هل أعلن موقع «ويكليكس» نهاية عصر «الملفات السرية للغاية»؟ هل أصبحت الشفافية كلمة مفتاح لفهم ما جرى في العالم وما يجري فيه حاليا من تطورات؟ «إف. بي. أي» فطنت لهذا الأمر ورفعت طابع السرية عن نحو 3 آلاف ملف. أبرزها معلومات مثيرة عن إدكار هوفر، مدير المكتب السابق، الذي أمسك بزمام «إف. بي. أي» لمدة قاربت نصف قرن، بالإضافة إلى تفاصيل مثيرة عن فنانين عالميين قُرنت أسماؤهم بشبكات المافيا وصراع السود من أجل حقوقهم المدنية وعلاقة بالمد الشيوعي وتقارير خاصة عن آل كينيدي وأصدقائهم، وفي مقدمتهم الممثلة والمغنية المثيرة للجدل مارلين مونرو. يبدو أن الاختراقات التي حققها موقع «ويكليكس» في الملفات السرية للغاية في الولاياتالمتحدةالأمريكية جعلت «الشفافية» أمرا لا يعلى عليه في بلاد «العم سام». ما عاد شيء، على ما يبدو أيضا، يفلت من فضول رواد الأنترنت، بدليل الاهتمام الكبير الذي أولاه الأمريكيون لنحو 3 آلاف ملف سري للغاية كشف عنها مكتب التحقيقات الفيدرالي في السنة الماضية، تتطرق إلى ملفات كانت، إلى وقت قريب، تتناقل معلوماتها تحت طابع «سري للغاية» من قضايا آل كابون إلى المعلومات الخاصة بأسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، مرورا بوني وكليد ومارلين مونرو ومالكوم إكس وآل كينيدي. غير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يلتزم بكامل الشفافية في الملفات، التي رفع عنها طابع السرية في السنة الماضية. فقرات عُمد إلى إخفائها بلون أسود، وأسماء كثيرة أريد لها، لأسباب مجهولة، أن تبقى طي الكتمان. وإذا كان متصفح الأنترنت ذكيا، فإنه لا شك سيلاحظ أيضا كتابات سطرت على الهامش بخط اليد. إنها ملاحظات أكثر مسؤولي المكتب غموضا في تاريخ المكتب، وهو إدكار هوفر، الذي أدار شؤون التحقيقات الفيدرالية بقبضة من حديد لفترة قاربت نصف قرن امتدت من 1924 إلى 1972.
الرجل الغامض..
عاصر إدكار هوفر ثمانية رؤساء أمريكيين من كوليدج إلى نيكسون، وتعايش مع نزاعين دوليين كبيرين، هما الحرب العالمية الثانية وحرب الفيتنام. شهدت فترة قيادته لمكتب التحقيقات الفيدرالي أيضا تعاقب قياديين كبار على حكم دول تصنف ضمن قائمة خصوم الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنافسيها على الريادة العالمية، وهم ماو تسي تونغ في الصين وستالين وزعماء شيوعيين آخرين في الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. داخليا كان شاهدا على أحداث تاريخية من قبيل نضال الأمريكيين من أجل تمتيع السود بحقوقهم المدنية والحملة الشاملة على الشيوعيين. قضى إدكار هوفر 48 سنة في منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، انتقل فيها العالم إلى عصر الحداثة رغم المحاولات التي قام بها هوفر نفسه من أجل إفشال هذا الانتقال. وربما لم يكن هوفر يدري أنه سيأتي يوم تتحول فيه حياته إلى فيلم سينمائي بدأ عرضه في القاعات العالمية قبل أيام قليلة، طرح للعرض في القاعات السينمائية الفرنسية على سبيل المثال في 11 يناير الجاري، يجسد فيه الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو شخصية هوفر. كان هوفر يبدو كشخص