منحت أخيرا لجنة دعم الإنتاج السينمائي، في إطار الدورة الثانية لصندوق الدعم برسم سنة 2011، تسبيقات على المداخيل بعد الإنتاج لثلاثة أفلام طويلة. ويتعلق الأمر ب «الأيادي الخشنة» لمحمد عسلي (مليون و500 ألف درهم)، وهو الشريط الذي قد يشارك به في مؤتمر دبي، مما يوحي أن الغيوم التي كانت تخيم على العلاقة بين المخرج محمد عسلي وإدارة المركز السينمائي ربما قد تبددت. وفيلم «العقاب» لمخرجه عين الحياة (800 ألف درهم)، ثم الفيلم القصير «أمنيزيا» لمخرجه على طاهري (150 ألف درهم). أما الأشرطة التي استفادت من دعم التسبيق على المداخيل والتي وصلت ميزانيتها الى 20 مليون درهم ل11 فيلما، (من بين 16 شريط طويل و 2 قصيرين) والتي تعرف عودة بعض الوجوه السينمائية مثل فريدة بورقية ولطيف لحلو وعهدة بنسودة ثم بالأخص ليلى المراكشي، فتتوزع كالتالي: «زينب وردة أغمات» لفريدة بورقية (3 ملايين و800 ألف درهم)، و»وانس كابن أ فادر يو» لمخرجه محمد عاشور (3 ملايين و400 ألف درهم)، و»خلف الأبواب المغلقة» لمحمد عهد بنسودة (3 ملايين و150 ألف درهم)، و»عيد ميلاد» للمخرج لطيف لحلو (3 ملايين و500 ألف درهم)، و»كنازة بارتي» لليلى مراكشي (3 ملايين درهم) التي صرحت من قبل في إحدى الصحف المغربية أن شريطها المقبل سيسير في نفس التوجه الذي سار عليه شريطها السابق «ماروك»، بمعنى الإثارة والاستفزاز. ثم الفيلم القصير»لقاء» لمخرجه مصطفى الزيراوي (200 ألف درهم). هذا بالإضافة إلى أن اللجنة منحت «منحة الجودة» للشريطين الطويلين «براق» لمحمد مفتكر (300 ألف درهم) الذي استطاع ان يخضع الجانب التقني للفكرة، و»نهاية» (دي ياند) لمخرجه هشام لعسري (200 ألف درهم). ويمكننا أن نتساءل: هل يستحق الشريط الأخير هذه المنحة؟ فالشريط، وإن تضمن بعض اللمسات الفنية المتميزة، موغل في الجانب التقني لدرجة فقدان المخرج ماهية السينما، كما هو موغل في «لغة ما تحت الحزام». ولذلك ستكون قراءتنا للنتائج من زاوية مضامين الأفلام وليس زاوية الأرقام التي يجيد لغتها المركز السينمائي المغربي ووزارته الوصية، وكان تطور السينما ببلادنا رهين بذلك فقط. وعليه، فإذا كان لقاء لجنة دعم الإنتاج السينمائي يندرج في إطار إجراء إداري روتني قد تدخل فيه اعتبارات أخرى سياسية أو إيديولوجية أو زبونية، فانه بالنسبة لنا كنقاد وكمهتمين و بالنسبة للمجتمع المغربي يعتبر لقاء مصيري يحدد مسار السينما ببلادنا، هذه السينما التي لازالت محط انتقاد من طرف الجميع بمختلف التوجهات والتصورات الفنية والفكرية. والتي، رغم تزايد الإنتاج واستقطاب الاستثمارات السينمائية الأجنبية وتوفر الموارد الطبيعية والبشرية، لم تلج عالم الصناعة لكي تحقق إقلاعا ثقافيا واقتصاديا. ولهذا نرى أن السؤال المطروح منطقيا وله شرعيته: أي مصداقية للجنة دعم الإنتاج السينمائي في ظل تردي الإبداع السينمائي؟ ونتحدث هنا عن اللجن التي عينت في السنوات الأخيرة. أي مصداقية إذا كانت لجنة دارسة المشاريع السينمائية المغربية (سيناريو الإخراج، الإنتاج...) تعطي الموافقة لأفلام ذات حوار منحط، مبتذل وفاحش ينفر المشاهد من السينما، ولأفلام تفتقد إلى العمق في القصة والحوار والشخصيات والجانب الجمالي (الاستيتيقي). أي مصداقية للجنة تضم كتابا وأحيانا أدباء ولا تعترض على أفلام عقيمة في الخيال والإبداع وبعيدة عن الأدب المغربي المتميز ولا ترقى بفكر المتلقي ولا تشبع رغباته الفرجوية (بالمفهوم السينمائي المتعارف عليه). وفي هذا الصدد لابد من الاعتراف أن مثل هذه الأفلام تكرس القطيعة التي تعيشها النخبة الوطنية المثقفة مع السينما المغربية. فنخبنا لازالت لا تجد ضالتها (الفنية والفكرية) إلا في الإبداعات الأجنبية. وهذا دليل على أن جل المخرجين المغاربة، وخاصة الجيل الجديد (الذي كنا نعتقد انه سيتسفيد من تجربة جيل الرواد والتجارب العالمية مع دراسته في الخارج)، لا ينظر إلى الإبداع السينمائي كفعل ثقافي وحضاري مسؤول وكمرآة لمجتمعنا و هويتنا الثقافية، وانما كحرفة للاسترزاق وكسلعة لابد أن تحقق ربحا هاما. ولكي تحقق ذلك الربح لابد من أن تتجه إلى الإثارة والاستفزاز والجنس، وتبتعد عن الجدية والالتزام الاجتماعي والثقافي. إن المتأمل لمسار السينما المغربية، يلاحظ أن هذه الأخيرة انزاحت عن خطها الفني والثقافي التي سارت عليه منذ بداية السبعينيات إلى غاية منتصف التسعينيات من القرن الماضي. حيث الحس الوطني والهم الثقافي كان حاضرا بقوة في الإبداع السينمائي رغم المعيقات المادية والتقنية. اليوم أزيحت تلك المعيقات لكن غاب الحس الوطني والمشروع الثقافي، فأعطى هذا الغياب أفلاما هجينة بدون هوية و فارغة من أي محتوى فكري أو فلسفي. أما على المستوى الفني فإلى غاية اليوم لم تتشكل أي مدرسة سينمائية مغربية تعبر عن حساسيات فنية معينة و عن انشغالات جماعية لدى المخرجين. المدرسة الوحيدة التي تشكلت اليوم وفي السنوات الأخيرة هي هواجس الجنس والإثارة المجانية والتهكم على قيم المغاربة وهويتهم الثقافية والروحية والوطنية، وإطلاق العنان لمكبوتات واستيهامات المخرجين. ولائحة الأفلام طويلة بداية من شريط «كازا نيكرا» (وما قبله) ومرورا ب»اكس شمكار»، وصولا إلى شريط «على جناح الهوى» و»نهاية « و»فيلم»...وهي أشرطة تجاوزت كل الضوابط الاجتماعية والمعنوية المتعارف عليها مغربيا. فضلا عن أشرطة أخرى لا علاقة لها بالبيئة المغربية (لولا، لحظة ظلام، قنديشة، الرجل الذي باع العالم...). لقد أكدنا في كتابات سابقة أن السينما المغربية اليوم، رغم تحقيقها لبعض المكتسبات محليا ودوليا، على مفترق الطرق: فإما أن ترقى إلى مستوى انتفاضة الشارع المغربي من اجل غد أفضل في ظل دستور جديد. وإما ستكرس الفجوة بين السينما والمجتمع.