الحسن اللحية تتميما للقول السابق، نقول إن هناك عناوين أخرى أكثر جاذبية من تلك التي تظهر علامات المكر مثل: ما معنى التعلم في مجتمع المعرفة؟ وهناك شعارات أخرى توقعية تستند إلى مقررات المنظمات العالمية واللوبيات الاقتصادية، مثل التربية في القرن21 أو مدرسة الغد أو التعليم للجميع أو سبل مدرسة المستقبل.. كما ترفعها المنظمات الدولية، ومنها «OCDE» على وجه الخصوص، التي أصدرت عدة تقارير واضحة ومباشرة، مثل التقرير المعنون بالتكنولوجيات الجديدة في المدرسة وتعلم التغيير وغيرها من التقارير والمؤلفات المؤلفات.. إن المتأمل والمتتبع لهذه الدعوات -والأوامر أحيانا- سيجدها تراهن على تنمية أشكال جديدة للتعليم، تطال طرق التدريس والتكوين والمضامين والتقويم ومضاعفة التعليم الممنوح على النترنت حتى ترتبط المدرسة بواقعها الخارجي. ولم تغفل «OCDE» وضع سيناريوهات، حددتها في ستة، للمرور إلى مدرسة الغد، إلى مدرسة تنمي الكفايات الأساسية (علما أن مفهوم الكفايات الأساسية أصبح رائجا في مقررات اللجنة الأوربية وتقرير المجلس الأعلى للمملكة المغربية الصادر سنة 2008) من أجل استعمال التكنولوجيات الجديدة، أو بتعبير آخر إن التحكم في الرقمي سيسهل الولوج إلى التعلم مدى الحياة وعاملا للإدماج الاجتماعي والاقتصادي. إذن، رغم المجاز والاستعارة البراقة التي تأخذها العناوين الجديدة للإصلاح، تظل هذه العناوين مليئة بهذيان النفعية ولغة الاقتصاد، مثل المردودية والنجاعة والإنتاجية وقيم السوق وثقافة المقاولة. إن هذا التصور الذي يريد أن يجعل التربية اقتصادا والتعليم سوقا لم يتبلور بما فيه الكفاية في المغرب، وإن كان العمل من أجله مفتوحا على كل ما يعجل بمجيئه، مثل تعميم الإعلاميات وتعدد شركات الهاتف والولوج إلى الأنترنت وربطها بالمؤسسات التعليمية وإعفاء التعليم الخاص من الضرائب وتعدد أنواع الشهادات العليا والأنظمة التعليمية وخلق الجسور والمسالك والإجازات المهنية وفتح الجامعة أمام المقاولات والشركات... إلخ. هكذا، سنصبح أما تصورات جديدة آتية ومدعومة من طرف المنظمات الكبرى، تستحضر ثقافة المقاولة والاقتصاد الافتراضي والتربية العابرة للأوطان، تتجسد في ثلاثة محاور هي: -ملاءمة المدرسة مع منتظرات السوق، -استعمال التعليم لتحفيز الأسواق، -تحول المعارف والتربية إلى سوق جديد. 2. التعليم واقتصاد الهشاشة ستنوب المنظمات الدولية، بأقنعة متعددة، عن مسؤولي السياسة في البلدان المتخلفة لتهيئ الأجواء لظهور النزعة النفعية، وذلك بالتركيز على جعل وظيفة النظام التربوي في التعليم الأساسي (9 سنوات) وهي محاربة الأمية أو الهدر المدرسي، وما عداه سيدخل مزاد التحرير والتنافسية. سيتزامن التفكير في اقتصاد الهشاشة والتحولات التي أصابت مفهوم الشغل ذاته في الدول المتقدمة مع ظهور أنماط جديدة لم يعهدها التصور الكلاسيكي للعمل أو الشغل أو منصب الشغل، وسيثير قضايا لا حصر لها تهم اللا مساواة وتكافؤ الفرص وماهية المرونة في سوق الشغل والتشغيل والتعاقد والضمانات. كما سيطرح اقتصاد الهشاشة مفاهيم مركزية تهُمّ التكوين والتأهيل وغياب الاعتراف... إلخ. إن اقتصاد الهشاشة هو اقتصاد «atypique» لا يتناسب مع المفهوم الاقتصادي الكلاسيكي للعامل والأجير، ولذلك ينشغل منظروه ب«l'insertion»، بإستراتيجيات متعددة. إنه اقتصاد المرونة والتكيف. يجب على الفرد أن يعيش الشغل بدون ضمانة ولا تعاقد، على الفرد أن يجد الفرصة