مجنون، لكنه كان جنونا خاصا على طريقته، وهو ما يثير شهية كبار كتاب السيناريو في «هوليود»، كما أن سيرته ملتصقة تمام الالتصاق بولايات أمريكية «جاهلة» مهووسة بثلاثة أمور هي «الحُمْر والسود والشواذ». لم يغادر هوفر الأراضي الأمريكية طيلة حياته إلا مرتين، وفي كلتا المرتين لم يدم غيابه عن الأجواء الأمريكية سوى ساعات قليلة، وتتمثل إحدى هاتين المرتين في وضعه قدميه على الأراضي المكسيكية على الخط الحدودي بين البلدين. ولد هذا الرجل في العاصمة الأمريكيةواشنطن في سنة 1895، قانوني التكوين، وكان مؤمنا، إلى أبعد الحدود، بمثالية النموذج الثقافي الأمريكي. وتعتبر ميولاته الجنسية أبرز دليل على هذا الأمر. كان هوفر مهووسا بتكوين ملفات خاصة «يراقص» بها كبار الشخصيات الأمريكية. من ذلك، التقاطه صورا لزوجة الرئيس الأمريكي روزفلت، إليانور روزفلت، وهي عارية تماما، كما فعل بالزعيم الزنجي مارتن لوثر كينغ، وكثير من خصومه في المجال القانوني. كان يكره زوجة الرئيس لأنها، وكما يقول، محاطة بكثير من اليساريين والاشتراكيين، الذين كانوا في نظره أعداء للولايات المتحدةالأمريكية. وماذا عن الشذوذ الجنسي؟ كان الشذوذ الجنسي إحدى أكبر القضايا التي حظيت باهتمام مكتب التحقيقات الفيدرالي تحت قيادة هوفر. إذ عمد هذا الأخير إلى إعداد ملف خاص عن الصحافيين والنواب البرلمانيين الشواذ، ولم يكن يفوت فرصة للتعبير عن استهجانه لمثل هذه العلاقات. لم يكن يتوقف عن إبداء امتعاضه ونفوره من روك هودسون، أول شاب يعترف بشذوذه الجنسي في هوليود، وقد زادت نقمة هوفر على هودسون بعد تجسيده شخصية أحد عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي في شريط سينمائي أدت فيه كلاوديا كاردينال دور البطولة. غير أن هوفر، الذي كان يبين عن كره شديد للشواذ، لم تعرف عنه علاقات، من أي نوع، مع النساء. كانت أمه المرأة الوحيدة في حياته، حيث عاش معها إلى حين وفاتها، وكان جاوز يومها الأربعين بقليل. وفي المقابل، تروى حكايات تسخر من ميولاته الجنسية، ولعل أشهرها ما نقل عن سوزان روسونسييل، زوجة أحد كبار رجال الأعمال الأمريكيين في القرن الماضي، عن ذات ليلة من سنة 1958، التقت فيها هوفر وهو يرتدي فستانا نسائيا أحمر اللون، كما لو أنه امرأة تستعد للسمر. لكن أنتوني سامر، وهو كاتب تخصص في كتابة سيرة هوفر، يرجح أن تكون شبكات المافيا من وراء ترويج هذه القصص عن هوفر بسبب العداء الشديد الذي كان يكنه هذا الأخير أيضا لهذه الشبكات، والأضرار الكثيرة التي ألحقتها حملاته التمشيطية بأعمالها. ومع ذلك، تبقى علاقة هوفر بصديقه وساعده الأيمن، كليد تولسون، العلاقة الوحيدة المعروفة عنه. فهل كانت علاقة هوفر بالرجل الثاني في مكتب التحقيقات الفيدرالي تتجاوز حدود الصداقة؟ يسود انقسام بين المهتمين بحياة هذين الرجلين بخصوص هذه القضية، وقد أثارت لقطة من الشريط السينمائي سالف الذكر، يظهر فيها هوفر ممسكا يد تولسون، عددا من قدماء رجال «إف. بي. أي». وعموما، فقد ساد الاعتقاد، طيلة العقود الماضية، بأن علاقة الرجلين لم تكن تقف عند حدود الصداقة فقط. وقد أوصى هوفر لتولسون بثروته بعد وفاته، وأوصى هذا الأخير قبل موته بدفنه بجوار هوفر. وأيا كانت الحقيقة، فإن هوفر لا يزال حاضرا بقوة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولا سيما أن المقر المركزي للمكتب بالعاصمة الأمريكيةواشنطن لا يزال يحمل اسمه. ولعل هذا النوع من القضايا هو ما يفسر إقدام المكتب على التأكيد، في تقديمه للملفات المرفوع عنها طابع السرية، بأن «هذه الملفات لا تعبر عن المواقف الحالية ل«إف. بي. أي»». مونرو وسيناترا مع المافيا أولى «إف. بي. أي» اهتماما كبيرا بمحاربة شبكات المافيا وتفكيكها مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى. الملفات التي رفع عنها طابع السرية في السنة الماضية تكشف عن عمل خاص قام به عملاء «إف. بي. أي» في هذا الصدد، هَم علمين في سماء الفن الأمريكي في القرن الماضي، وهما مارلين مونرو وفرانك سيناترا. كان سيناترا، حسب أحد مخبري «إف. بي. أي»، «ابن أخ رالف كابون، وهذا الأخير يعتبر أحد كبار زعماء المافيا بمدينة شيكاغو، وهو أيضا إحدى إخوة زعيم المافيا الشهير آل كابون. ربما يكون آل كابون أخرجوا سيناترا إلى العلن ووجدوا له عملا في ناد ليلي ودفعوا للصحف مبالغ مالية مقابل تقديم اسمه للعالم». وقد وردت أيضا أسماء نجوم آخرين أمثال بوغسي سييجيل، الذي نقلت عنه ملفات «إف. بي. أي» اتصاله شخصيا بكل من سيناترا ولانا تورنر من أجل افتتاحه فندقه، الذي يحمل اسمه «فلامينغو»، ولم تخل هذه الملفات أيضا من أسماء أخرى من قبيل لوكي لوسيانو. وحسب عملاء المكتب دائما، فقد التقى لوسيانو بسيناترا في العاصمة الكوبية هافانا في مارس 1954. وتقول قصاصة أحد المخبرين في هذا الصدد: «ذكرت مصادر متطابقة أن سيناترا كان هنا في هافانا برفقة أفا غاردر. نزل الاثنان بالفندق الوطني بالعاصمة الكوبية. وقد تم تنظيم لقائهما مع لوسيانو من طرف الإخوان فيشيتي، وهم قريبون جدا من مافيا آل كابون المتمركزة بالأساس في شيكاغو. وقد نال آل كينيدي أيضا نصيبا من اهتمام برقيات مخبري «إف. بي. أي». والمثير أنه كلما أوتي على ذكر سيناترا، إلا ويتبعه بالضرورة حديث عن آل كينيدي. الاهتمام بآل كيندي بدأ في وقت مبكر مع جو الأب. ثم تبع ذلك تتبع لأخبار الأسرة قبيل وصول جون إلى البيت الأبيض، ورصدت بعد ذلك علاقته بمارلين مونرو، تماما كما فعل بأخيه «بوبي» في وقت لاحق. تقارير المكتب تفيد بأن هذا الأخير كان آخر من رأى مارلين قبيل إقدامها على الانتحار. غير أن اهتمام «إف. بي. أي» لم يبدأ مع اقتران اسمها بآل كينيدي، وإنما انطلق بمجرد ظهورها إلى جانب الكاتب أرتور ميلر، الذي كان من أشد المدافعين عن الشيوعيين. وشمل ترصد المغنية والممثلة الشهيرة أيضا تنقلاتها التي وصفت بالمثيرة للشكوك، خصوصا إحدى رحلاتها إلى المكسيك في سنة 1962. ومع ذلك، لا يوجد شك بأن تتبع خطوات مارلين مونرو بلغ أوجه في الفترات التي كانت فيها قريبة جدا من عائلة «كينيدي». واستمرت في إثارة مخبري «إف. بي. أي» حتى بعد وفاتها، حيث أبدى أحد عملاء المكتب في إخبارية له شكوكا حول الأسباب التي دفعت أحد الأثرياء إلى إبداء استعداد لأداء مبالغ خيالية نظير الحصول على بعض مقتنيات مارلين مونرو.
