دعونا نعقد مقارنة بسيطة بين دولتين جارتين هما المغرب والجزائر تشتركان معا في تخلفهما وتتقاسمان رتبا متقاربة في سلالم ضعف التنمية البشرية وانتشار الفساد في تقارير المنظمات الدولية. قبل أيام وقعت فيضانات في كل من المغرب والجزائر جرفت في طريقها مدنا بحالها. في الجزائر نالت مدينة غرداية نصيبا أوفر من التدمير، أما في المغرب فقد جرفت الأمطار والسيول مدينة إمينتانوت، وأوقعت قتلى وجرحى ومنكوبين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم. والغريب في الأمر هو أن جريدة الوزير الأول عباس الفاسي الناطقة باسم حزب الاستقلال الذي لديه في حكومته الموقرة (نسبة إلى الوقر الذي في آذانها وليس إلى الوقار) وزير للتجهيز وآخر للتعمير وثالثة للصحة كلهم استقلاليون، فضلت أن تتحدث عن فيضانات غردايةبالجزائر في الوقت الذي ضربت فيه «الطم» عن فيضانات إمينتانوت. وأفرزت مكانا على صدر صفحتها الأولى لنشر برقية التضامن والعزاء التي بعث بها الملك إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يواسيه ويواسي الشعب الجزائري في مصابهم، في الوقت الذي أمسك فيه حزب الاستقلال لسان حاله عن الحديث حول الوفد الوزاري الذي ألغى زيارته لإمينتانوت في آخر لحظة، والتي كانت مبرمجة ليوم الجمعة الماضية من أجل الوقوف على الكارثة التي ضربت المدينة والتعبير للسكان عن مساندة الحكومة لهم في هذه الظروف القاسية. وبما أن لسان حال الوزير الأول مهتم أكثر بمأساة سكان مدينة غردايةالجزائرية أكثر من مأساة سكان إمينتانوت المغربية، فقد كان على هذا «اللسان» أن يتحدث عن الندوة الصحافية التي عقدها أويحي رئيس الحكومة الجزائرية قبل أمس، والتي أعلن فيها أمام وسائل الإعلام الجزائرية والدولية عن تخصيص حكومته لأكثر من 322 مليون دولار لإعادة إعمار مدينة غرداية التي دمرتها الفيضانات. هل كلف الوزير الأول عباس الفاسي نفسه المشي حتى مقر وزارة الاتصال، هو الذي يدمن رياضة المشي في أوقات الفراغ، لعقد ندوة صحافية يخبرنا فيها بالمبلغ المالي الذي خصصته حكومته لإعادة إعمار مدينة إمينتانوت التي دمرتها الفيضانات. ولأن الوزير الأول مشغول بتمثيل الملك في الأعياد الوطنية للدول الشقيقة والصديقة وإعطاء الحوارات للمجلات الأجنبية حيث يحصي إنجازاته الحكومية، فإن الذي يتدخل في مثل هذه الكوارث الوطنية هو وزير الداخلية. وقد جاء تدخل شكيب بنموسى سريعا كما عودنا دائما، وأرسل تعزيزات أمنية كبيرة إلى المنطقة المنكوبة، وحملة الاعتقالات جارية، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، على قدم وساق. وفي الوقت الذي خصصت الحكومة الجزائرية مبلغ 322 مليون دولار لإعادة إعمار غرداية التي تبكي لحالها جريدة عباس الفاسي، خصصت الحكومة المغربية دعما عاجلا وتاريخيا غير مسبوق لإنقاذ ضحايا فيضانات إمينتانوت. ويشتمل هذا البرنامج الإنساني المستعجل على عشرة كيلوغرامات من الدقيق وكيلو غرام واحد من العدس واللوبيا وعلبة شاي وخمسة لترات من زيت المائدة و«كاشة» واحدة لكل عائلة تضررت من الفيضانات. تخيلوا ماذا يمكن أن تصنع عائلة فقدت كل تجهيزات بيتها المطبخية، وكل «قشها هزه الماء»، وانتهت بدون ماء للشرب في الصنابير ولا كهرباء في الأسلاك، بكيلو من العدس واللوبيا. عدا ترقيدهما في الماء الذي اجتاح البيوت، لا أحد سيتمكن من طهي هذه القطنية وأكلها. ببساطة لأن هؤلاء المنكوبين فقدوا مطابخهم. اللهم إذا كانت حكومة عباس تنتظر من هؤلاء المنكوبين أن يعودوا إلى العصر الحجري ويعدوا طعامهم على نار الحطب، الذي بالمناسبة جلبته السيول من الأعالي إلى غاية بيوت المواطنين. في كل البلدان التي تحترم نفسها، عندما تتعرض إحدى مناطقها للنكبات الطبيعية فإن أول شيء تقدمه فرق التدخل والإنقاذ للمنكوبين هو الأغطية والأدوية والسوائل والأكلات الجاهزة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية. ولم يسبق أن سمعنا في أي مكان من العالم أن منكوبي الفيضانات في منطقة ما أسعفتهم حكومتهم بالفول أو العدس أو اللوبيا. اللهم إذا كانت هذه الحكومة تريد أن تضيف إلى مشاكل المنكوبين النفسية والعصبية مشاكل أخرى في الجهاز الهضمي بسبب الرياح الغليظة التي تتسبب فيها القطنية لمستهلكيها. وكأن الرياح القوية التي هبت على المنطقة لا تكفي الحكومة. وعندما نرى كيف خصصت الدولة «كاشة» واحدة لكل عائلة متضررة من الفيضانات، نستغرب كيف أن الدولة التي يفتخر عباس الفاسي في جريدته بتصنيف اسمها من طرف أسبوعية «الصانداي