هذا اليوم، سيقضي الكثيرون وقتهم في كتابة عبارات التهنئة والمجاملة لبعضهم البعض. الملايين من الدراهم الإضافية ستدخل صندوق شركات الهواتف، والناس سيحسون بأنهم جزء من هذا العالم، وسيختارون أجمل عبارات التهاني وهم يعتقدون أن العام الجديد لم يكن ليأتي لولا تهانئهم لبعضهم البعض. السنة الهجرية، التي مرت قبل أسابيع، لم يلق الناس لها بالا، والذين هنأوا بعضهم البعض بحلولها بدوْا وكأنهم من أهل الكهف، لأن السنة الهجرية تبدو قديمة جدا، ومن يحتفل بها يبدو أقدم منها. شيء غريب أن يهرب الإنسان من زمنه ليسكن زمن الآخرين ويتوهم في النهاية أنه أكثر تطورا وتحضرا. الذين يقولون للمغاربة إن الاحتفال براس العام مذموم يضيعون وقتهم. فقد دخل شيء ما في عقول الناس يقول لهم إن راس العام عيد مثل باقي الأعياد، وأن شراء الكعكة والتزاحم عليها فيه أجر عظيم، وكلما غلت الكعكة وامتلأت بالكاراميل كان الأجر أكبر، تماما كما هو شأن خروف العيد، الذي كلما ثقل وغلا إلا ومال معه ميزان الحسنات. الفقراء سيقفون اليوم في طوابير طويلة أمام محلات الحلوى وهم يشتمون بعضهم بعضا في قرارة أنفسهم بسبب الزحام وعدم الوقوف في الطابور. بعد ذلك سيركبون حافلات مهترئة ووسخة ويتوجهون إلى براريكهم وأحيائهم العشوائية البئيسة لكي يشاركوا العالم فرحة راس العام. تجار الخمور الرخيصة يحققون هذه الأيام أرباحا قياسية، لأن المزاليط يتجرعون الكثير منها ثم يتقيأون على الأرصفة والجدران. ومروجو المخدرات الصلبة يبيعون كميات كبيرة من الهيروين والكوكايين، وفي كل رأس عام جديد يدخل الآلاف من المراهقين والشباب نادي المدمنين الجدد، لأنه غالبا ما تكون البداية بتنفيحة بسيطة وعابرة بمناسبة راس العام، قبل أن يطحن العام كله رأس المدمن الجديد. في ليلة راس العام، يشرّط الشّمْكارة وجوه بعضهم البعض احتفالا بهذه المناسبة المجيدة، وتستقبل أقسام المستعجلات آلاف المنكوبين من المضروبين بالأسلحة البيضاء، أو الشاربين لجعة فاسدة أو المنفّحين لكوكايين مغشوشة. هنيئا لهم كلهم براس العام. في كل رأس سنة جديدة، يحصي أصحاب الثروات ما راكموه من أموال وعقارات، ويغادر المغرب آلاف الأغنياء المغاربة لقضاء ليلة رأس السنة في قارات بعيدة، ويأتي إلى المغرب أغنياء كثيرون لقضاء الليلة الموعودة في مدن معلومة، بينما المزاليط يتزاحمون على الحلوى الرخيصة ويركبون حافلات بئيسة ويحتفلون براس للعام على شرف الواد الحار، الذي يمر قرب أنوفهم. المغربي الذي لا يجد عملا ومسكنا لائقا، وأولاده لا يجدون مدرسة قريبة، وجيرانه يشتركون معه في المرحاض، وابنه مدمن مخدرات، ونصف أجرته تذهب لأداء فواتير الماء والكهرباء، وفوق هذا وذاك، يحتفل براس العام، هذا المغربي يستحق فعلا جائزة «نوبل» للغباء. لو أن المغاربة البسطاء فكروا قليلا لوجدوا أن الوحيد الذي يستحق التهنئة براس العام هو الفساد، إنه الرابح دائما وأبدا، ولا أحد يستحق التهنئة برأس السنة الجديدة في المغرب أكثر منه. إنه الرابح الأكبر هذا العام، وفي العام الذي مضى، وفي كل السنوات الفائتة، وفي كل الأعوام المقبلة. إنه بطلنا المغوار، الذي يفوز علينا بالضربة القاضية في كل زمان ومكان، لذلك من حقه علينا أن ننحني له إجلالا في كل مناسبة ونتمنى له حياة مديدة ملؤها الأفراح والمسرات. اليوم يستحق الفساد أن نهنئه أكثر من غيره براس العام. فقد توقع كثيرون أن تكون 2011 سنته الأكثر سوادا، وتنبأ كثيرون بدفنه في أقرب الآجال، لكن المشكلة أنه في هذا العام ينبغي أن نقدم للفساد المغربي هدية خاصة، اعترافا بصموده. ربما نهديه علبة شوكولاته من النوع الرفيع، لأن الفساد يحتاج دوما لتحلية فمه. أو نقدم له قارورة عطر من أرقى الدور الفرنسية، لأن رائحته التي تزكم الأنوف تحتاج لعطر قوي وجميل، أو نقدم له صندوق ماكياج، لأن الفساد يحتاج كثيرا لتجميل وجهه البشع. أيها المغاربة، قفوا احتراما وإجلالا للفساد، الذي انتصر علينا جميعا، وانحنوا له قليلا وأنتم ترددون بصوت خافت وخشوع عبارة: كل سنة وأنت بألف خير.. أيها الفساد العزيز.