بتاريخ 7 دجنبر، قال بشار الأسد، في مقابلة له مع قناة أجنبية، إنه غير مسؤول عن القتل في بلده، وإنه لا يدير هذه العمليات، فهو رئيس البلد، ولكن ليس رئيس الدولة! والدولة هي التي تقوم بأعمال القتل، ومن يقتل شعبه لا يعدو أن يكون رجلا من عالم المجانين. هذه الإجابة الغبية من رئيس أعمى تجعلنا نضع أمثال هذه الكلمات والتصرفات تحت التشريح النفسي والتفكيك الفلسفي. إنه، فعلا، سؤال جدير بالطرح، فمن يقتل في سوريا.. هل هم أشخاص أم نظام كامل مثل الديناصور من العصر الطباشيري يفتك بأنيابه، وتقوده سيقان عملاقة إلى الضحية، ويمسك بالفريسة بأيد من مقابض عضلية، ثم يتحرك الرأس بعينين تقدح باللهب، يوجه الأوامر لفك عريض يتحرك بأوامر عصبية من دماغ مولغ مولع بالدم؟ من هو، فعلا، هذا الكائن الأسطوري؟ من هي عناصر المخابرات الجوية، أين يكمن دورها؟ أين يكمن دور الأمن العسكري وأمن الدولة والأمن السياسي وفرع فلسطين؟ ماذا يفعل أوغاد قطعان الشبيحة وفرق الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ومملوك وطالب والحاج والحجية بثينة؟ ما دور البوطي والحسون في الافتا والامضا؟ كيف ينغم الجميع وينشدون ويمضغون في وليمة جماعية، وهم يلتهمون لحوم الحمصيين بمتعة؟ فعلا، إنه أمر يحتاج إلى فهم وتفكيك.. من هو خلف القتل بشار؟ ماهر؟ آصف بن برخيا من مجلس الجان عن النبي سليمان؟ مخلوف وخالف وناصيف وبهجت وخولي ودوبا والعكاري المحقق والعطار نائبة الريس بدون منصب؟ أين دور كل هؤلاء المساخيط وما تبعة الجريمة في رقبة كل واحد؟ أذكر حين أرسل إلي أحدهم يقول: قرأت في «الأعلام» للزركلي ترجمة القاضي شعيب بن سهل (المتوفى 246 ه) وفيها: «قاض، من الجهمية، يقول بخلق القرآن ونفي الصفات والرؤية.. وُلِّي قضاء الرصافة أيام المعتصم، وكتب على باب مسجده: «القرآن مخلوق»، فأحرقت العامة بابه سنة 227 ه ونهبت بيته، قال مؤرخ بغداد: «وهو أول قاض أحرق بيته، وانتهب منزله، فيما بلغنا، وعزل من القضاء سنة 228 ه»..». وعلى افتراض أن هناك سوء تصرف في القصة، وعلى افتراض صحة القصة قبل ذلك.. ومن خلال قراءتي لمقالتك وأفكارك.. أحب أن أتعرف على رأيك في الآتي: هل من تصرف تصرفا خاطئا العامةُ أم القاضي أم الشيوخ الذين مارسوا التلقين في عقول العامة أم المعتصم وابن أبي دواد (السلطة).. أم من؟ أجبته بقولي: أولا، يجب أن أقول إنك رجل متقد الفكر، فمن سأل نما ومن قرر مات وخبا. وسؤالك هذا فلسفي وجودي. وفي يوم كنت معتقلا عند الرفاق الثوريين من البعثيين؛ ويومها اعتقلت أنا ودراجتي النارية زيادة في الاحتياط الاشتراكي. وحين دنت ساعة الإفراج بعد أن قضيت في المنفردة 54 يوما، ولا أتمناها لمن اعتقلني من الرفاق، جلس إلى جانبي عنصر مخابرات كبير الجثة عظيم الشاربين دمشقي من الميدان اسمه رياض، ولا أدري ما الذي جعله يسألني.. ربما لتأنيب ضمير وكوني معتقلا من أجل الضمير. قال: يا أستاذ، ما رأيك في مهنتنا؟ قلت له: ليس عندي رأي، ولكن الله أعطى رأيه فيكم؟ ارتعب وسأل بصوت لا يخلو من دهشة: الله له رأي فينا؟ قلت: نعم، قال الله فيكم: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين. سأل بتوسل: هي مهنتي، فماذا أعمل؟ قلت له: أشرفُ لك أن تذهب إلى سوق البصل فتشتغل فيه عن أخذ راتبك بجَلد الناس وتعذيبهم وكتابة التقارير السرية الكاذبة في حقهم. وشاهدي من قصة عنصر المخابرات، حيث كنت معتقلا يومها في (كركون الشيخ حسن) وزرت المكان عام 1993م فكان مغلقا مهجورا، وتمنيت أن أدخله فأتذكر تلك الأيام النحسات والمحقق يوسف طحطوح الجلاد الأعظم. أقول إن الآية القرآنية وزعت الخطأ على كل الهرم الخطأ بدءا من فرعون رأس السلطة، وانتهاء بالجنود الذين يخيل إليهم أنها أوامر تلقوها ونفذوها، وليس عليهم جناح من فعل أي شيء، طالما كانوا أدوات.. يطيعون الأوامر. والقرآن يقرن المسؤولية يوم القيامة بالفرد فلا تزر وازرة وزر أخرى، وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء، ولا ينفع المرء أقرب الناس إليه من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه. وفي