العدو الشيوعي
كان إدكار هوفر يكن عداء شديدا لكل ما هو أحمر، ولا سميا الأفكار. لكن كان لافتا أنه كان يسند أغلبية الملفات المتعلقة بالشيوعيين، الذين يرمز إليهم عادة بلونهم الثوري، اللون الأحمر، إلى الرجل الثالث في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويليامز كورنيلوس سوليفان. ففي 23 غشت 1963، وضع وليامز تقرير مفصلا من حوالي 70 صفحة عن التأثير الشيوعي على السود الأمريكيين، وكان من حسن الحظ أن خلص التقرير في النهاية إلى فشل الحزب الشيوعي، دون أن يذكر إلى أي دولة ينتمي هذا الحزب، في اختراق التنظيمات المطالبة بتمتيع السود بحقوقهم المدنية. غير أن إدكار هوفر لم يقتنع على ما يبدو بذلك التقرير ودفع بقوة في التوجه نحو الترويج لأطروحة تفضي، في نهاية المطاف، إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الشيوعيين، وفي مقدمتهم الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، بالتحكم في توجيه تظاهرات السود. أكثر من ذلك، فتح هوفر المجال أمام اعتماد جميع المقاربات الممكنة من أجل تجميع المعطيات المتعلقة بوجود ترابط محتمل بين المد الشيوعي المحذق ببلاد العم سام وقتها وبروز مظاهرات السود وداعميهم من أجل الحصول على حقوقهم المدنية. الترخيص الصادر من هوفر منح الضوء الأخضر لمخبري «إف. بي. أي» باعتماد جميع الطرق، بما فيها الخارجة عن القانون، أثناء النبش في هذا الملف تحديدا. أكثر من ذلك، تمكن هوفر في أكتوبر 1963 من انتزاع موافقة روبير كينيدي، وزير العدل وقتها، وكان أخوه جون رئيسا، على وضع مكتب مارتن لوثر كينغ تحت المراقبة. وقد ظلت هذه المراقبة طي الكتمان مدة طويلة بسبب العلاقات التي كانت تجمع كينغ بالرئيس كينيدي قبل أن يتسلم هذا الأخير مفاتيح البيت الأبيض. وقد مكنت هذه المراقبة عملاء «إف. بي. أي» من التوصل إلى استنتاج جديد يقر، أخيرا، بوجود علاقات بين تيارات السود في الولاياتالمتحدةالأمريكية والمد الشيوعي. وتعبيرا عن انتشائه بهذا الإنجاز، كتب هوفر بخط يده على هامش البرقية المؤكدة لهذه العلاقة ما يلي: «سعيد باعترافكم بهذا التأثير، والآن يجب أن نقوم بواجبنا». الأسلوب ذاته اعتمده هوفر في تتبعه للعديد من الملفات التي كانت لها بصمة واضحة في توجيه صانع القرار الأمريكي طيلة المدة التي أمسك فيها هوفر بزمام مكتب التحقيقات الفيدرالي. كانت المراقبة سيفا يسلط على رقاب كل من يشك فيه هوفر أو تبلغ عنه معلومات تثير شك الجهات العليا في الدولة، ولم تكن عدم وسيلة للحصول على المعلومات التي يريد. وهكذا، نجح في تسجيل حضور قوي في تدبير ملفات كبرى من قبيل الحرب العالمية الثانية والصراع الأمريكي السوفياتي في السنوات الأولى من الحرب الباردة، وما تميزت به من سباق محموم بين القطبين نحو التسلح.
علاقة غرامية بين مارلين مونرو وبوبي كينيدي «كان بوبي كينيدي متورطا في علاقة غرامية مع الممثلة والمغنية مارلين مونرو، وقد كرر على مسامعها أكثر من مرة بأنه مستعد لتطليق زوجته من أجل الاقتران بها. غير أن مارلين أخبرته أخيرا بأنه ليس ضمن دائرة طموحاتها، وفي تلك الأثناء ألغت «سانتوري فوكش» عقد العمل معها. فقدت مارلين مونرو السيطرة على أعصابها..اتصلت بروبير كينيدي من منزلها الكائن ببرينتوود من أجل إبلاغه بالخبر. طلب منها بوبي ألا تقلق ووعدها بأن يتدبر الأمر. وكما لو أنه لم يقع أي شيء، عاود الاتصال بها بعد ذلك وهددها من مغبة الكشف عن تفاصيل علاقتهما. كان بوبي حاضرا في المدينة يوم انتحارها. وقد اتصل ببتير لاوفرود من أجل التأكد مما إدا كانت مارلين ماتت حقا.. غو ديماغيو، كان على إطلاع بقصة بوبي ومونرو، وصرح بأنه لن يتردد في قتله حين يفصل من منصبه أو تنتهي ولايته. كانت مارلين مونرو أيضا على علاقة شاذة مع (يشطب على اسمها) بالموازاة مع علاقتها الغرامية مع بوبي. جون كينيدي كان يأتي بدوره إلى هنا، وكانت له مغامرات جنسية مع (يشطب على أسمائهن). تم تسجيل إحدى هذه المغامرات الجنسية من طرف مكتب تحريات خاص. طالب الحصول على مبلغ (المبلغ ليس مقروءا) من أجل تمكينه من هذه التسجيلات، التي يمكن التعرف فيها على الأصوات بسهولة. مقتطف من تقرير مؤرخ في 19 أكتوبر 1964.