خلف جدران محاكم الأسرة يتداول القضاة يوميا قصص أسر كتبت عليها استحالة العيش.. مواقف وطرائف تعرفها المحاكم ويعيشها القضاة يوميا. «المساء» تنقل لكم تفاصيل يوم في محكمة الأسرة في الرباط في زنقة الموحدين في حي حسان في الرباط، تقوم بناية قديمة وسط تجمع سكاني.. لا شيء قد يوحي بأن البناية تابعة لوزارة العدل.. بناية يقف عند بابها شرطي للحرص على الأمن. مواطنون وزائرون يدخلون بسهولة إلى بهو المحكمة، التي تضم قاعتين خُصِّصت إحداهما لغرفة المشورة، بينما خُصِّصت الثانية لعقد الجلسات العلنية. لم يفت رئيسَ محكمة قضاء الأسرة في الرباط تنبيه الوافدين إلى المحكمة إلى ضرورة ارتداء ملابس «محتشمة لا تُخلّ بالآداب العامة».. إعلان تم تعليقه في كل جنبات المحكمة، عملا بمقولة و«ذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين». خالد جاء في ذلك اليوم إلى المحكمة، لأنه يرغب في مباشرة رفع دعوى قضائية «ضد نفسه»، بغية تسجيل ابنه في سجل الحالة المدنية.. في نفس المحكمة، التي أقر فيها القاضي طلاقه من زوجته السابقة، يحاول خالد أن يمنح اسمه العائلي لصغيره، الذي دخل شهره الثاني: «انفصلتُ عن زوجتي وهي حامل»، يقول خالد، الذي بدا مقتنعا بقرار تطليق زوجته، نزولا عند رغبتها.. لكن الطفل، الوليد سيحصل على نسبه والده: «من أجل ابني، أقوم بهذه الإجراءات، أما طليقتي فمن المستحيل أن أرجعها إلى عصمتي رغم أنها تريد ذلك»، قبل أن يضيف: «الكاس تْهرّسات».. خانها وطردها من بيت الزوجية رغم أن زوج نرمين اعترف بابنه وسجله في الحالة المدنية، فإنها تعاني من مشكل النفقة. تبتسم وهي تحكي قصتها: «أقفل مطعم الوجبات السريعة الذي يملكه، حتى لا يدفع مبلغ النفقة»، تقول نرمين، التي تبدو فرحة من حصولها على الطلاق: «تْهنّيت وما عْمري نعاود نتزوج»، تقول هذه الشابة (24 سنة)، قبل أن تجبيها سعاد: «لا تكوني متشائمة، فقد استطعتُ أن أتزوج مرة أخرى بعد طلاقي، وأنا أعيش الآن سعيدة مع زوجي الجديد».. نساء جلسن جنبا إلى جنب في كراسي قاعة المحكمة.. فتحت تلك النسوة باب الحديث في ما بينهن، بعدما انتهت جلسة الحكم في قضايا الطلاق والتطليق في انتظار دخول القاضي الثاني لمباشرة قضايا القضاء الجماعي. لكن كلمات سعاد المطمئنة من مستقبل زاهر لم تستطع انتزاع حالة اليأس التي دبّت في نفس نرمين، التي طردها طليقها من بيت الزوجية، رغم أنها كانت حاملا في شهرها الثالث: «كان يخونوني وكان مدمنا على المخدرات، لكنني تحملته وانظروا كيف قابل صبري»، تقول هذه الشابة، التي جاءت متأنقة إلى المحكمة عسى أن يثلج القاضي صدرها وتحتفل. فاطمة تشاطر نرمين في توجهها: «لن أتزوج مرة أخرى»، تقول هذه الأم، التي تنظر حصولها على الطلاق منذ حوالي سنة. «طلبت التطليق منذ حوالي سنة وما زالت أنتظر قرار المحكمة»، تقول قبل أن تضيف: «تشبثتُ بالطلاق في جميع جلسات الصلح». تقاطعها سعاد، وهي تحاول أن تعيد إليها الأمل: «انظري إلى زوجي الثاني، إنه يجلس هناك، فهو أفضل من زوجي السابق بكثير ولا وجه للمقارنة بينهما»، تقول سعاد، وهي تضم إلى صدرها صغيرتها، ذات ال9 أشهر، قبل أن تطبع قبلة على جبينها.
