سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كداي: القانون المغربي يرى أن تجارة «الأجساد» أقل ضررا من المتاجرة في الممنوعات.. الباحث في قضايا علم الاجتماع قال إن الحيف الاجتماعي وارد في ميدان البغاء
يرى الأستاذ عبد اللطيف كداي، الباحث في علم الاجتماع، أن قطاع «الوساطة»، المرتبط بالبغاء، يعرف فوضى وتجاوزات كثيرة يصعب معها تقنينه أو تحديد مجالات اشتغاله، لكونه مرتبطا بما هو أخلاقي، الشيء الذي فتح الباب أمام الوسطاء والمتعاطين ل«تجارة البغاء» بصفة عامة للحصول على أموال طائلة. كما أن هناك تناقضا كبيرا في القانون المغربي، الذي يُجرّم هذا النوع من السلوكات، بينما ي«تساهل» حينما يتعلق الأمر بالدعارة وبأباطرتها. - هل يمكن اعتبار مصطلح «القوادة» دخيلا على ثقافة المجتمع المغربي؟ بالنسبة إلى مصطلح «الوساطة» أو «القوادة» لا أعتبره تسمية دخيلة على ثقافة المجتمع المغربي، لأنه منذ القدم وهذا المصطلح مرتبط بظاهرة «البغاء»، وهي أقدم تجارة عرفتها البشرية، وحاجة هذه التجارة إلى الوساطة كانت واضحة، وبالتالي فقد كان الوسطاء دائما متواجدين منذ أن وجد هذا النوع من التجارة. بل إن مشكلة «القوادة» كانت من المشاكل الكبرى التي واجهها الإسلام في مجتمع الجزيرة العربية، والنصوص التاريخية كثيرة في هذا المضمار، منها «قصة أبي لهب»، الذي كان يمتهن القوادة و«تفنّن» فيها وكانت له مواخير في أطراف مكة. وقد كان صراعه مع الإسلام محتدما وكان من أبرز الشخصيات التي رفضت الإذعان للدين السماوي الجديد، وربما هذا يطرح افتراضا معيّناً يقضي بصعوبة التوبة والإقلاع عن هذا المسار من الانحراف. وما يروج داخل الثقافة الشعبية من أن القواد لا يتوب قد يحمل تصورا عن خاصية مُعيَّنة لهذا النوع من الممارسات الاجتماعية، وكما يقول المثل الدارج «يعفو الله عن الباغية ولا يعفو عن القوادة».. وبالتالي فالمجتمع المغربي مثله مثل بقية المجتمعات التي أنتجت هذه التجارة، رغم أن أشكال الوساطة اليوم أصبحت مختلفة نوعا ما، أُدخلت عليها تقنيات تكنولوجية وبأساليب جد متطورة، فلم تعد الوساطة بشكلها التقليدي كما في السابق، وإن كانت تُمارَس بشكل تقليدي في بعض المناطق التي لم تصلها بعدُ وسائل التكنولوجيا الحديثة. وتختلف أساليب وأشكال الوسيط حسب مراتب الدعارة، والتي تنقسم، هي الأخرى، حسب الفئات العمرية ونوع الجنس والمواصفات الجسدية للبغيّ، والتي تعد عاملا مُهمّاً في التصنيف المهنيّ، كما ترتبط مهنة الوسيط بمستوى الزبائن وكذا بنوعية العرض والطلب، وبذلك يتم تصنيفها في خانة «الدعارة الراقية»، من مثل ما نشاهده في المدن أو في المرافق السياحية الكبرى، إذ كلما كانت الدعارة «راقية»، كلما كانت طرق الوساطة «أرقى»، والعكس صحيح. - ما هي، في رأيك، الدوافع الأساسية لامتهان المغاربة الوساطة في البغاء؟ أعتقد أن امتهان جزء مهمّ من المغاربة مهنةَ الوساطة يرتبط بالدعارة عموما، ويرتبط بكون هذه «السلعة» في عمومها يكثر عليها الطلب داخليا وخارجيا، ويمكن أن نسجل أن الطلب الخارجي يُشكّل الشق الأهم بالنسبة لهؤلاء الوسطاء، لهذا فهم يبتدعون أساليب وطرقا للتحفيز من أجل تقديم عرض متميز لخدمة هذه التجارة. وهناك وجه خفيّ لهذه الظاهرة، يدخل في منطق اقتصادي مهمّ، يتجلى في كونها تُدرّ أرباحا طائلة لأهم الفاعلين فيها، وهذا ناتج عن عدم خضوعها للنظام الضريبي، وبالتالي فهي تجارة مربحة، خاصة أنها تدخل في خانة القطاعات غير المهيكَلة. إن كون هذه المهنة تمس بالمعايير الأخلاقية للمجتمع المغربي، بشكل خاص، وبالمجتمعات العربية والإسلامية، عموما، يجعل من الصعب الاتجاه إلى تقنينها وضبطها وفقا لمعايير قانونية يتم الاتفاق حولها من كافة أطراف المجتمع. إن أي اقتراح في هذا الإطار يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر. وعلى كل، يبقى مُهمّا الإشارة إلى ما تدره هذه التجارة من أرباح على الوسطاء. والمفارقة الحقيقية تكمن في التناقض القائم بين مقتضيات القانون المغربي، الذي يُجرّم هذا النوع من الممارسات، أو «المهن» بتعبير أدق، وبين واقع هذه المهنة، الذي يتطور باستمرار، من حيث أشكال وأدوات الاشتغال، خاصة مع المعطيات الرقمية الحديثة. إن عدم تطبيق القانون بشأن هذه الظاهرة هو نوع من المخاطرة بالمؤسسة القانونية وضرب لمصداقية الدولة المغربية. والأدهى من ذلك أن القانون يُطبَّق في أحيان كثيرة على البغايا الأقل حظا واللائي لا يمتلكن إلا وسائل ضعيفة لاصطياد الزبون، نظرا إلى انخفاض المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي لديهن، إنهن بغايا الشوارع أو الملاهي الرخيصة، اللائي يمضين مجمل يومهن بحثا عن شخص يمارسن معه الجنس مقابل مبلغ زهيد أو هدية رمزية أو حتى وجبة شهية.. ويكون هذا أقصى ما يَسعيْن إليه أحيانا، إلا إذا وقعن في أيدي «القوادين» و«القوادات»، فربما يتغير حالهن قليلا. وهذه الفئة من البغايا غالبا ما يسهل الإمساك بهن وتطبيق القانون عليهن ويدفعن فاتورة انخفاض مستوى المعيشة وتخلي الأسرة والمجتمع عنهن، وربما دفعهن الوالدان إلى البغاء ليخرج «القواد»، سواء كان من الأسرة أو من خارجها «سالما»، كما يتم أيضا الإفراج عن الشريك. يمكن القول إن قطاع الدعارة في المغرب يعتبر من القطاعات المُدرّة للدخل على عدد كبير من الأسر المغربية بِِغضّ النظر عن الكلفة الأخلاقية التي تتطلبها هذه التجارة، والتي تمسّ سمعة المغرب وتنقل صورة سلبية عنه في الخارج، خاصة في دول الخليج، فالكل يعرف كيف ينظر إلينا الشرق والغرب... ولا بد أن أشير إلى أنه ما دام هناك طلب خارجي مستمر، كما سبق أن ذكرت، كلما اتّسع «حزب» الوسطاء، وسيزداد معه العرض أيضا، لأن الطلب يفرض العرض، والأكثر من ذلك أن المغرب أصبح فضاء لعدد من الوسطاء من جنسيات مختلفة، من بينهم أشخاص من أوربا والخليج العربي وإفريقيا، على كل حال، فهناك شبكات متعددة متخصصة في ترويج هذه «السلعة»، وفيها تقاطع لمجموعة من المصالح، إذ يتقاطع فيها، أحيانا، السياسي بالأخلاقيّ إلى درجة يصعب معها القضاء على هذا النوع من التجارة داخل مجتمعنا، خاصة في هذه الظروف الراهنة، وهذا المشكل لا يرتبط بمجتمعنا فقط، بل بكثير من المجتمعات التي هي على شاكلة المغرب.. -ما مدى تأثير هذه الظاهرة على المجتمع المغربي في ظل «تساهل» القانون؟ هناك مجموعة من الأمور التي تمخّضت عن انتشار الوسطاء وسماسرة «الأجساد»، والتي اتفق عليها الباحثون الاجتماعيون، وعلى رأسها صورة المجتمع في الخارج، وكأن كل مغربي يهاجر خارج أرض الوطن، خصوصا إلى دول الخليج العربي، يشتغل في هذا المجال.. ويمكن القول إن كل المغاربة، في مخيال هؤلاء المشارقة، هم «وسطاء»، بشكل أو بآخر، وهي صورة أُلصقت، ظلما بالمجتمع المغربي. ولعل ما وقع في رمضان الماضي من تلويث لسمعة المغرب من خلال عرض لسلسلة تلفزيونية في إحدى القنوات الفضائية الخليجية، أسالت الكثير من المداد، والتي استدعت تدخل وزير الإعلام المغربي ووزارة الخارجية لطلب الاعتذار من الجهة المنتجة للبرنامج (سلسلة بونبيل وبوقتادة) قد يُقرّبنا من صورة المغربيات والمغاربة في المخيال الخليجيّ.. من جهة أخرى، هناك تأثير الظاهرة بشكل مباشر على منظومة القيّم الأخلاقية، فللأسف الشديد، نجد الكثير من الأسر المغربية تتساهل في هذا المضمار، فحتى تلك القيّم الدينية التي كانت تؤطّر العلاقات بين الأسر أصبحت شبهَ منعدمة، بمعنى أن المجتمع المغربي عرف تراجعا خطيرا إلى درجة أنه أصبح من الممكن أن تلاحظ تغاضيّ الأسر عن مجموعة من الظواهر، وعلى رأسها الدعارة، إذ نجد شبكات داخل الأسر وداخل المؤسسات التعليمية، وفي بعض الأحيان، حتى في الإدارات العمومية.. وهذه الشبكات تشتغل داخل إطار شبه مُنظَّم، وهذا راجع بالأساس إلى اندحار سُلّم القيّم. -أشرت إلى نقطة مهمة تتعلق بمسألة التساهل في هذه التجارة.. ماذا تقصد بهذا الطرح؟ لا يجب أن ننسى نقطة مهمة، وهي تلك المرتبطة بكون المغرب ينحو منحى الحداثة، وبالتالي فهو مجتمع أصبح أفراده يتمتعون بنوع من الحريات والضمانات الأساسية التي لا يمكن التراجع عنها، وما دام المغرب قد اعترف في دستوره بأنه يلتزم بالحقوق كما هو متعارَف عليها عالميا، فإنه يصعب عليه الحد منها في مجال الحريات العامة. وأعتقد أن الدعارة، كظاهرة، تتخذ من مجال الحريات مجالا خفيّا، وهذا شق مرتبط بالحريات الفردية، لهذا أعتقد أن هناك تساهلا من الناحيتين القانونية والحقوقية. وقد لا نستغرب اليوم المطالبة بنوع من الظواهر الغريبة عن مجتمعنا، كالمطالبة بحقوق المثليين جنسيا، لأن المغرب صار بلدا أكثر انفتاحا وستكون هناك، في وقت لاحق، مَطالبُ للمتعاطيات للدعارة لضمان «حقوقهن»، لذلك فهناك تناقض بين منطق القانون المستمَدّ من الشريعة الإسلامية وبين ما تنص عليه الحقوق الكونية. والدعارة تحاول أن تتخذ حقوق نوع من الفئات المتضررة كذريعة ل«ابتزاز» الدولة، وما دامت الأخيرة غير قادرة على توفير متطلبات هذه الفئات فعليها، إذن، أن تقبل الرهان، بشكل أو بآخر. ويتعلق الشق الثاني، المرتبط بالتساهل، برهانات