تايمز» ضمن الدول السبع التي تمكنت من تحقيق نتائج ايجابية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، عاجزة رغم نموها الاقتصادي الباهر عن تحقيق شعار «كاشة» لكل مواطن منكوب. مادامت هذه الدولة عاجزة عن تحقيق الشعار الذي رفعته حكومة الجزائر والقاضي ببناء أربعة آلاف منزل لمنكوبي فيضانات غرداية قبل نهاية 2008. أي بمعدل منزل لكل عائلة منكوبة. وبالله عليكم ماذا ستصنع عائلة منكوبة متعددة الأبناء بكاشة يتيمة. هل سيتغطى بها الأب أم الأم أم الأبناء. اللهم إذا كانت الدولة تريد أن تطبق بهذه الكاشة مفهوم «التجمع العائلي». بحيث يقتسم كل أفراد العائلة المنكوبة الكاشة الواحدة بعد أن يصطفوا للنوم مثل السردين. ولا يخفى على الحكومة الموقرة والدولة المصونة كل المشاكل العائلية التي تنجم عن هذا النوع من «التجمعات العائلية». خصوصا عندما تشرع الأطراف العائلية في جذب «أطراف» الكاشة المسكينة كل نحو جهته. والذين تقاسموا في طفولتهم النوم مع إخوانهم تحت «دربالة» واحدة يفهمون أكثر من غيرهم حرب المواقع هذه والتي تشتد بين من ينام في أقصى اليمين وبين من ينام في أقصى اليسار. لكن يبدو أن الحكومة هذه الأيام ليس لديها الوقت للبحث عن «كاشات» للمنكوبين، فكل مجهودها مركز على إرسال «الكواش» إلى الرأي العام حتى يبقى غارقا في نومه الدافئ، خصوصا مع هذه الأزمة العالمية التي تتربص بالعالم بأسره. فالمغرب، وبفضل «كاشات» حكومته الرشيدة، يوجد في منأى من هذه الأزمة الشريرة التي تتربص بالبورصات والبنوك، وكأن المغرب يعيش في كوكب آخر غير كوكب الأرض. إنهم يكذبون على أنفسهم ويحاولون إقناعنا بأن المغرب لم يتأثر ولن يتأثر بالأزمة العالمية. على الرغم من السقوط المريع لأسهم شركات العقار في بورصة الدارالبيضاء، وتراجع «النشاط» السياحي بسرعة مخيفة، وفقدان الآلاف من المهاجرين المغاربة لوظائفهم في بلدان أوربية كثيرة. وإذا كان هؤلاء المتفائلون الأغبياء يريدون إقناعنا بأن المغرب لديه مناعة خارقة للعادة (من دون بلادات الناس)، فعليهم أن يكونوا متواضعين قليلا ويعترفوا على الأقل بأن المغرب ليس بمنأى عن التأثر بالتقلبات المناخية العالمية. ما دامت تقلبات الأسواق المالية لم تصور منه لا حق ولا باطل. ولعل ما حدث مؤخرا من فيضانات في الشمال والجنوب والوسط المغربي دليل واضح على أن مناخ المغرب تغير، وأن ما ينتظرنا أسوأ بكثير مما نتوقع. وإذا كانت حكومة عباس غير قادرة على توفير الغذاء والدواء والغطاء للمنكوبين في حالة وقوع فيضانات مهولة، فعلى الأقل يجب على هذه الحكومة أن تطور مرصد توقعاتها الجوية، حتى تخبر المواطنين «على تيساع» في وسائل الإعلام العمومية بالفيضانات التي ستجرف بيوتهم، فيستعدوا لها بأذرعهم العارية وأسطلهم وغراريفهم. ولعل أهم نشرة يجب على الدولة والحكومة إعطاءها أهمية قصوى في هذه الظروف المناخية الصعبة التي يعيشها المغرب هي نشرة أحوال الطقس. أما نشرة الأخبار فقد يئس منها المغاربة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. ودائما عندما نتحدث عن الفيضانات ومخلفاتها الكارثية نستحضر مسؤولية الحكومة والدولة وننسى مسؤولية مرصد أحوال الطقس. والسؤال هو التالي، لماذا تصلح رادارات وآلات الرصد التي اقتنتها مندوبية الأرصاد بالملايير إذا كانت عاجزة عن ترصد المنخفضات والمرتفعات الجوية التي تهدد المغرب بالأمطار الطوفانية والفيضانات، وإشعار المواطنين وإنذارهم حتى يتسنى لهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة. وربما يجهل عباس وحكومته أن هناك في حي الرياض بالرباط مركزا يحمل اسم «مركز الاستشعار الفضائي» تابعا للجنرال حسني بنسليمان ميزانيته تخرج من جيوب دافعي الضرائب. مهمته الأساسية هي مراقبة المغرب فضائيا عبر الأقمار الاصطناعية. وعوض أن يساهم هذا المركز في حماية المواطنين من الفيضانات والكوارث الطبيعية عبر استشعارها قبل وقوعها وإخبار الرأي العام بها، يفضل المركز إنجاز دراسات للمسح الفضائي للقرض الفلاحي حتى يعرف «القرض» مجموع الأراضي الفلاحية التي تمت زراعتها هذه السنة، لكي يبني عليها نسبة القروض التي سيمنحها للفلاحين خلال السنة المقبلة. وأمام كل هذه «اللهطة» لجمع المال وتسخير المؤسسات العمومية لخدمة المصالح الخاصة للشركات والمؤسسات المالية الكبرى، لا يسعنا سوى أن نطلب من الحكومة الموقرة أن تفعل كل ما بوسعها لإخبارنا بمواعيد الفيضانات والأمطار والكوارث الطبيعية قبل وقوعها بيوم واحد على الأقل. وهذا أضعف الإيمان.