عبد الكريم الدرقاوي، أو كريمو كما يحلو للمقربين منه أن ينادوه، هو مدير تصوير تكون في بولونيا في ستينيات القرن الماضي، ويعد في الوقت الراهن مرجعا لمهنيي السينما في إطار تخصصه. وكرسي الاعتراف مع عبد الكريم الدرقاوي ذو ميزة خاصة تتمثل في كونه يكشف أيضا جزءا غير يسير من تفاصيل حياة أخيه، المخرج السينمائي مصطفى الدرقاوي. - بعد مرور ست وثلاثين سنة على عودتك من بولونيا، لازلت تتحدث بكثير من الحنين عن هذا البلد. هل فكرت في لحظة معينة في الاستقرار فيه؟ < كنت أقول دائما، وسأستمر في قول ذلك، إن أجمل لحظات حياتي قضيتها في بولونيا، وأحتفظ عن تلك الفترة إلى اليوم بذكريات رائعة ستبقى راسخة في ذاكرتي إلى الأبد. كل شيء كان متوفرا، فالحياة الثقافية كانت في أوج حركيتها، كما كنا نواظب على الذهاب إلى الباليه والأوبرا. وبالإضافة إلى ذلك، كان السكان يعاملوننا بشكل جيد. تخيلوا أننا حينما كنا نخرج لتناول وجباتنا في المطعم، كان عدد من الناس يدعوننا إلى موائدهم. البولونيون مضيافون وكرماء على عكس الفرنسيين الذين يبدون مشاعر عنصرية تجاه المغاربة والمغاربيين بصفة عامة. - لم يكن المناخ مناسبا لتقرر ما إذا كنت ستستقر في بولونيا؟ < لم أفكر أبدا في الاستقرار في بلد آخر غير وطني، ولم يكن يهمني ولا حتى يناسبني العمل في بلد أجنبي. فقد نشأت في بلدي وأنفقت عائلتي المال لأتمتع بأحسن تربية، وسيكون جبنا من جانبي ألا أُفِيد وطني بما اكتسبته من مؤهلات، ورغم الفرص الكثيرة التي أتيحت لي في بولونيا، فإنني لم أفكر أبدا في الاستقرار فيها إلى الأبد، بل إننا رفضنا ذلك حتى بالنسبة إلى العراق الذي اقترح علينا العمل في مركزه السينمائي من أجل تكوين السينمائيين. - ذهبتما إلى العراق في 1974. في أي ظروف انتقلتما إلى بلاد الرافدين؟ < كان العراق يعاني في تلك الفترة من مشكل الهجرة القروية لأن الناس كانوا يهجرون قراهم للاستقرار في المدينة. غير أن حكومة صدام حسين كانت في حاجة إلى من يحرث الأرض، ولذلك شيدت مدنا صغيرة بالقرب من القرى من أجل تشجيع الهجرة المعاكسة، وأرادت الحكومة العراقية أن تنتج أفلاما لترويج تلك الأفكار ونقل رسائل إيجابية وتأكيد مسيرة البلد الجيدة. وتم الإعلان إثر ذلك عن طلب عروض ظفرنا به لعدة عوامل، فبالإضافة إلى أننا عرب، فقد تكوَّنا في مدرسة «لودز» وأنتجنا عددا لا بأس به من الأفلام. كل هذه المعايير كانت كافية لتجعلنا نظفر بطلب العروض ذاك. وعليه، توجهنا، أنا وأخي، إلى العراق وبقينا هناك لمدة شهرين. - دعمتما من طرف كل من محمد بنعيسى ومحمد مليحي خلال مغامرتكما في العراق. أين تمثل دور هذين الرجلين في تلك التجربة؟ < كان محمد بنعيسى مديرا للإعلام في منظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة بروما، وهو الذي اتصل بنا ليخبرنا بأمر طلب العروض، وكان إلى جانب محمد مليحي طرَفا في المشروع بصفته منتجا منفذا، إذ إن كلا الرجلين كانا عضوين في شركة للإنتاج تدعى «شوف إنتاج». -اقترح عليكما مسيرو المركز السينمائي في العراق منصبا لتكوين المخرجين ومديري التصوير. لماذا رفضتما ذلك العرض؟ < على سبيل التندر، فوجئنا حقيقة عندما قمنا بزيارة المركز السينمائي، لأن تجهيزاته كانت جديدة، ولم يكن ينقص سوى أناس مؤهلين لاستخدامها. وقد توسل إلينا العراقيون لكي نقبل عرضهم معبرين عن استعدادهم ليدفعوا لنا أي أجر نطلبه بعدما أعجبوا بمنهجية عملنا، لكننا رفضنا عرضهم. لم نحبذ الأجواء العامة التي كانت سائدة في العراق، لأننا لم نكن نجد في هذا البلد أي مكان نتوجه إليه في أوقات فراغنا، وإنما كنا مجبرين على التوجه إلى لبنان في نهاية كل أسبوع. - بعد مرور أربع سنوات على التجربة العراقية، درَّست في معهد الحسن الثاني للسمعي البصري، الذي أسسته التلفزة المغربية. كيف عشت تلك التجربة؟ < درست بالفعل في هذا المركز بين 1978 و1981، علما بأن الألمان هم الذين موّلوا هذا المعهد الذي كان موجودا في مقر استوديوهات التلفزة بعين الشق بالدار البيضاء. كنت من بين السينمائيين المغاربة الذين تم استدعاؤهم لتكوين تقنيي التلفزة، الوحيدين الذين كان بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك التكوين على اعتبار أن المعهد لم تكن أبوابه مفتوحة أمام العموم، مع الأسف. كان ينبغي أن يتطور ذلك المعهد الذي كان يكوِّن مساعدين في الإخراج والصوت، لكن القدر كانت له كلمة أخرى، وهكذا أُغلقت أبوابه بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيسه. ترجمة محمد بوهريد