ونحن على بعد أيام قليلة من انطلاق الدورة ال13 للمهرجان الوطني للفيلم في طنجة الذي ينظمه المركز السينمائي المغربي، بتعاون مع الهيئات المهنية في القطاع السينمائي، لا بد من القيام بإطلالة على المشهد السينمائي المغربي لهذه السنة حتى نتعرف، من جهة، على الأجواء التي ستقام فيها هذه الدورة والتي لا شك ستستأثر بالاهتمام لكونها تعرف أفلاما جديدة لمخرجين جدد، ولعودة مخرجين أوائل مثل حميد بناني مخرج فيلم «وشمة» والمخرج نبيل لحلو والمخرج محمد العسلي، ولكونها تتزامن مع التحول الهام الذي طبع المشهد السياسي المغربي الذي سيكون له، لا محالة، الأثر على الإبداع الفني والسينمائي في بلادنا؛ ولنعلم، من جهة أخرى، مدى وفاء المركز السينمائي بوعوده التي أطلقها السنة الماضية أو السنوات الماضية بخصوص السير العام للسينما في المغرب. 1 - الحصيلة الإيجابية في البداية ونحن نستعرض إجمالا حصيلة 2011 السينمائية، لا بد من القول إن السينما لازالت تستأثر باهتمام الرأي العام المغربي، إن على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الإعلامي وحتى التعليمي (في إشارة إلى أنشطة المؤسسات التعليمية والجامعية)، وللأسف ليس على المستوى الثقافي لكون الطبقة المثقفة في المغرب لازالت بعيدة (ومستبعدة) عن السينما، إلا ما كان من بعض الفعاليات الثقافية الفردية المواكبة لها والتي يظل تأثيرها محدودا. وهذا الجانب من المؤكد أن له انعكاسات سلبية على الإبداع السينمائي سنتطرق لها لاحقا. ولا شك أن هذا الاهتمام المتزايد بالسينما راجع بالأساس إلى سياسة الدعم المتبعة من طرف الدولة والتي أدت إلى ارتفاع الإنتاج السينمائي، حيث وصل هذه السنة إلى أزيد من 20 شريطا طويلا. وهي السياسة التي يرسخها المركز السينمائي المغربي بإعطائه الأولوية للجانب الكمي قبل النوعي. وبكل موضوعية ورغم التحفظات، لا بد من القول إن المركز السينمائي نجح في هذه المهمة، محدثا بذلك حركية سينمائية على المستوى الوطني مكنت الأفلام المغربية من المشاركة بقوة في عدة مهرجانات سينمائية دولية. وهذه الحركية وازتها حركية أخرى في ما يخص التظاهرات السينمائية التي وصلت إلى ما يزيد على 50 تظاهرة سينمائية (وإن كان بعضها للتأثيث فقط)، من بينها 27 مهرجانا سينمائيا، تتوزع بين الوطني والدولي وتستقطب أسماء سينمائية وثقافية عالمية مثل المفكر الفرنسي إدكار موران الذي سيترأس لجنة التحكيم للدورة ال13 للمهرجان الوطني للفيلم في طنجة. وتشهد السينما المغربية سنة 2011 أيضا تطورا على المستوى الفني والتقني من خلال بعض الأفلام التي أبان مخرجوها عن اجتهادات فنية متميزة رفعت من مستوى الإبداع السينمائي في بلادنا، وتجعلنا نقول إننا بلغنا مرحلة من النضج لم يعد مسموحا فيها بالضعف الفني والتقني في السينما المغربية، إن لم نقل إن التمكن من اللغة السينمائية أصبح شيئا متجاوزا، بل ومن خلال عملية التأثر والتأثير أصبحت التنافسية على أشدها بين السينمائيين المغاربة في تقديم الأفضل. لم يظل النقد السينمائي المغربي بمعزل عن هذا التطور الحاصل في السينما، فهو الآخر (رغم المعيقات المتعددة والحسابات الشخصية الضيقة) كان هذه السنة أكثر حضورا وأكثر تمثيلية في التظاهرات السينمائية والبرامج الإعلامية والأنشطة الجامعية وفي النقاشات الدائرة حول الإبداع السينمائي المغربي. كما طور النقد السينمائي لغته وأسلوبه، حيث أصبح أكثر احترافية وأكثر عمقا في التحليل كما توضح ذلك العديد من المقالات والكتابات المختصة التي تصدر هنا وهناك، وإن كنا لا زلنا نسجل شحا (وقلة التشجيع) في ما يخص الإصدارات حول السينما بالمغرب، في الوقت الذي ازداد فيه عدد البحوث الجامعية المتطرقة للسينما، وللصورة عموما. من جهة أخرى، أبانت سنة 2011 عن تشكل نواة من السينمائيين الشباب القادمين من معاهد السينما، تمتلك كل المقومات الفنية والتقنية التي تؤهلها لإضافة الجديد إلى السينما المغربية ولرسم مستقبلها بلون آخر، بغض النظر عن المضامين التي تقدمها. 2 - الإخفاقات لكن، في المقابل، لازلنا نسجل نقصا في البنية التحتية من قاعات سينمائية ومدارس ومعاهد عمومية للسينما، فضلا عن تراجع على مستوى ما كان متوفرا من قاعات سينمائية، وهي الظاهرة التي لم يفلح المركز السينمائي ولا الوزارة الوصية إلى غاية الآن في التصدي لها أو في إرساء استراتجية بعيدة المدى لمقاومتها، ولا في استقطاب رؤوس الأموال الخاصة، مما يعني الاستمرار في القرصنة وفي تراجع نسبة المشاهدة والإقبال على دور السينما المتبقية. مشكل كتابة السيناريو هو الآخر لا زال قائما، فكتاب السيناريو قليلون والمخرجون لا يثقون في قدرات أحد ولا يكلفون أنفسهم عناء تقديم سيناريوهاتهم إلى الكتاب والمؤلفين والأدباء من أجل قراءتها، حتى يتسنى تطعيمها بمقترحات جيدة أو إغناؤها بأفكار عميقة. وهذا يبين مدى القطيعة الحاصلة بين المخرجين والأدباء والمثقفين المغاربة، وإصرار المخرجين على عدم التعامل مع الأدب المغربي والتراث والتاريخ المغربيين، إلا في حالات نادرة. وهذه القطيعة، التي لا نجد لها أثرا في الدول التي تعتني بأدبها وفكرها، تجعل من السينما المغربية مبتورة في مضامينها أو لنقل سطحية أحيانا في مواضيعها وحواراتها. قد يكون لمبادرة المركز السينمائي في استدعاء بعض المفكرين والأدباء المغاربة للمشاركة في لجنة التحكيم لبعض المهرجانات أثر إيجابي، لكن التعاون الحقيقي والفعال يبتدئ من العملية الأولى في إنتاج الشريط السينمائي وهي الكتابة. وفي هذا الصدد، نثمن تجربة المخرج عبد القادر لقطع والشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي، ونتمنى رؤية تجارب أخرى ناجحة تجمع مثقفين وسينمائيين مغاربة، ولاسيما أن المغرب يعرف الآن حراكا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، يفرض على كل الفعاليات الوطنية التعاون والتوافق من أجل مشروع ثقافي وسينمائي وطني. ناقد سينمائي