منذ أسبوع وولاية الرباط تستعد لتصوير أكبر برنامج للكاميرا الخفية في المغرب. ضيف الشرف هذه الحلقة التي سيتم بثها اليوم الجمعة، هو الملك شخصيا. فبمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان كما هي العادة كل جمعة ثانية من أكتوبر، لم تجد ولاية الرباط ومجلس مدينتها من طريقة أخرى للكذب على الملك سوى طلي واجهة بنايات شركة «باليما» بالصباغة البيضاء، والإبقاء على أوساخ الواجهة الخلفية السوداء التي لم تذق طعم الصباغة منذ سنوات. ومن كثرة الخوف (يخافو ما يحشمو)، فقد صبغوا أيضا واجهة محطة القطار حتى قبل أن ينشف المرطوب الذي ضربه عمال البناء الثلاثة «المقلزين» منذ أشهر هناك للحيطان التي نبشوها من أجل ترميمها. ومن يراقب وتيرة العمل في محطة القطار الرئيسية لعاصمة الملك، ويرى كيف أن المحطة التابعة لوزارة التجهيز والنقل، يشتغل فيها عمال بناء بعدد أصابع اليد منذ أشهر طويلة، حتى دون أن يضع أي واحد منهم خوذة الوقاية، يفهم أن كريم غلاب الذي «يفرع» لنا رؤوسنا بدروسه حول السلامة الطرقية بلافتات إشهارية معلقة في الشوارع يشبه فيها رؤوس سائقي الدراجات النارية برؤوس «الكرعة المفرشخة»، ينطبق عليه المثل القائل «خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع». وعوض أن ينشغل غلاب فقط باحترام شروط السلامة الطرقية، عليه أن ينشغل أيضا باحترام شروط السلامة المهنية في أوراش البناء التابعة لوزارته. فليس هناك ورش واحد في جميع محطات السكك الحديدية التي تخضع للتجديد عامل واحد يضع خوذة واقية كما ينص على ذلك قانون الشغل. حتى المقر الفارغ الذي يشكل امتدادا للبرلمان صبغوا حيطانه المتسخة، ومسحوا زجاج المقر الجديد لمجلس المستشارين، الذي لم يتم تدشينه رسميا بعد رغم أنه كلف غلافا ماليا قدره 242،8 مليون درهم. وهذه أيضا كارثة من كوارث غلاب. فالمقر الجديد الذي تكلفت ببنائه وزارة التجهيز كلف ضعف ميزانيته بسبب تعثر الأشغال وطولها، والتي حطمت رقما قياسيا باستغراقها لعشر سنوات كاملة. فالمشروع انطلق منذ الفترة التي كان فيها جلال السعيد رئيسا للبرلمان إلى اليوم. ومن يرى كل الوقت والبطء الذي استغرقه بناء مقر جديد لمجلس المستشارين جنب البرلمان دون أن يحرك هذا البرلمان ساكنا، يفهم صمت هذه المؤسسة بخصوص كل المشاريع الأخرى التي تسرح بخطوات السلاحف في ربوع المملكة. والواقع أن ما حدث هذه الأيام في شارع محمد الخامس بالرباط الذي تعكر له السلطات المحلية طواراته بذلك الأحمر الفاقع، والذي لكثرة الماء فيه يسيح فوق زفت الطريق، يعطينا صورة فاضحة حول الطريقة التي ينصب بها بعضهم على الملك بطريقة الكاميرا الخفية. ويكفي لاكتشاف «حيالات» هذه الكاميرا ومخرجيها العباقرة أن يغير الملك مسار موكبه نحو البرلمان ويمر من الممرات الخلفية لشارع محمد الخامس، كشارع علال بنعبد الله مثلا حيث يعم الظلام لكي يكتشف حيطان البنايات المتسخة، وأسطل القمامة التي تصطف أمام البنوك والمؤسسات، والأرصفة المقلعة الرخام. وإذا انعطف نحو الأعلى في طريق عودته نحو المشور وألقى نظرة نحو النافورة الرخامية التي أنجزها المهندس العبقري لشارع محمد الخامس، فسيكتشف أن رخامها طار وأن بزابيزها نهبت وأن المياه الوحيدة التي توجد بداخلها هي مياه الأمطار الأخيرة والتي «خززت»، ولم يعد ينقصها سوى كورال من «الجران» يؤدي أغنية «يا إخوتي جاء المطر». لقد أصبح بعض المسؤولين مخرجين كبارا في تقنية الكاميرا الخفية. إلى درجة أن بعضهم في تطوان بمجرد ما