هذا الإطار، تأتي أيضا قصة الإفك من سورة النور فهي توضح أيضا مسؤولية طائفة من الناس مع فارق الدرجة في الإثم، فكان القرآن في غاية الدقة حين قال إن الذين جاؤوا بالإفك (عصبة) منكم. وبذلك لم يبق الموضوع مناطا بفرد، والعمل الإنساني في غالبه اجتماعي، ومن دمر مدينة حماه على رؤوس أهلها عام 1982 لم يكن حافظ الأسد من أنجزها بيده فجز الرؤوس واستلب الأرواح إلى بلاد الأتراح بل بأذرعه من الأعوان والزعران والشبيحة من سرايا الدفاع والصراع وفرق الاقتحام والمداهمة. وهكذا، فالقرآن قال إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. ومن الآية ينقلب مفهوم الشر، فالشر ليس شرا كاملا مطلقا، بل هو هرم متعدد الوجوه، بعضها خير. والإجرام تقوم به عصابة، فمن أفرادها من تفتق ذهنه عن الفكرة، ومنهم من تولى التخطيط والتمويل، فتولى كبرها، وقد يكون أقلهم شأنا المنفذون وإن كانوا هم اليد العارية لإنفاذ الأمر. والأنظمة السياسية تفعل بنفس القانون، مثل ستالين وبيريا والرفاق الثوريين، أو هتلر وغوبلز وروهم والعصابة النازية، وفرانكو الذي قتل الشاعر جارسيا لوركا الغرناطي؛ وينطبق هذا على صدام وعصابته من طارق عزيز وبرزان التكريتي وعزت الدوري الذي مات في المخبأ، ووزرائه وأعوانه وأدوات جلده وتعذيبه؛ وحاليا مع طبيب العيون الأعمى بشار الأسد الذي نصب على عرش أبيه زورا، من مجلس شعب مزور، فجلس على كرسي السلطة، عفوا كرسي الإعدام، فهو يدفع ثمن أخطاء أبيه، يقول أن لا دخل له بآلة القتل الجهنمية التي روعت الشعب السوري وعرف أن جهنم موجودة على وجه الأرض لا ريب فيها! فكيف تحدد المسؤولية؟ في الواقع، إن محاكمات نورمبرغ بدأت عام 1946 على نحو سليم واختتمت على نحو سقيم، حين قالت في البداية إن كل من ساهم في الحرب وسعى إليها مجرم، ولكن من انتهوا على المقصلة كانوا مجرمي النازية لوحدهم، وخرج ترومان وستالين كأبطال، وكلا الاثنين مجرمان يشتركان في الجريمة ويختلفان في الدرجة، وبذلك انتهت محاكمات نورمبرغ بمهزلة بعد أن بدأت باسم العدالة. وينطبق هذا على القصة التي ذكرتها، فمن كان المسؤول.. هل المعتصم؟ هل القضاة؟ هل حرس الحماية والشرطة؟ هل الرعاع أم شيوخهم وأئمة الضلال؟ والجواب: لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. وهذا الكلام ينطبق على من قتل الحريري، ومن فجر أبراج نيويورك، ثم مقولة بشار الأسد الفاسدة وهي أن لا علاقة له بالقتل المنهجي والتعذيب حتى الموت. في كتاب «العبودية المختارة»، نكتشف أن من يستبد في بلد ليس الحاكم بل حلقة داخلية، رهط من ستة أشخاص، وقد يكونوا تسعة كما ذكر القرآن: («وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله» = تأمل.. أقسموا بالله على قتل نبي الله). وكل من جماعة الحلقة الداخلية له أتباع، والأتباع لهم أتباع، وبذا تتشكل الشبكة الجهنمية، ونهايتها في قبضة الطاغية. مع هذا، فالقرآن يقول إن الشيطان ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، ووصفة الخلاص ليست بقتل الطاغية بل بعدم طاعته فقط.. كلا لا تطعه واسجد واقترب. الشعب السوري كسر حاجز الخوف وقال لا.. الشعب السوري ماض في ثورته حتى النهاية.. وطبيب العيون الأعشى ستكون نهايته دموية كما كانت نهاية القذافي، فقد رسم كلاهما مصيره بريشة حمراء قانية لا تسر الناظرين. أهدي هذا الحديث إلى طبيب العيون الأعشى عسى أن يفتح عينيه فيبصر، وأن يتعود تحمل المسؤولية وألا يلقيها على الآخرين، فهذا هو طريق الخلاص: جاء في الإنجيل: ما أضيق الطريق الذي يوصل إلى الخلاص وقليلون هم الذين يسلكونه، وما أرحب الطريق الذي يقود إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يسلكونه. يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي: كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا؛ يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله عزّ وجلّ ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه. كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.