تزوجت ثانية بعد زواج أول دام شهرا واحدا حاولت سعاد أن ترفع معنويات السيدات المتواجدات في الحكمة، اللواتي تجمهرن حولها، وهي تحكي قصة طلاقها الأول. تعرضت هذه الشابة للتطليق بعد شهر من الزواج فقط: «أش غادي نْقول أنا اللّي طلّقني من بعد ما دخل بي»، تقول سعاد، بصوت خافت. قبلت هذه الشابة، الحاصلة على الإجازة في علم النفس، الزواج من مهاجر مغربي يقل عنها في المستوى التعليم، لكن الأمور لم تسر كما كانت تتوقع: «بمجرد مجيئه إلى المغرب، حاولت أسرته تفريقنا، بعدما شاهدوا تعلقه بي»، تقول وعلى وجهها ترتسم علامات الفرح، قبل أن تضيف: «أنا حْسن مْنّو وربي عوضني بلي أحسن منو».. استرعت هذه الأم، التي تزوجت في إيطاليا من رجل أعمال مصري، انتباه رفيقاتها في قاعة الحكمة، وهي تحكي كيف استطاعت كتابة حياتها من جديد، لكنها تتمنى ألا يطيل القاضي جلسات ثبوت الزوجية: «تزوجت في إيطاليا بعدما حصلت على أوراق الإقامة بفضل طليقي»، تقول هذه الشابة، حصلت على أوراق الإقامة في إيطاليا. في البداية، تأثرت من قرار زوجها السابق تطليقها رغم أنه كان يحبها: «كان طايْر بيّ، ولكن منينْ طلّقني بعد 7 أيام ديال الدخلة، تْصدمت»، تسترجع سعاد. سكتت لحظة واستدركت حديثها قائلة: «مْنين ما كيكونوش الدراري كتكون الأمور ساهلة.. هاد القاضي هو اللّي طلّقني بالزربة، والله يستر»، قالت سعاد بعدما دخل القاضي، وابتسمت، وهي تتذكر جلسات طلاقها من زوجها السابق.. سكتت هذه السيدة لحظة واستدارت إلى الشابة التي تجلس قربها واقتربت منها لتخبرها بتفاصيل جديدة عن طلاقها: «قال ليهْ واش هاد المرأة كيطلقوها الناس؟».. قالت باعتزاز، قبل أن تردف أن القاضي الأول أفضل من الثاني، لأنه حاول منحها، أكثر من مرة، مهلة للصلح، عكس ذلك القاضي، الذي قام بتطليقها بسرعة. لكنها رفعت أكفها إلى الباري من أجل أن يسهر هذا القاضي على تسهيل أوراق ثبوتية زواجها، الذي عقدته في إيطاليا من والد صغيرتها.
ضرب وطرد وحرمان من النفقة رغم أن الطلاق يحمل في طياته آثارا نفسية، فإنه قد يكون خلاص بعضهن من قصة زواج لم يكتب لها النجاح. تنتظر نرمين وخديجة «فرج الله»، القادم من القاعة الأولى لمحكمة الأسرة في الرباط، والتي تخصص للقضاء الجماعي والنفقة وقضايا الطلاق والتطليق، لأنهما عانيتا من زواج فاشل. خديجة واحدة من هؤلاء النسوة اللواتي فشلن في زواجهن. فالشابة تتعرض للضرب وللمعاملة السيئة من زوجها، الذي يكبرها بسنوات عديدة.. كانت والدتها أكثر توترا منها، وهي تسأل إنْ كان ملف ابنتها قد عرض صباحا أم إنه لم يعرض في ذلك اليوم.. نساء فرّقهن الانتماء الاجتماعي والمستوى التعليمي ولكن وحّدتهن مشاكل الطلاق وهروب الزوج من دفع النفقة: «راه كلهوم وْلاد لْحرام.. ما كبيغيوْش يْخصلّو النفقة»، قالت إحدى السيدات التي كانت رفقة صديقتها، قبل أن تجيبها فاطمة: «أنا سْمحت ليهْ فكلشي.. بغيت غي الحرية ديالي»، تقول قبل أن تردف: «كاين كيضربني».. قاطعتها نرمين، التي بدأت تتحدث بتوتر اختفت معه الابتسامة التي كانت تعلو وجهها منذ بادرت النساء إلى تبادل أطراف الحديث: «أنا وكان كيفسد علي، ويديه كلهم مشرطين واصبرت عليهم والأخير جْرا عليّ في الليل وأنا حاملة».. تزوجت نرمين من والد ابنتها بمجرد حصولها على الإجازة، فوجدت نفسها بعدما رفع زوجها دعوى التطليق بدون معيل، غير والدتها: «الحمد لله.. لقد ساندتني والدتي ماديا، وهي تعيلني حاليا، ابنتي وأنا»، تقول نرمين. عاشت هذه الشابة قصة زواج فاشل من مدمن مخدرات