عرفت مشاركة المنتخب المغربي في نهائيات كأس إفريقيا سنة 1972 مجموعة من المفارقات الغريبة التي تستحق أن تروى، كي يستخلص منها جيل السعيدي ولبيض الدروس والعبر. شاءت القرعة أن يواجه المنتخب المغربي في التصفيات المؤهلة إلى النهائيات منتخبين قويين، إذ نازل المنتخب المغربي منتخبي الجزائر ومصر في معارك وصفت بالنهائيات المبكرة، حيث لم تحسم إلا بفارق الأهداف المسجلة، لكن جامعة كرة القدم ارتأت أن تتعامل مع مدربين خلال التصفيات الأول يوغوسلافي وهو فييدنيتش والثاني إسباني وهو باريناكا الذي كان يشرف على تدريب الجيش الملكي والمنتخب الوطني بأمر من العسكر. قبل السفر إلى الكاميرون التي احتضنت نهائيات كأس إفريقيا للأمم، قررت الجامعة التوقف في بلدين، السينغال أولا بعد رحلة جوية من مطار النواصر دامت أربع ساعات، وبعد خوض مباراة ودية انتقل الوفد المغربي جوا صوب العاصمة النيجيرية لاغوس، حيث قضى المنتخب أربعة أيام كاملة، تنقل خلالها برا إلى جنوب البلاد وتحديدا مدينة بورت هارت كورت التي تبعد عن العاصمة النيجيرية بأزيد من 600 كلومتر. توقفت بعثة المنتخب المغربي في هذه المدينة الساحلية من أجل التقاط الأنفاس، قبل متابعة الرحلة الشاقة على متن الحافلة ذاتها، والتي كان يقودها سائق بزي رياضي ظل طيلة المسافة يردد أهازيج من التراث النيجيري، قبل أن يخترق الغابات الاستوائية ويعبر نهر بيموي الذي تسيطر على معابره جماعات مسلحة أعلنت الهدنة مع لاعبي الكرة. يروي اللاعب الدولي السابق العربي شباك ل «المساء» تفاصيل مغامرة برية مكنت لاعبي المنتخب ومدربه من الاستمتاع برحلة مجانية إلى السفانا الإفريقية، فيقول: «حين وصلنا إلى مطار لاغوس اعتقدنا أن الرحلة إلى دوالا الكاميرونية ستكون جوا، قبل أن نعرف بأن الرحلة ستكون برا عبر حافلة «غير سياحية»، قطعنا المسافة الرابطة بين العاصمة النيجيرية والحدود الكاميرونية في ظروف صعبة وكنا نتوقف في بعض المداشر الصغيرة لتناول وجباتنا الغذائية،ونخشى من وقوع عطب في محرك السيارة أو العجلات حينها سنكون وجها لوجه مع الوحوش والأفاعي التي كانت تتجول في جنبات الطريق لكننا وصلنا بقدرة إلهية إلى دوالا المدينة الكاميرونية التي تحتضن مبارياتنا، وصل اللاعبون في حالة إنهاك تام وتبين للجميع أن تحقيق نتائج إيجابية في مثل هذه الظروف صعب بل ومستحيل، هذا في وقت لم يتم فيه اكتشاف بعض الأمراض المرتبطة بالحياة في الأدغال الإفريقية». إذا كانت القرعة قد أنصفت المنتخب المغربي وحملته إلى نهائيات كأس العالم لأول مرة في تاريخ الكرة المغربية، فإنها لم تكن رحيمة بالفريق الوطني في دوالا، حيث أن تعادل أشبال المدرب باريناكا في مباريات الدور الأول بنفس الحصة (1-1)، لم يمنح المنتخب المغربي الضوء الأخضر للعبور إلى الدور الثاني، حيث احتكم إلى القرعة مع منتخب الكونغو الذي كان محظوظا، فأكمل المشوار بينما جمع لاعبو الفريق الوطني حقائبهم وعادوا من حيث أتوا على متن نفس الرحلة الشاقة. الغريب أن منتخب الكونغو الذي مر إلى الدور الموالي بضربة حظ، تمكن من الوصول إلى المباراة النهائية والفوز بكأس إفريقيا أمام استغراب الجميع، بينما تبين أن التعادل الإيجابي بهدف لمثله، وهي النتيجة التي حققها المنتخب المغربي في مبارياته الثلاث أمام الكونغو والسودان ثم الزايير، ليس حتما إيجابيا بعد أن منح المغاربة تأشيرة خروج من المسابقة. تعادل الفريق الوطني المغربي في المباراة الافتتاحية أمام الكونغو بهدف لمثله سجله أحمد فرس، وبعد أربعة أيام تعادل منتخبنا بنفس الحصة أمام السودان من توقيع نفس اللاعب، وختم المشوار بتعادل مماثل أمام الزايير بهدف فرس دائما، لكن الأهداف الثلاثة لم تشفع في التأهيل وهو ما جعل شباك يشبهها بالعملة المزيفة. كان المنتخب المغربي يتكون من مجموعة أغلبها خاض نهائيات كأس العالم في المكسيك، مع إضافة عناصر شابة كنجاح وشباك ويغشا وأبو علي والتازي، إلا أنها شكلت النواة الصلبة لمنتخب حاز بعد أربع سنوات على كأس إفريقيا للأمم من قلب أديس أبابا».