أنهى تصوير تدشين الملك لمستوصف طبي وغادر إلى قصره، حتى جمعوا الآلات الطبية التي صوروا الملك معها، وأعادوها إلى المستشفى الذي استعاروها منه وأغلقوا المستوصف في وجه المرضى، حتى تدشين آخر. فقد اتضح أن المستوصف الذي دشنه الملك لا يتوفر سوى على الحيطان، أما المعدات الطبية فكلها مستعارة من مستشفى آخر. فهل كل هذه التقنيات الإخراجية مرت من تحت أنف زليخة نصري مستشارة الملك دون أن تشتم رائحة الخدعة السينمائية فيها. أم أنها مجبرة على البحث عن مؤسسات يدشنها الملك حتى ولو كانت «ديال بلعاني». وعلى العموم فالمسؤولية تتحملها زليخة نصري، لأنها هي المشرفة المباشرة على المشاريع التي يدشنها الملك في المدن التي يزورها. وجرت العادة أن تسبق زليخة الملك إلى المدن التي سيزورها لكي تضع اللمسات النهائية للمشاريع التي سيدشنها. وعندما تضع زليخة إشارة الموافقة على مشروع يحظى بزيارة الملك، فالمفروض أن تكون متأكدة من «شغلها»، وأن تحرص على عدم توريط الملك وصورته في مشاريع كارتونية تنهار أبوابها وأسوارها وتغرق معداتها في مياه الأمطار مباشرة بعد تدشينها. فالذي يتضرر في الحقيقة ليس الأسوار والأبواب فقط ولكن صورة الملك أيضا. فباب المستشفى متعدد الاختصاصات، وهذه كذبة أخرى لأن المستشفى ليس فيه سوى تخصصين يتيمين أما بقية التخصصات الأخرى التي تم عرض أطبائها أمام الملك فقد استعاروهم من مستشفى محمد السادس، انهار يوما واحدا قبل زيارة الملك. وعندما زاره الملك سقط سوره في اليوم الموالي وأغرقت المياه أقسام جراحته. والمسجد الذي دشنه الملك بتطوان جردوه بعد ذهاب الملك من مكيفات الهواء، وسقط بابه يومين بعد تدشينه، ولولا الألطاف الإلهية لكان قتل أحد المصلين الذي اتكأ عليه لكي يلبس حذاءه فتهاوى الباب الضخم أمامه مثل ورقة. أما «مشاريع الخير والنماء» كما يسميها مصطفى العلوي في نشرة «كولو العام زين» بالقناة الأولى، في الناضور وتطوان والفنيدق فقد جرفتها مياه الأمطار في ليلة واحدة، وكأن هذه الطرق والقناطر مبنية جميعها بالمسوس. وعندما نرى كيف أن مؤسسات عمومية، كالمكتب الوطني للمطارات، يسيرها مهندسون اختارهم المهندس الأكبر مزيان بلفقيه من بين خريجي «مدرسة الطرق والقناطر» العريقة بباريس، تعاني محطاته الجوية الحديثة في مطار محمد الخامس ومطار مراكش من تسرب «القطرة» بعد نزول الأمطار، نفهم أن بعضهم لم تصور فيه دروس الهندسة بباريس لا حق ولا باطل، وأن الخبرة الوحيدة التي تعلموها في «مدرسة الطرق والقناطر» هي سياسة «التقنطير». إن سبب استمرار هؤلاء المخرجين السينمائيين الرديئين في تصوير منجزاتهم بنجاح أمام الملك بتقنية الكاميرا الخفية، هو عدم محاسبتهم بعد انفضاح أمرهم بتهمة النصب والاحتيال على الملك والشعب. اليوم سيفتتح الملك البرلمان. هل يستطيع أحد أن يقول لنا أين وصل البحث الذي أمر به الملك في مثل هذا اليوم من السنة الماضية عندما انقطع التيار الكهربائي في البرلمان في حضوره. أكيد أن الجميع نسي هذه الحادثة. إن مشكلتنا الكبيرة نحن المغاربة هي أننا ننسى بسرعة. ولهذا نلدغ من الجحر ذاته مرات ومرات دون أن نتعظ. كان المغاربة في السابق يخرجون لأداء صلاة الاستسقاء لكي يجود الله علينا بالأمطار، لكن مع هؤلاء المسوؤلين الغشاشين يبدو أن المغاربة سيعوضون صلاة الاستسقاء بصلاة الاستنشاف. فاللهم «ملقاك مع الجفاف ولا ملقاك مع الفيضان». على الأقل الجفاف عندما يضرب لا يجرف الطرق والقناطر المغشوشة. اللهم نص خسارة ولا خسارة كاملة.