في تمويل البحث العلمي، كما هو الحال بالنسبة إلى الدول المتقدمة، إذ إن الدولة لوحدها لا يمكنها تغطية نفقات هذا القطاع وتحفيز الأساتذة الباحثين المنتجين للبحث العلمي، وأخيرا خلق مراكز بحث بشراكة مع القطاع الخاص.