كان لا يتوانى للحظة عن خيانتها. فالمادة ال83 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين، حددت المحكمة ملف يودعه الزوج لدى كتابة الضبط في المحكمة في أجل 30 يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال. «طلّقني بسبب شي وحدة».. وجدت سميرة نفسها تحضر، هي الأخرى، جلسات المحكمة بعدما رفع زوجها دعوى للطلاق، بعد سنوات من زواج بني على قصة حب. كانت حياتها الزوجية عادية ولا تتخللها مشاكل قد تنذر بالطلاق، فقد أنجبا ابنهما الأول وخطَيا أول خطوة في سلم السعادة الزوجية وتكوين أسرة متماسكة. ظلت الأمور تسير بوتيرة طبيعية إلى غاية ذلك اليوم المشؤوم، تتذكر سميرة. سافر الزوج وغاب عن زوجته وابنه لمدة أسبوع. كانت هذه «الزوجة المخدوعة» تجهل أين قضى المدة التي تغيَّبَ فيها عن المنزل: «جا من العطلة وهتْر على الطلاق»، تقول سميرة، التي تنتظر أن تنصفها المحكمة، على الأقل، بخصوص النفقة، فهي لا تعمل، كما أن صغيرها في حاجة إلى مصاريف مهمة: «على الأقل، هو من غادر بيت الزوجية وما يزال يدفع سومة الكراء». تحضن سميرة صغيرها وترمقه بنظرات حزينة قبل أن تقول: «طلقني بسبب شي وحدة.. إيّه راه ما كاينة ثقة».. انتهت جلسة الطلاق والتطليق، التي تعقد في المحكمة يوم الخميس، دون أن يتم البت في ملفها. غادرت القاعة بحثا عن سبب تداول مرور ملفها في جلسة ذلك الخميس. غادرت الشابة التي لا يساندها محامٍ خلف المحرر القضائي لتسأل عن سبب مرور ملفها اليوم. تسهر على طلاق ابنتها الثانية غادرت السعيدية قاعة المحكمة، هي الأخرى، بعدما حدد القضائي جلسة أخرى لقضية طلاق ابنتها بسبب تغيُّب الزوج أو من ينوب عنه خلال هذه الجلسة، التي انطلقت أطوارها على الساعة العاشرة. السعيدية كانت متوترة منذ بداية الجلسة، لأن المحامي لم يحضر: «خلصهوم وما يجيويش». ما إن لمحت هذه السيدة المحامي حتى ابتهجت وصاحت في قاعة المحكمة مرددة: «ها أنا.. ها أنا»، قبل أن يرمقها المحامي بنظرات صارمة مشيرا عليها بالسكوت. جاءت السعيدية في ذلك اليوم من أجل الاستماع إلى حكم القاضي بخصوص قضية ابتنها المقيمة في الديار الإيطالية: «بتني هي لي بْغات تطلق بعد 3 سنين ديال الزواج».. أرادت مليكة الانفصال عن زوجها لأنه كان يضربها: «طلب من ابتني أن تعمل وتتكلف بسومة الكراء»، تقول هذه الأم، قبل أن تضيف: «باش هو يخسر فْلوسو في السكرة ولبنات».. لكن ابنة هذه السيدة حصلت، فعلا، على عمل في بلاد المهجر، وبفضله استطاعت الحصول على أوراق الإقامة في الديار الإيطالية، قبل أن ترفع دعوى التطليق. لم تكن تخشى أن يطلق عليها المجتمع لقب «مطلقة» رغم أن شقيقتها التي تكبرها سنا حصلت هي الأخرى، على هذا اللقب المكروه: «راه ما بقاو رْجال»، تقول السعيدية، قبل أن تسمع اسم ابنتها وتقوم لتقدم نفسها أمام رئيس الجلسة، الذي حدد يوم 5 من الشهر القادم موعدا جديدا للجلسة. غادرنا المحكمة في ذلك اليوم، والأكيد أن المحكمة ستشهد نفس القصص، حتى وإن اختلفت الشخوص..
6 حالات طلاق كل ساعة ساعة من الزمن في محاكم المملكة تعني النطق بحكم الطلاق في ست «حالات».. تسجل في المحاكم المغربية ست حالات طلاق في كل ساعة، ليصل عدد حالات الطلاق يوميا إلى ما يعادل 138 حالة، ما يعني أن قضاة المملكة يوافقون كل شهر على حوالي 4000 طلب طلاق، ليصل عدد الحالات المسجلة سنويا إلى 50 ألف حالة طلاق. وحسب هذه الأرقام، فإن 40 في المائة من طلبات الطلاق تقدمت بها النساء، وتأتي في مقدمتها طلبات التطليق للشقاق.