المغرب على تشجيع السياحة، وتعتبر اللوبيات التي تشتغل في هذا المجال أن الدعارة هي جزء لا يتجزأ من تشجيع السياحة في المغرب، لأن هناك عددا كبيرا من المتوافدين على بلادنا لأجْل تحقيق المتعة الجنسية أساسا، وهو ما يفرض منطقا سياسيا معينا، كما هو الشأن في الترخيص للخمور والقمار وغيرهما، ل«خدمة» السياح، وهذا ما يبرر، في اعتقادي، «تساهل» القانون المغربي في مجال الوساطة والدعارة، عموما. ونعود إلى إشكالية تطبيق القانون على الدعارة من جانب آخر، وليس أخيرا، فالفتيات الأنيقات من الطبقات الاجتماعية الأوفر حظا يملكن من الوسائل والأدوات ما يجعلهن يمارسن البغاء دون خوف كبير من السقوط في يد القانون، فهن لا يعملن بمفردهن وإنما ضمن شبكة منظمة وقوية يصعب الإيقاع بها. كما أن استخدامهن وسائلَ التكنولوجيا الحديثة في اصطياد الزبائن يجعلهن لا يقعن بسهولة -وإنْ حدث ذلك أحيانا، فمن باب الصدف فقط- كما أنهن يعملن غالبا في مهن أخرى يتّخذنها ك«ستار» يحول دون انكشاف أمرهن بسهولة، ويقع الحيف فقط في حق البغايا الأدنى مستوى.. من هنا، نلاحظ أن الحيف الاجتماعيَّ وارد حتى في ميدان البغاء، وهذا إشكال حقوقيّ من نوع آخر. -في نظرك، متى يمكن إضفاء صفة «الوسيط» على شخص معيّن، بعبارة أخرى: هل هناك مميزات محددة يجب على «الوسيط» أن يتمتع بها؟ لا أظن أن هناك مميزات خاصة بالأشخاص الذين يمارسون «القوادة»، لأن الشخص قد يكون إنسانا عاديا ويمتهن عملا آخر، لكنْ قد تجده غدا يمتهن تجارة «الجسد». فالوسيط، حتى من حيث التسمية، يصعب تحديد شخصيته، إلا أن هناك مجموعة من الشروط والمواصفات التي يتميز بها الوسطاء، من قبيل تلك التي نجدها لدى الوسطاء في مجالات أخرى، إذ يتمتعون بأسلوب ذكيّ ومرِن وبتعدد طرائق إقناع الطرف الآخر، ولديهم شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية، كما يتميزون بقدرة كبيرة على اقتناص الفرص، كما تكون لديهم خبرة في التعامل مع الفتيات، خاصة المراهقات منهن، والتي اكتسبوها من الشارع وليس انطلاقا من تربية جنسية مدرسية. -ما هي الفئات التي تتعاطى الوساطة في مجال الدعارة والبغاء بكثرة؟ لا تقتصر الوساطة على فئة اجتماعية معينة، فقد تجد وسطاء ينتمون إلى الفئات الفقيرة والكادحة، كما قد تجدهم ينتمون إلى فئات راقية جدا، فكل الفئات الاجتماعية تُنتج وسطاء للدعارة بمقاييس فئة معينة، لذلك لا يمكن أن نعتبر الفقر والحاجة إلى المال هما الدافعان الرئيسان إلى امتهان «تجارة العري»، بل نجد من ضمن الوسطاء «شخصيات وازنة» داخل المجتمع وأطرا «سامية» يصعب الاشتباه فيهم.. صحيح أن بعض الدراسات بيّنت أن غالبية المتعاطين للدعارة هم من الفئات الضعيفة، لكنْ في مقابل ذلك، تؤكد بعض النظريات أنه عندما يعتبر أشخاص أن مؤهلاتهم لا تُمكّنهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه، فإنهم يلجؤون إلى أساليبَ غير شرعية قصد بلوغ أهدافهم. ورغم أهمية هذه الدراسات، فهي تبقى نسبية، والاستثناء وارد، قطعا.