ليندمج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك عليه إنْ كان من المتمدرسين أن يطلب من المدرسة معرفة على المقاس، معرفة ومهارة تمكّنانه من إيجاد تلك الفرصة النادرة. لا يتعلق الأمر في اقتصاد الهشاشة بأن تكون المدرسة مدرسة العلم والمعرفة والتنشئة الاجتماعية وتكوين المواطن.. ستكون وظيفة هي «مهر» المتعلم بما يخدمه في الآن، في الحياة اليومية وفي وضعياتها. ولذلك عليه ألا يشحن ذهنه بتاريخ الرياضيات ومشاكلها الإبستيمولوجية أو صراع الإيديولوجيات أو الفن... إلخ، إن ما هو في حاجة إليه هو أن يعد ويقرأ ليجد موقعا في النسيج الاجتماعي. فالتعلم، حسب هذا التصور، يكون خارج المدرسة وبعد التمدرس الإلزامي، لأن التعلم أصبح تعلما مدى الحياة، من المهد إلى اللحد. وتلك هي إيديولوجيا الليبرالية الجديدة الكاسحة. ففي مجال التمدرس، سيكون التفكير في اقتصاد الهشاشة حاضرا بقوة في مخرجات النظام التربوي الأساسي (9 سنوات من التعليم الأساسي)، حيث سينصب التفكير تربويا وبيداغوجيا ووظيفيا على إمكانات إدماج المتعلم منذ السنة التاسعة في نشاط ما، وتلك هي إستراتيجية بيداغوجيا الإدماج في البلدان الفقيرة. ستتوجه إلينا «بيداغوجيا» (الإدماج) كبيداغوجيا للفقراء، حيث يرى غزافيي رويجرس أن المقاربة بالكفايات المبنية على تنمية الكفايات المستعرضة في المدرسة تتوجه إلى تلاميذ ليست لديهم مشاكل مع المكتسبات الأساس. وهذه المقاربة غنية وطموحة تحتاج إلى مدرّسين مكونين تكوينا جيدا. كما تتطلب تجهيزات وشروطا مناسبة، ولذلك فإن هذه المقاربة تصلح للدول الغنية. في حين أن الدول الفقيرة لا يمكن أن تنجح فيها هذه المقاربة إلا إذا اقتصرت على تنمية الكفايات الأساس، أو كما تسمى اليوم «بيداغوجيا» الإدماج، التي تمكن التلميذ من الاندماج في النسيج السوسيو -اقتصادي، وحيث لا يحصل ذلك إلا بتدخل من منظمات دولية مثل (Unesco Unicef Oif) وغيرها من المنظمات الدولية غير الحكومية (ONG)، والغاية هي الرفع من مستوى القراءة في هذه الدول. ستكون المقاربة بالكفايات الأساس هي إجابة على مشاكل الأمية الوظيفية». ويضيف، غزافيي رويجرس في مؤلف آخر، قائلا: «بعد أن طورت هذه المقاربة تحت اسم بيداغوجيا الإدماج، تمت أجراتها في عدد من البلدان الأوربية والإفريقية، ابتداء من سنوات 1990، وأساسا في مناهج التعليم الابتدائي والإعدادي، وكذا في التعليم التقني والمهني.. تحاول بيداغوجيا الإدماج، باستنادها إلى مبدأ إدماج المكتسبات، خصوصا من خلال الاستثمار المنتظم لوضعيات الإدماج، أن تقدم حلا إجرائيا لمشاكل الفعالية في الأنظمة التربوية ولمشكل الأمية الوظيفية المتلازم معها، وتقدم أيضا بعض عناصر حل مشاكل الإنصاف في هذه الأنظمة، ما دام أن الاشتغال على الوضعيات المركبة يعود بالنفع على جميع التلاميذ وبنفع أكبر على أولئك الذين يشكون من ضعف كبير». يرى رويجرس، في كتابه «بيداغوجيا الإدماج، الكفايات وإدماج المكتسبات في التعليم»، أن هناك هوة سحيقة بين ما تقدمه المدرسة من معارف لحظية وبين الوضعيات التي كان من الأجدر بها أن تهيء التلاميذ لمواجهتها. لقد ألف التلاميذ منذ صغرهم التعامل مع المعارف مجزأة، مما ينعكس على نمط تفكيرهم الضيّق في الوضعيات البسيطة. وقد تم رصد ذلك من خلال أبحاث كثيرة بينت مشكل الأمية الوظيفية، بمعنى أن هناك أشخاصا اكتسبوا معارف في المدرسة الابتدائية وليسوا قادرين على استعمال معارفهم في الحياة اليومية.